لم تستغرق ما تسمى بـ “القوات المسلحة الجنوبية” التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال، والمدعوم إماراتياً، سوى ساعات، الثلاثاء، لبسط سيطرتها على محافظة أبين، شرق العاصمة المؤقتة عدن، جنوب اليمن، بعدما اختارت الأجهزة العسكرية والأمنية تسليم المدينة من دون قتال. وجاء ذلك بعد أن كانت قوات “الانتقالي” قد أعلنت، مساء الإثنين الماضي، عن عملية عسكرية سمّتها “سهام الشرق” للسيطرة على محافظة أبين، في ثاني عملية خلال شهر واحد.
ويبدو واضحاً أن “الانتقالي” يستعجل تحت عناوين شتى قضم محافظات جنوب اليمن الواحدة تلو الأخرى على حساب السلطة الشرعية. ومن أصل 6 محافظات جنوبية، يسيطر “الانتقالي” اليوم على عدن، وشبوة، وأبين، فيما تميل له الكفة السياسية والعسكرية في كل من لحج وحضرموت. وتتجه الأنظار إلى وادي حضرموت الذي يتوقع أن يكون الوجهة العسكرية المقبلة لـ”الانتقالي”، فيما تتبقى محافظة المهرة التي تتقاسم قوى داخلية وخارجية عدة النفوذ فيها، ما يجعل من قضمها مهمة أصعب راهناً.
وتتزامن التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي مع أخرى سياسية من خلال إبدائه انفتاحاً غير مسبوق على قوى من الحراك الجنوبي، لطالما كان على خلاف معها.
“المجلس الانتقالي” بات يسيطر على عدن وشبوة وأبين
وشهد يوم الأحد الماضي عودة رئيس المكتب السياسي للحراك الثوري الجنوبي فادي حسن باعوم إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد سنوات من الخلافات مع “المجلس الانتقالي الجنوبي” والحكومة التابعة للشرعية، منذ انطلاق الحرب، معلناً لدى وصوله عن بدء صفحة جنوبية جديدة. مع العلم أن للأخير صلات إقليمية عدة، بما في ذلك مع إيران، وكان يتبنى مواقف منتقدة للوجود الإماراتي في اليمن.
وأعلنت القوات التابعة للانفصاليين عن العملية في أبين، لتحقيق عدد من الأهداف المتمثلة في “تطهير أبين من التنظيمات المتطرفة والإرهابية”، وإزالة ما سمته “خطر التخادم الإخواني الحوثي مع تنظيم القاعدة في أبين”، إضافة إلى “تعزيز تأمين العاصمة عدن ومحافظات الجنوب الأخرى، وتأمين الطرق بين محافظات ومناطق الجنوب”.
مع العلم أنه تم تحرير المحافظة من جماعة الحوثيين في العام 2016 بدعم من التحالف العربي، لكن المعركة مع الجماعة ما زالت مستمرة في حدود محافظة البيضاء، وتوقفت مع الهدنة السارية في اليمن في مختلف الجبهات. غير أنه بسبب التضاريس والسلاسل الجبلية الكبيرة التي تربط محافظة أبين بمحافظات البيضاء وشبوة ولحج، تحوّلت هذه السلاسل إلى طريق لتنقل عناصر متشددة، وأيضاً مواقع اختباء لهم، فكلما كانت تشنّ الدولة عملياتها العسكرية ضد هذه الجماعات، كانت هذه الأخيرة تستغل تلك التضاريس للهروب والتخفي.
وشهدت أبين هذا العام هجمات على جنود تشتبه السلطات بأنها من تنفيذ تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” الذي استغل الحرب بين الحوثيين والتحالف لتعزيز نفوذه. وسبق أن شهدت المحافظة مواجهات عسكرية عدة مع تنظيمي “القاعدة” و”أنصار الشريعة”، من بينها إطلاق الدولة عمليات عسكرية عديدة لتطهير أبين من التنظيمات المتشددة، بما في ذلك خلال عهد الرئيس الأسبق الراحل علي عبد الله صالح.
