خلال الأسابيع الماضية ومنذ أواخر أغسطس الماضي، شهدت عدد من المحافظات اليمنية، سلسلة من الأحداث السياسية والعسكرية الكبيرة، بدء من تحركات السلطة المحلية بمحافظة شبوة (شرق اليمن)، لتشغيل منشأة بلحاف للغاز، والتي تسيطر عليها قوات إماراتية، ومن ثم الاحتجاجات بعدن، وسيطرة الحوثيين على مناطق واسعة فس البيضاء، ومهاجمتهم محافظتي أبين وشبوة خلال الأيام الماضية.
رغم الدعوات الدولية للسلام والتحرك الأممي والأمريكي الجديد للقاء الأطراف اليمنية والدول الإقليمية، في كل من السعودية وسلطنة عُمان، الإ ان أحداثا على الأرض أكثر أهمية وتسير بشكل منظم على ما يبدو بين الأطراف الفاعلة في الصراع، حيث وبدءاً من انهيار الريال اليمني بشكل قياسي، ووبالتزامن أعلنت السلطة المحلية بشبوة تحركها لاستعادة “منشأة بلحاف” التي تسيطر عليها الامارات، من أجل تعزيز الاقتصاد الوطني الذي ينهار.
لم يتوقف الأمر هنا حتى اندلعت احتجاجات شعبية واسعة في كل من محافظتي عدن وحضرموت، بالإضافة إلى محافظة تعز، والتي نددت بتدهور المعيشية وانهيار العملة الوطنية، مطالبة الحكومة وسلطات الأمر الواقع (المجلس الانتقالي المدعوم إمارتيا)، بتحمل مسؤوليتهم تجاه المواطنين.
بالتزامن مع هذه الاحتجاجات التي قوبلت بالقمع في عدن من قبل ميلشيات الانتقالي المدعومة إماراتيا، استطاعت ميلشيات الحوثي السيطرة على مناطق واسعة بمحافظة البيضاء (وسط اليمن) وهو ما جعلها تهدد محافظات أخرى جنوبية، ومن ضمنها أبين (جنوب) حيث شنت هجوم على عقبة محلحل بمديرية لودر شمال شرقي المحافظة، قبل أن يتم استعادتها.
في حين شنوا هجمات على مديريات في محافظة شبوة (شرق اليمن)، واستطاعوا تحقيق اختراق ميداني خلال اليومين الماضيين، في ظل استمرار المعارك والتي ما زالت توصف بأنها معارك “كر وفر”، في ظل تعزيزات عسكرية لصد الهجوم الحوثي، إلى جانب ذلك يواصل الحوثيون هجومهم المستمر على محافظة مأرب، واشتدت وتيره تلك المعارك خلال الأيام الماضية بشكل لافت.
تصعيد بعيدا عن الاعلام الدولي
وقال بيتر ساليزبري، الخبير البارز في شؤون اليمن بمجموعة الأزمات الدولية “خلال الأسابيع العديدة الماضية، سمعنا روايتين متنافستين من مراقبين في الخارج، أن القتال في اليمن قد وصل إلى طريق مسدود، لكن وفقا لمجريات الأرض، فإن تصعيد واسع النطاق بات وشيكًا، من الواضح الآن أن التصعيد هو ما يجري فعلا”.
وأضاف في سلسلة تغريدات – ترجمها “يمن شباب نت” – “ببساطة، بالنسبة للكثيرين الذين لا يراقبون اليمن يومًا بعد يوم، يبدو أن الحرب قد وصلت إلى لحظة من الجمود لأن الحوثيين لم يدخلوا مدينة مأرب كما تضاءل اهتمام وسائل الإعلام الدولية، لكن في الحقيقة، في تتبعنا رأينا عدة اتجاهات”، وقال: “تعزز وضع الحوثيين في محافظة البيضاء، وتمددوا تدريجيا غرب وجنوب مأرب”.
وأشار: “من جهة أخرى، تصاعدت التوترات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة وسط الانهيار الاقتصادي والخدمي في الجنوب، وذلك تزامنا مع مساع الحوثيين وغيرهم لاستغلال هذه الخلافات وتغذيتها”.
وقال الخبير الدولي “خلال الأسبوع الماضي، تجمعت هذه الاتجاهات، حيث عزز الحوثيون سيطرتهم إلى حد ما في البيضاء واستخدموها كنقطة انطلاق للتوغل صوب شبوة وأبين ومأرب، يبدو أنهم يستهدفون شبكات الطرق الرئيسية والتقاطعات التي تربط المحافظات الثلاث”.
وتابع: “يحاولون ربط المواقع العسكرية الرئيسية بالمحافظات المختلفة، وإذا نجح ذلك، فسيؤدي إلى عدة أمور، حيث سيجعل إعادة إمداد مأرب بالمقاتلين والعتاد والغذاء أكثر صعوبة، مما يقيد المدينة بشكل أساسي بطريق وحيد للدخول والخروج”.
