مما لا شك فيه أن إجراءات تنظيم الوظيفة العامة تبدأ من وزارة الخدمة المدنية، لكن في ظل وزيرها المحسوب على المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا عبدالناصر الوالي، صارت محطة لممارسة الفساد وتجاوز القانون.
حالات كثيرة لانتهاك قانون الخدمة المدنية والتأمينات عبر إصدار فتاوى وقرارات تكليف لا تنطلق من مرجعيات قانونية واضحة، دفعت بعض المتضررين إلى رفع دعاوى قضائية ضد الوزارة.
ويرى مراقبون أن هذه المخالفات من شأنها أن تترك آثاراً مستقبلية داخل مؤسسات الدولة، سيكون ضحيتها شريحة كبيرة من الكوادر المؤهلة التي لم تجد فرصتها في الوظيفة الحكومية رغم أحقيتها بذلك.
خروقات قانونية
سُمعة الوزير عبدالناصر الوالي، ليست براقة على المستوى الإداري، فقبل أن يتولى منصب وزير الخدمة المدنية والتأمينات كان يعمل مديراً لمكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة عدن وقام الموظفون بطرده من المكتب على خلفية قضايا عنصرية وفساد مالي وإداري.
وفي استمرار لمسلسل الفساد، أطلع “يمن شباب نت” على وثائق تؤكد قيام وزير الخدمة المدنية بتثبيت عدد (31) متعاقداً لدى الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية وأصدر لهم فتوى توظيف دون الرجوع للهيكل الإداري المنظم للوزارة.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الخدمة المدنية، إن هذا العبث الوظيفي يتم في حين أن هناك عشرات الآلاف من ملفات الخريجين المقيدة في الوزارة منذ العام 2014م على أمل اعتماد توظفيهم في سجلات الخدمة المدنية.
وأوضح المصدر في حديثه لـ”يمن شباب نت” أن فتوى التوظيف التي تم إصدارها في أغسطس/ آب من العام الجاري لمتعاقدين من الهيئة العليا للأدوية تعتبر مزورة رغم أنها تحمل ختم وزارة الخدمة المدنية، معللاً ذلك بسبب عدم خضوعها للهيكل الإداري المتعارف عليه بالوزارة بما فيها إجراءات هيئة الموارد البشرية والشؤون المالية، مضيفاً أن هذه الفتاوى “تم إصدارها وفقا لنظام المحسوبية والمناطقية”.
وفي وقت سابق، قام وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبدالناصر الوالي، بتمرير فتوى لثلاثة متعاقدين من المقربين في مكتبه وأحد أصدقاء نجله أحمد عبدالناصر، بصورة مخالفة للإجراءات القانونية، وفقا للمصدر المسؤول.
وذكر المصدر ـالذي تحفظ عن ذكر اسمه لدواعٍ مهنيةـ أن هناك “وزارة مصغرة” داخل الخدمة المدنية تقوم بإصدار فتاوى توظيف مزورة وعلاوات مخالفة للنظام، وهي مكونة من الوزير الوالي ومدير عام الأجور بالوزارة محمد حسين الحداد والمكلف من قبل الوزير دون قرار جمهوري.
وتابع: “أصبحت القاعدة العامة أن تجهز اجراءات التوظيف وتثبيت المتعاقدين والتسويات والعلاوات في بيت الحداد تحت توقيعه وتوقيع الوزير فقط، والاستثناء هو ما يتم من خلال هيكل الوزارة الرسمي”.
ودعا المصدر المسؤول كل الموظفين والمتعاقدين في وزارة الخدمة المدنية إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه الفساد المالي والإداري الذي يمارسه الوزير الوالي، مشيراً إلى أن الكل سينال نصيبه من الإقصاء والتهميش إذا استمر الصمت حيال ذلك.
صراع المصالح
وفقاً للهيكل الإداري للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات فإن قرار تعيين مدراء الفروع في المحافظات يكون من قبل رئيس الوزراء بترشيح من المحافظ، لكن وزير الخدمة المدنية قام، الأحد الماضي، بتعيين قيادياً عسكرياً في قوات الانتقالي مديرا للهيئة في محافظة أبين وأقال المدير السابق.
وقال مصدر مطلع لـ”يمن شباب نت” إن الوزير الوالي قام بتعيين العميد نبيل محمد شيخ، في منصب مدني بصورة غير قانونية في حين هو يعمل مديراً لدائرة القوى البشرية بألوية الدعم والاسناد التابع لقوات الحزام الأمني بالمجلس الانتقالي.
وأوضح أن هذا التعيين قوبل بالرفض من قبل محافظ محافظة أبين اللواء الركن أبو بكر حسين سالم، معتبراً ذلك تجاوزا لصلاحيات السلطة المحلية بالمحافظة والهيكل الإداري للهيئة.
ومن جهتها أعلنت قيادات ومشايخ محافظة أبين، الثلاثاء، تأييدها لموقف محافظ محافظة أبين، متهمين الوزير الوالي بمحاولة اشعال الخلافات بين أبناء أبين والمجلس الانتقالي.
ويبدو أن هذا الخلاف سيفتح مجالاً للانقسام في أوساط قيادات المجلس الانتقالي بمحافظة أبين على أساس من المحسوبية وصراع المصالح مالم يتم احتواءها من المستوى الأعلى.
تفشي الفساد
يتعرض موظفو وزارة الخدمة المدنية والتأمينات في العاصمة المؤقتة عدن للإقصاء والتهميش من قبل الوزير عبدالناصر الوالي، في حين قام بحصر عمل الوزارة على المقربين منه لتمرير مخالفات قانونية بإجراءات رسمية.