كما شهدت أبين مواجهات عدة بين الشرعية و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، أبرزها في نهاية عام 2019، واستمرت حتى توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
سيطرة “المجلس الانتقالي الجنوبي” على أبين
وحسب مصادر في “المجلس الانتقالي” وأخرى في السلطات المحلية في أبين تحدثت مع “العربي الجديد”، فإن قوات محور أبين والقوات الآتية من عدن لم تجد مواجهة أو اعتراضاً على دخولها جميع مناطق محافظة أبين.
ونأت القوات الأمنية والعسكرية الموجودة في أبين بنفسها عن الصراع، وسلّمت المواقع والمدن لقوات “المجلس الانتقالي الجنوبي”. والتقت القيادات الأمنية في أبين مع قيادات عملية “سهام الشرق” العسكرية، وأبلغتهم بأن لا نية للمواجهة وأن “الجميع صفاً واحداً لمواجهة الفوضى والجماعات المتطرفة”، وفق المصادر.
وقال النقيب في قوات أمن أبين سليمان المرفدي، لـ”العربي الجديد”، إن محافظة أبين “أغلقت صفحة من الصراع اليوم وتجنّب الجميع المواجهة، وبدأ فصل جديد نأمل أن يكون فصل الاستقرار والتنمية بعد سنوات، بل أكثر من عقد، كانت فيها أبين هي محور الصراع من دون توقف؛ منذ عهد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، ثم عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي (الذي يتحدر من أبين)، وأخيراً عهد مجلس القيادة الرئاسي”.
وأضاف “لذلك يأمل المواطن بعدما سيطرت قوات جنوبية على أبين، أن تنتهي أزماتها ومشاكلها وأن ينتهي الإرهاب الذي كان يستخدم أبين وأبناءها ورقة لإشعال الحروب والأزمات، وقد دفعت المحافظة ثمناً باهظاً بسبب ذلك خلال العقد الماضي”.
مع العلم أن “المجلس الانتقالي” بدأ منذ الشهر الماضي التمهيد للسيطرة على محافظة أبين، إذ دفعت قيادة قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس، مطلع يوليو/ تموز الماضي، بقوات جديدة إلى مدينة شقرة الساحلية في المحافظة. وجاء دخول هذه القوات إلى أبين (على بعد نحو 200 كيلومتر من عدن) تحت عنوان ضبط الوضع الأمني فيها لتأمين عدن، لا سيما مع عودة الاغتيالات والاعتداءات إلى العاصمة اليمنية المؤقتة، التي يتخذها مجلس القيادة الرئاسي مقراً له منذ تشكيله في إبريل/ نيسان الماضي.
تضارب بشأن موقف المجلس الرئاسي اليمني
في موازاة ذلك، ظهرت حالة من التضارب في المعلومات لدى الأوساط المقربة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي. وتواصلت “العربي الجديد” مع أكثر من مصدر على مدى يومين للاستفسار حول عملية “سهام الشرق” العسكرية وموقف مجلس القيادة الرئاسي، الذي يضم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، كأحد أعضائه.
فريق أول من المصادر قال باقتضاب إن العملية تمت بعلم واتفاق مسبق بين الطرفين أثناء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في الرياض، من دون أن يفسّر لماذا تسربت مذكرة من رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي للزبيدي تطالب بوقف العملية، عبر موظفي قصر معاشيق الذين وزعوا المذكرة عبر تطبيق واتساب، من دون أن يتم نشرها على وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” بنسختها التي تديرها الشرعية.
في المقابل، قال فريق ثانٍ إن “التحالف العربي” هو الذي أعطى الضوء لقوات “المجلس الانتقالي” لبسط سيطرتها وتقليص نفوذ حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) في المناطق المحررة، وبموافقة أغلب أطراف الشرعية الموجودة داخل مجلس القيادة الرئاسي وخارجه.
مع العلم أنه تسربت خلال الأيام الماضية أنباء عن لقاء جمع العليمي مع القياديَيْن في حزب الإصلاح عبد الرزاق الهجري وأحمد القميري في الرياض. ويوجد العليمي منذ 15 أغسطس/ آب الحالي خارج عدن بعدما توجه أولاً إلى الإمارات ثم انتقل إلى السعودية في زيارة وصفتها “سبأ” بأنها “غير رسمية”.