وأوضح “وبالمثل، سيؤدي ذلك أيضًا إلى عزل القوات المتحالفة مع الحكومة في الثلثين الشرقيين من محافظة أبين، والموجودة هناك لتأمين المحافظة ضد مقاتلي الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي في الغرب”.
التصعيد ضد الحكومة
ويرى الباحث بيتر ساليزبري “أن اندفاع الحوثيين إلى أبين وشبوة أيضًا أدى إلى تصعيد خطاب المجلس الانتقالي الجنوبي وزيادة التوترات بين الحكومة والمجلس، وهو ما قد يشير إلى ما حدث في كلتا الحالتين، يهدف لحرف الانتباه عن الاحتجاجات حول الخدمات في عدن والمدن الجنوبية الأخرى”.
وقال: “يبدو أن هذه الإستراتيجية مصممة لعزل وتقسيم وإضعاف الروح المعنوية وكذلك هزيمة القوات الرئيسية المناهضة للحوثيين على الأرض، إذ يترافق ذلك مع حملة اتصالات عامة وتواصل مكثف خاص من قبل المسؤولين الحوثيين”.
وعن نجاح تلك الاستراتيجية، قال الخبير الدولي “من الواضح أنها خدمت جزء من هدفها من حيث أنها دقت أسافين جديدة وأكبر، بين الأجزاء المكونة للكتلة المناهضة للحوثي، ومن الواضح أن حالة الجمود كانت وراء هذا المنحنى”.
من جانبه يرى الباحث اليمني في الشؤون العسكرية الدكتور على الذهب “أن استراتيجية “نهش الأحشاء” للسيطرة على المدن، سلكها الحوثيون منذ تحركهم من صعدة، حتى قبل دخولهم عدن”، وقال: “حذرت كثيرا من ذلك، وكتبت مقالات عنها، قبل سقوط عمران وصنعاء”.
وأضاف في تغريدة بحسابة في موقع تويتر “ولأن المسئولية في أيدي مجموعة من الجهلة والانتهازيين، فلا شك في أن نتائج اليوم ستكون على شاكلة ما جرى سابقا”.
وقال الذهب: على المجلس الانتقالي (المدعوم إماراتيا)، والمقاومة الوطنية التابعة لطارق صالح، ان يعلنوا صراحة عن “تحالف عسكري وسياسي مشترك” بينكما، لحماية الجنوب (جنوب اليمن) قبل أن يلتهمه الحوثيون”، وتابع قائلاً: “أما إذا كنتم شركاء في اللعبة، فنقول لكم أن الحوثي لن يرحمكم، وأن التاريخ لن يذكركم إلا صفحات الخيانة والغباء”.
تصعيد لصالح الإمارات
يتحول المسار العسكري لميلشيات الحوثي للضغط باتجاه المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية (المعترف بها دوليا)، في الوقت الذي تواصل القوات المدعومة إماراتيا عن افتعال المشاكل الأمنية والتصعيد ضد الحكومة الشرعية ومنعها من العودة الى العاصمة المؤقتة عدن، ورفض تنفيذ اتفاق الرياض من أجل التوحد لمناهضة الحوثيين، وفق ما أعلن في الاتفاق المتعثر.
ويرى مراقبون أن التصعيد الحوثي تستفيد منه ميلشيات الانتقالي المدعومة من الامارات بشكل مباشر، وخاصة بعد الاتفاق في محافظة شبوة على الانسحاب القوات الإماراتية من منشأة بلحاف بعد ضغط من السلطة المحلية أجبرهم على ذلك نهاية أغسطس الماضي، بالإضافة الى تخفيف ضغط الاحتجاجات ضدهم في عدن باعتبارهم سلطة أمر واقع.
وقال الناشط السياسي والقيادي في المقاومة الجنوبية، عادل الحسني “استفادت الإمارات في لفت الأنظار نحو شبوة من خلال الأحداث الأخيرة، مع قرب انتهاء مهلة المحافظ بن عديو (محافظ شبوة) للقوات المتواجدة في منشأة بلحاف”.
وأضاف – في تغريدات بحسابة في “تويتر” – “أيضا استفادت في خفت تأثير مظاهرات واحتجاجات عدن التي هزت كيان الانتقالي، ونسيان الرأي العام لقضية مقتل السنباني وتورط ميليشيات تابعة للإمارات فيها”.
وقال الحسني “أن هناك تنسيق تم بين إيران والإمارات بوجود السفير الروسي، تعهد الحوثي بعدم المساس بقوات الإمارات ومصالحها مطلقاً، والتزمت الإمارات بتقديم الدعم والتنسيق للقضاء على حزب الإصلاح في اليمن، وستكون مأرب وشبوة رأس الأهداف”.
من الواضح ان الوضع الميداني في اليمن، يسير نحو التصعيد العسكري في مختلف الجبهات العسكرية، لكن ذلك يسير بشكل تدريجي في ظل تجاهل المجتمع الدولي لما يحدث، واستمراره في السعي نحو خلق فرص للسلام من خلال المفاوضات، في الوقت الذي ستفجر دورة الحرب الجديدة أزمة إنسانية جديدة لتزيد من المأساة اليمنية المستمرة منذ سبع سنوات.