جماعة الحوثي تساير الوسطاء دون نية لتحقيق السلام

محرر 223 أغسطس 2023
جماعة الحوثي تساير الوسطاء دون نية لتحقيق السلام

يرى مراقبون أن جماعة الحوثي مازالت على موقفها الرافض للسلام، وأن معظم ما تقوم به هو مسايرة الوسيط العماني في سياق مناوراتها لانتزاع المزيد من المكاسب، دون أن تكون لها أي نوايا حقيقية لتقديم تنازلات تهيئ الأجواء لعملية تفاوضية ناجحة.

ربطت تصريحات لقيادات حوثية الدخول في حوار مباشر مع الحكومة الشرعية بتقديم تنازلات عاجلة فيما تعتبره الجماعة استحقاقات إنسانية، في إشارة إلى ملف “الرواتب” ومطار صنعاء وميناء الحديدة.

جاء ذلك في أعقاب مغادرة وفد الوساطة العماني صنعاء، بعد زيارة هدفت إلى “استئناف العملية التفاوضية”.

وقالت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين إن الوسطاء العمانيين غادروا صنعاء برفقة الوفد التفاوضي الحوثي إلى العاصمة العمانية مسقط، بعد لقاءات جمعت الوفد بقيادات حوثية من بينها رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، فيما لا يتم الإعلان عن أي لقاء بين الوفد العماني وزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.

وتضمنت اللقاءات بحسب ما نقلته الوكالة تجديد الحوثيين لقائمة مطالبهم التقليدية أو “الاستحقاقات الإنسانية” بحسب تعبير رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين و “المتمثلة في صرف رواتب كافة موظفي الدولة وفتح مطار صنعاء الدولي وإزالة كافة القيود المفروضة على موانئ الحديدة”، وهي الاشتراطات التي يطالب الحوثيون التحالف العربي والحكومة الشرعية بتنفيذها قبل الدخول في أي مشاورات حقيقية لإنهاء الحرب في اليمن.

وصرح عضو الوفد الحوثي المفاوض عبدالملك العجري، لدى وصول الوفد برفقة الوفد العماني إلى مسقط، بأنه “سيجري الترتيب لجولة مفاوضات قادمة يسعى من خلالها الوفد الوطني لأن تكون حاسمة في وضع حد لمعاناة الشعب اليمني لاسيما لجهة الاستحقاقات الإنسانية لأن استمرارها هو استمرار للحرب بشكل آخر أكثر فتكا وأشد وطئا”.

ويسعى الحوثيون لانتزاع مكاسب اقتصادية وسياسية جديدة، دون تقديم أي التزامات للمجتمع الدولي أو الإقليم والحكومة الشرعية، ويتصدر قائمة المطالب الحوثية في هذه المرحلة توسيع مكاسبهم التي حققوها منذ إعلان الهدنة الأممية في أبريل 2022 دون الاتفاق على تمديدها بشكل رسمي، حيث يطالب الحوثيون برفع القيود بشكل كامل عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء وصرف “رواتب” موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، من إيرادات النفط والغاز في المحافظات المحررة.

وتشير مصادر سياسية مطلعة إلى وجود عقبات كبيرة تعترض طريق المطالب الحوثية التي تعمل على توظيف ورقة التناقضات والتباينات داخل معسكر السلطة الشرعية في اليمن؛ حيث تبدي المكونات الجنوبية، في مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، رفضا قاطعا لتقاسم إيرادات النفط في المحافظات الجنوبية مع الحوثيين تحت أي ظروف أو ضغوط خارجية، كما يطالب الانتقالي بتشكيل وفد جنوبي للتفاوض على مستقبل القضية الجنوبية ضمن أي مشاورات للحل النهائي.

وفي هذا السياق شددت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي الأحد، في اجتماعها الدوري، برئاسة عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس على “ترحيبها بأي جهود تُفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار يؤسس لعملية سلام شاملة ومستدامة تكون قضية الجنوب حاضرة في جميع مراحلها ضمن إطارها التفاوضي الخاص بها”، مؤكدة على سرعة تشكيل الوفد التفاوضي المشترك ليتولى مسؤولية العملية التفاوضية بكامل تفاصيلها.

وجددت الهيئة التأكيد على أن “موارد وثروات الجنوب هي حقٌ سيادي لأبنائه، وهم من يقررون مصير كل ما يرتبط بأرضهم، أو يمس حقوقهم ومصالحهم ويحدد مستقبلهم السياسي”.