من جهته، رأى فريق ثالث أن عدم اندلاع مواجهات خفف من حدة تداعيات العملية العسكرية، وفي الوقت نفسه خلق نوعاً من التفهم داخل مجلس القيادة بما في ذلك من قبل العليمي، حتى لا تتكرر أحداث شبوة الأخيرة، وهو الذي كان يتخوّف منه مجلس القيادة.
وتضرب الخلافات مجلس القيادة الرئاسي منذ أحداث شبوة الأخيرة عندما هاجمت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ألوية العمالقة و”دفاع شبوة” (النخبة الشبوانية سابقاً)، قوات من الجيش والأمن تابعة للشرعية. ولم تتمكن قوات “الانتقالي” من حسم المعركة لصالحها إلا بعد شن مسيّرات، قالت مصادر عسكرية يومها إنها إماراتية، غارات على مواقع قوات الجيش والأمن.
وتحدثت وسائل إعلام محلية يومها عن استقالة العضو في المجلس الرئاسي عبد الله العليمي عقب أحداث شبوة، لكن مصدراً مقرباً منه قال لوكالة “رويترز” إنه تم إقناعه بالعدول عن قراره، لمنع أي اهتزاز داخل المجلس. مع العلم أنه موجود حالياً خارج اليمن.
كما أن عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح غادر عدن إلى المخا في أواخر مايو/ أيار الماضي، بالإضافة إلى عضو المجلس سلطان العرادة، الذي غادر عدن بعد وقت قصير من وصوله إليها في أواخر إبريل/ نيسان الماضي، واستقر في مأرب التي يتولى إدارتها بصفته محافظاً لها.
من جهته، ذكر مصدر في الحكومة الشرعية من حزب المؤتمر الشعبي العام، لـ”العربي الجديد”، أن “تفاهمات الرياض أفضت إلى تسليم مناطق الجنوب إلى قوات جنوبية، لذلك فإن المجلس الانتقالي هو الوحيد الذي لديه قوات مدربة في كل مناطق الجنوب، وهو الذي يستلم تلك المناطق بما في ذلك أبين.
وفي الوقت نفسه، هناك رغبة لدى بعض الأطراف الإقليمية والدولية بإنهاء نفوذ الإخوان المسلمين من الشرعية وأيضاً مناطق الثروة في شرق اليمن”. وأكد المصدر نفسه أن “المتبقي حالياً هي المنطقة العسكرية الأولى الواقعة في وادي حضرموت، وهذه المنطقة مخترقة من الإخوان والحوثيين”، على حد وصفه، واستبعد أن تكون هناك عملية عسكرية في هذه المنطقة، ومرجحاً إجراء عملية استلام وتسليم لقوات يتم تجهيزها من أبناء حضرموت إلى جانب قوات من النخبة الحضرمية، ثم يتم نقل قوات المنطقة العسكرية الأولى إلى الجبهات مع الحوثيين، شمال اليمن.
أهمية محافظة أبين
وخلال الفترة الماضية، كانت أبين مقسمة بين طرفين، هما الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي. وكانت الشرعية، لا سيما أتباع حزب الإصلاح وأيضاً الموالون للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، يسيطرون على الأجزاء الشرقية من المحافظة، من ساحل شقرة حتى المنطقة الوسطى وأحور والمحفظ ومودية وصولاً لحدود شبوة.
من جهته، كان “الانتقالي” يسيطر على الأجزاء الغربية حتى حدود عدن، بما في ذلك أكبر مدينتين في المحافظة هما عاصمتها زنجبار ومدينة جعار حتى قرن الكلاسي على ساحل البحر العربي، جنوب زنجبار.
