تذهب كلمات إعلان روسيا التخلي عن نظام «ويندوز»، الخميس، إلى أبعد من معانيها بما لا يُقاس، ولا يوصف ذلك بأقل من زلزال مع «تسونامي»، ربما رافقت ارتجاجاته وهزّاته الارتداديّة عوالم المعلوماتيّة والاتصالات طويلاً. هل كشفت روسيا سرّاً تقنيّاً دفيناً حمته «مايكروسوفت» دوماً؟ هل يمهد انكشاف «ويندوز» لزوال إمبراطوريّته العالميّة التي وصفها المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي بعبارة «نظام تشغيل واحد، عالم واحد؟».
ليس الحدث هيّناً على رغم كونه في بدايته. وللمرّة الأولى تتخلّى دولة نهائيّاً وكليّاً عن «ويندوز» الذي يُهيمن ظلّه المديد على حاسبات آلية الكرة الأرضيّة برمّتها.
واستدراكاً، على الأمر بيّنت روسيا أن التخلي يشمل جيشها كاملاً، بل يطاول أجهزته الإلكترونيّة كلّها، بما فيها الخليوي و«التابلت» التي ستعمل بداية من 2018 بنظام «آسترا لينوكس» (Astra Linux). ومن يعرف روسيا يدرك فوراً أن تلك الخطوة سيليها نشر ذلك النظام في الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتيّة، ثم اعتماده في مؤسّسات الدولة، بل تعميمه في «الكونفيدرالية الروسية» بكاملها، بحسب «الحياة.
ربما استفاد «آسترا لينوكس» من تخلّي «مايكروسوفت» المتواصل عن نُظُم تشغيلها، وهو أمر برزت خطورته بجلاء في ضربة فيروس «واناكراي» الذي استهدف «ويندوز إكس بي» العام 2017. إذ ساهم ذلك التخلي في انتشار الفيروس الذي أعطى برهاناً آخر على شدّة انتشار «ويندوز» في الدول كلّها. والأنكى أن بداية الحلّ تمثّلت في معاودة مايكروسوفت دعم ذلك النظام عبر حزمة أمنيّة رقميّة. هل تتذكّر بعض العقول «المُغرِضَة» أيضاً أن مكوّناً أساسيّاً في ذلك الفيروس تسرّب من «وكالة الأمن القومي»، مذكّراً بحروب شبه خفيّة بين الدول الكبرى على الإنترنت؟ أليس صحيحاً أن الوكالة لم تعط تفسيراً لتسرّب ذلك المكوّن الذي يستهدف ثغرة أمنيّة في «ويندوز»؟ استطراداً، ربما فكّر «المغرضون» أيضاً بأن شركة «كاسبارسكي» الشهيرة في الأمن المعلوماتي واجهت معركة ما زالت مستمرة، منذ انكشاف التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عام 2016، بل إن شركات كبرى في المعلوماتيّة، مثل «فايسبوك»، طالبت بوقف استعمال برامج «كاسبارسكي» في أميركا!
الأرجح، ليس مجازفة القول إن ما يلوح خلف الخطوة الروسيّة يذهب إلى أبعد من مجرد صنع نظام محلي تسيطر عليه حكومة سياديّة، وأعمق من التخلّص من الثغرات الأمنية في «ويندوز»، وأهم من المنافسة اقتصادياً مع هذا الأخير، بل أبعد حتى من حروب الإنترنت بحد ذاتها.
وبقول آخر، يتمثّل أحد المخاوف الكبرى في التخلي عن «ويندوز» بوجود وثائق وملفات ومواد «ملتيميديا» (Multimedia) لا تعمل إلا مع ذلك النظام. وإذا تمكّن «آسترا لينوكس» من تشغيل تلك المواد كلّها (ما يحصل بالتعرّف إلى تلك الشيفرة)، يزول ذلك العائق. وتذكيراً، تحمي «مايكروسوفت» تلك الشيفرة بوصفها سرّها الأعمق، بل ربما شريان حياتها. ومن دون طائل، حاولت أطراف دوليّة كثيرة كشفها، في خيط يمتد من الاتحاد الأوروبي إلى الرئيس الأمريكي السابق «بيل كلينتون الذي جاءت محاولته ضمن مسعاه لإنهاء ما رأى أنه احتكار من «مايكروسوفت» في عالم الكمبيوتر. وطُوّر نظام «آسترا لينوكس» باشراف عسكري مباشر، وتولت تطويره «المؤسّسة العلميّة/ الاستثماريّة روسبِت تيك» (RusBitTech)، ويعمل استناداً إلى نظام «لينوكس» المفتوح المصدر والمجاني أيضاً.
ربما مهّد «آسترا لينوكس» لعالم نظم تشغيل متعدد القطب، على غرار سعي روسيا لتعدد الأقطاب في النظام السياسي العالمي.
فهل كشفت روسيا أسرار «ويندوز» العميقة، خصوصاً تلك الشيفرة التي تربط النظام مع تطبيقاته كلها، مثل «وورد» و«إكسل» و«آكسيس» و«ميديا» ومحرّك البحث «إكسبلورر» وغيرها؟ إذا صحّ ذلك يصبح «آسترا لينوكس» جاهزاً ليكون بديلاً منافساً لـ«ويندوز» في أسواق العالم كله.
*الخليج الجديد