وكشف مصدر مطلع في الوزارة لـ”يمن شباب نت” عن صفقة فساد بين مدير عام نظم المعلومات فائز بن سند ومدير عام الشؤون المالية بالمؤسسة العامة للتأمينات عبدالله صلاح وكلاهما معينين بتكليف من الوزير الوالي.
وبلغت صفقة الفساد أكثر من ثلاثين مليون ريال يمني، من أجل شراء أدوات وأجهزة الكرتونية للمؤسسة العامة للتأمينات والمعاشات قيمتها التقريبية في السوق نحو 15 مليونا، بحسب المصدر.
ويبين المصدر أن عملية الشراء جرت بصورة مخالفة لقانون المشتريات بالوزارة، حيث أنها “لم تمر عبر لجنة المناقصات بالمؤسسة ولم تمر كذلك عبر مدير المشتريات ومدير الحسابات”.
وأضاف أن مدير نظم المعلومات قدم طلب لشراء تجهيزات ضرورية وعلى إثرها قام المدير المالي بطلب عُهدة بمبلغ 15 مليونا لشرائها، وتم صرف المبلغ قبل تقديم عروض السعر.
وتابع المصدر أنه اتضح بعد ذلك أن عروض السعر مقدمة من محلات يملكها مدير نظم المعلومات فائز بن سند، وتم الموافقة على عملية الشراء المشكوك في نزاهتها بعد قيام المدير المالي بتشكيل لجنة للفحص والاستلام برئاسة بن سند نفسه الذي أعد المواصفات المطلوبة وأحضر عروض السعر من محلاته.
وذكر المصدر أن المدير بن سند ومن منطلق تحايلي أدعى عدم احتساب مبلغ الضرائب أثناء تسعير الأجهزة ليتم صرف فارق سعر إضافي على قيمتها من قبل المدير المالي الذي اقترح أن يظل لديه المبلغ المتبقي من الثلاثين مليون لشراء أجهزة أخرى.
تعيينات مخالفة
لا تتوقف ممارسات وزير الخدمة المدينة على الفساد المالي والإداري، فقد وصل الأمر إلى اقتحام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بقوة مسلحة، في أغسطس/ آب من العام الماضي، بدعم من قائد قوات الدعم والإسناد محسن الوالي.
وذكر مصدر مطلع آنذاك، أن الاقتحام جاء على خلفية إلغاء المحكمة قرار الوزير الوالي بتعيين نائب لرئيس مؤسسة التأمينات بناءً على الطعن المقدم ضد القرار من قبل مدير عام الشؤون القانونية بالمؤسسة علي عبده حزام.
ونتيجة لذلك قام الوالي بإقالة رئيس المؤسسة المعين بقرار جمهوري وتعيين قائما بالأعمال، ما جعل الرئيس الشرعي يتقدم وقتها بدعوى للمحكمة الإدارية والتي بدورها أصدرت حكماً لصالحه.
واستمرارا لتجاوزاته التي لم يوضع لها حد، أصدر الوالي قرار وزاريا في يونيو/ حزيران من العام الماضي بشأن تكليف أكرم عبدالله الكميتي نائبا لرئيس المؤسسة العامة للتأمينات.
كما سبق له أن أصدر قرارات عدة مخالفة للقوانين واللوائح النافذة في المؤسسة العامة للتأمينات، حيث أصدر في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، قراراً بتكليف عبدالله محسن سريع قائما بأعمال نائب المؤسسة العامة للتأمينات، مع العلم أن التعيين في هذا المنصب من اختصاص رئيس الجمهورية بناء على تكليف رئيس الوزراء.
وقبلها قام بتكليف الدكتور عبدالله الدكتور عبدالله داوود باوزير مستشارا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة في مارس/ آذار من العام 2021م، وهذا المنصب غير منصوص عليه في الهيكل التنظيمي للمؤسسة.
وفي يونيو من نفس العام، أصدر قرارا وزاريا بتكليف محمد صالح العيسائي مستشارا لوزير الخدمة المدنية والتأمينات لشؤون الاستثمار، وهذا المنصب كذلك غير منصوص عليه في الهيكل التنظيمي للمؤسسة.
إقصاء متعمد
تتخذ وزارة الخدمة المدنية والتأمينات من هنجر استثماري تابع للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات مقراً لها في العاصمة المؤقتة عدن، بعد البسط عليه بالقوة من قبل الوزير الوالي حسب مصدر مطلع تحدث لـ “يمن شباب نت”.
ويضيف: “من خلال الوزارة المصغرة التي يديرها الوزير الوالي ومدير الأجور الحداد، يتم تعطيل عمل باقي الإدارات في عملية اقصاء وتهميش متعمدة تمارس حتى على نائب الوزير ووكيل الوزارة المعينين بقرار جمهوري”.
وطالت عمليات الإقصاء موظفين آخرين كمدير عام مركز المعلومات بالوزارة شكري بن شعيب، والذي كان له دور كبير في جمع بيانات موظفي الوزارة بعد نقلها إلى العاصمة المؤقتة عدن، كما تم اقصاء مدراء عموم الموارد البشرية في وزارة الخدمة المدنية ممن كان لهم دور كبير في إعادة ترتيب وتنظيم مرافق الدولة، واستبدلهم بشخصيات من خارج الوزارة وبعضهم من المتعاقدين والعسكريين، حسب المصدر.
المصدر: يمن شباب