وتكمن أهمية أبين من الناحية العسكرية والسياسية والجغرافية، وفقاً لمصدرين في المنطقة العسكرية الرابعة تحدثا لـ”العربي الجديد”، في أنها تعدّ حلقة الوصل بين عاصمة القرار السياسي عدن ومحافظات الثروة في الشرق. كما أن من يهيمن على أبين يبسط سطرته على عدن ولحج وحتى شبوة. لذلك كان الجميع يراهن على أبين. كما أنه لطالما تم الربط بين استقرار أبين وعدن.
كذلك، فإن أبين تعد مركز ثقل سياسي واجتماعي، ولها تأثير كبير على ما يحدث في الجنوب واليمن بشكل عام. حتى أن ثلاث شخصيات حكمت الجنوب واليمن: سالم ربيع علي (سالمين)، علي ناصر محمد، وعبد ربه منصور هادي، تتحدر من أبين.
في السياق، تطرق الصحافي والمحلل السياسي مدين مقباس، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى الأهمية الاستراتيجية لمحافظة أبين وموقعها الجغرافي الذي يربطها بمحافظات البيضاء وشبوة ولحج وعدن، مشيراً إلى أنها تطلّ على بحر العرب بساحل يمتد من عدن غرباً حتى شبوة شرقاً، كما أنها سلّة الجنوب الغذائية والسمكية وتتمتع بثروة حيوانية، فضلاً عن كونها محافظة واعدة بثروات كالنفط والذهب، وفق مقباس.
ولفت المتحدث نفسه إلى أن أبين نقطة مركزية لحركة التجارة ويمر بها الطريق البري الساحلي الدولي الذي يربط عدن بشبوة وحضرموت ويصل إلى السعودية وإلى سلطنة عمان عبر المهرة.
أما الأهمية العسكرية لأبين، فأكد مقباس أنها تكمن في تضاريسها الجبلية، لا سيما في الصراع القائم مع الحوثيين الموجودين في عقبة ثرة الحدودية مع البيضاء والتي تبعد عن ساحل شقرة على بحر العرب أقل من مائة كيلومتر، ما يشكل خطورة في حال حدوث أي تعاون بين التنظيمات المتشددة والمليشيات الحوثية لإسقاط أبين وتهديد الممرات البحرية. وأوضح أن هذا الأمر لا يعني أن “الإرهاب يمتلك حاضنة في أبين، إنما استغلت قوى الإرهاب موقعها الجغرافي لتنفيذ أجندتها المشبوهة”.
وبرأي مقباس، فإن “انطلاق عملية (سهام الشرق)، هو استكمال لتلك الجهود التي تصب أهدافها المعلنة في إطار تبديد المخاوف الشعبية من الخطر الأمني الذي قد تشكله التنظيمات الإرهابية باستغلالها حالة الانقسام الحاصل في أبين وتأثيره على استقرار الوضع الأمني فيها، والذي تراهن على استمراره لإنتاج عوامل لها تمكنها من البقاء واستمرار أنشطتها وحركة عناصرها”.
واعتبر مقباس أن “مؤشرات التقدم الحاصلة في الجهود الأممية والإقليمية الرامية لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، ينبغي أن تقابلها إزالة أي عوائق وعوامل قد يستغلها أعداء السلام لإجهاض أي نجاح يتحقق أو عرقلة خطوات ومسار التقدم فيه. لذا أعتقد أن المجلس الرئاسي مدرك لهذه المخاطر، والأوضاع التي قد تنشأ، ومن هنا جاء انطلاق عملية سهام الشرق”.
من جهته، قال الخبير الأمني العقيد عبد الرحيم المعلب، لـ”العربي الجديد”، إن سيطرة “الانتقالي” على الجنوب تعني تسليم الجنوب لقوة واحدة، أمنياً وعسكرياً، وهذا قد يولد نوعاً من الاستقرار، لكن بالنسبة للأطراف الأخرى (من خارج المجلس الانتقالي) ينظرون إليه من جانب سياسي على أنه يمهد لانفصال الجنوب.
ولفت إلى أن “سيطرة الانتقالي قد تساعد إذا ما اتفقت القوى معه على توحيد المعركة باتجاه الشمال بعد إغلاق ملفات المعارك الجانبية التي أخرت المعركة الحقيقية لإنهاء الانقلاب شمالاً”.