وحول آفاق نجاح جهود الوساطة العمانية في ظل التسريبات المتداولة عن توافقات جزئية، قال المحلل السياسي اليمني عزت مصطفى إن “الحديث عن اتفاق شامل يبدو بعيدا حتى إن اعتقدت الوساطات أنها تقترب منه نتيجة المخاوف الحوثية من تداعيات انتهاء الحرب عليها دون حصولها على كل شيء بلا مقابل، وهو أمر يعود إلى طبيعة المشروع الحوثي أيديولوجيا وطبيعة مصدر تغذيته إقليميا، كما أن الجهود العمانية لم تتطور حتى الآن من جهة النظر للوساطة باعتبارها مسارا لتحقيق السلام المستدام وليست إنهاء للحرب”.

وأشار مصطفى في تصريحات لـ “العرب” إلى أن “زيارة الوفد العماني إلى صنعاء هي محاولة لإعادة الجهود إلى المربع الذي تطور في أبريل الماضي بالتقدم الذي بادرت إليه المملكة العربية السعودية والزيارة التي قام بها السفير السعودي لدى اليمن إلى صنعاء، والتي لم تقابلها أي خطوات حوثية تشجع السلطة الشرعية والتحالف العربي على المضي بنفس الوتيرة نحو السلام، بل ذهبت الجماعة الحوثية إلى توظيف مبادرات السلام إعلاميا للنيل من مقدميها وكانت ترغب، حسب ما رصد ضمن إعلامها، في توظيف زيارة الوفد العماني إلى صنعاء في نفس الاتجاه بحديثها عن توقعات بزيارة وفد سعودي بالتزامن مع زيارة الوفد العماني”.

وأضاف المحلل السياسي اليمني “يبدو أن الدبلوماسية السعودية قد نجحت في دور الوساطة واتخاذها خطوات جريئة نحو السلام ومحاولة دفعها الحوثيين إلى اتخاذ خطوات بالمثل، وهو ما يكشف عن المخاوف الحوثية من السلام بشكل جلي ويبين المأزق الذي وصلت إليه الجماعة بعدم تجرّئها على قبول خيار التسوية وعدم تجرئها على مواصلة الحرب في نفس الوقت”، لافتا إلى أن “سياسة السلطة الشرعية تجاه السلام متوائمة مع سياسة السعودية في الإبقاء على الهدنة وإعطاء مساحة لاختبار الوساطة العمانية في إمكان ممارستها ضغطا على الميليشيا إذا أرادت تحقيق إنجاز يفضي إلى سلام شامل وعادل ومستدام وهذا أمر يصطدم باعتقاد جماعة الحوثي في إمكانية بقائها ونموها في بيئة سلام تشمل كل اليمنيين”.

وخفّض الباحث اليمني فارس البيل سقف التوقعات والتفاؤل المفرط حيال حدوث انفراجة وشيكة أو اتفاق ما ينهي المعاناة الإنسانية في البلد، مشيرا إلى أن سبب ذلك يعود إلى غياب الرغبة الحقيقية والقرار وكذلك الرؤية لدى ميليشيا الحوثي للتخلي عن مكتسباتها والانتقال إلى مرحلة شراكة وتسوية تفضي إلى الخروج من دائرة الحرب.

واعتبر البيل في تصريحات لـ “العرب” أن “ما تفعله جماعة الحوثي هو فقط مناورة لسحب المزيد من المكاسب، أما الحرب فهي بيئتها التي إن تُغادرْها تمُتْ”.

وعن رسائل الحوثيين التي تبدي ليونة أكثر تجاه جهود السلام أضاف “وجدت جماعة الحوثي نفسها تحت ضغط شعبي بسبب الرواتب والوضع الاقتصادي، ولم تعد قادرة على التعلل بالمعارك في ظل هدنة هشة وتوقف لآلة الحرب مؤقتا، وبدأت باللعب على ورقة الرواتب والمنافذ والعملة، لكنها في المقابل لن تقدم تنازلا واحدا عن مكتسباتها، ولن نشاهدها تفتح منفذا واحدا على تعز مثلا أو غيرها”.

وتابع “المعادلة معروفة، لا قرار لمغادرة الحرب والتخلي عن الثروة والقهر، لكنها تساير الجهود الدولية وتلعب على الزمن وما يمكنها سلبه. لذلك، حتى لو كان هناك نجاح إعلامي للوساطة أو حتى إعلان اتفاق، فإننا لن نصل إلى مرحلة التنفيذ والتسليم والانتقال إلى شراكة أو تسوية من جانب الميليشيا”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق