ينظر البعض إلى الجولة الآخيرة للمبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث والتي بدأها من الرياض وصولا إلى صنعاء بأنها غير مهمة ولن تغير شيئا، في حين يرى البعض أنها تحمل رمزية كبيرة.
فما الذي ستحققه تلك الجولة قبل تسلم المبعوث الجديد؟
وصل المبعوث الأممي إلى صنعاء، يوم السبت الماضي، بعد غياب عام كامل، وسبقت تلك الزيارة لقاءات مع جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في سلطنة عمان، ولقاءات مع الحكومة اليمنية في الرياض.
وحملت الزيارة رمزية كبيرة فهي “خطة وداع شبه نهائية”، كما وصفها غريفيث.
وقاد غريفيث مسعى دولي لإنهاء القتال في اليمن الذي تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها “الأسوأ” في العالم لأنها دفعت ملايين الناس إلى المجاعة.
بداية، يقول الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية لتحرير واستقلال الجنوب اليمني، عضو منظمة العفو الدولية، رائد الجحافي: إنه “على الرغم من أن الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي إلى اليمن غريفيث، يعتبرها الكثير أنها مجرد جولة شكلية، خصوصاٌ بعد تعيينه وكيلا للأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، لكن غريفيث الذي يقود جهود الأمم المتحدة في اليمن منذ ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، يحاول بكل ما لديه من خبرات وتراكمات دبلوماسية الخروج بنتائج ايجابية على أرض الواقع، على خلاف سابقيه المبعوثين الأمميين إلى اليمن”.
تغيير موازين القوى:
وأضاف الجحافي في حديثه لـ”سبوتنيك”، إنه “كان المبعوث الأممي قد التقى بممثلين عن جماعة “أنصار الله” في سلطنة عمان، أتبع ذلك اللقاء بمباحثات واسعة مع مسؤولين عمانيين، بالإضافة إلى أن انتهاء مهامه تزامنت مع تغيّر في موازين القوى على أرض المعركة، والتي كان أبرزها تغيّر الموقف السعودي الذي بدا أكثر استسلاما ورضوخا وإعلانا غير مباشر بالفشل، بالمقابل أصبح الحوثيون أكثر تشددا، وينظرون إلى التحرك الأممي الجاد أنه جاء متأخرا وبعد فوات الأوان، إذ لم يعد لديهم ما يخسرونه بعد تدمير البنية التحتية لليمن طوال أكثر من ست سنوات، وأنهم أصبحوا بموقع القوة اليوم بعد تمكنهم من الوصول إلى الأهداف السعودية بشكل مباشر ودقيق”.
سقف المطالب:
وتابع الجحافي: إن “الحوثيين بموقعهم اليوم، أصبحوا لا يقبلون بأي مبادرة تدعو إلى السلام في ظاهرها كما يرون، لكنها تأتي لإنقاذ السعودية وإخراجها من أزمة وقعت فيها، والجهود الأخيرة للمبعوث الأممي غريفيث لن تصل إلى تحقيق أي جديد، لأن سقف المطالب الحوثية قد تجاوز ما تطرحه الأمم المتحدة من أمور لوقف الحرب، فكل شيء تغير اليوم”.
ونوّه إلى أن “الملف الشائك لجملة من التطورات والتعقيدات الأخرى التي ظهرت وتداخلت ملفاتها، سواء ما يجري بين أطراف التحالف السعودي أو مع حلفاء السعودية في الداخل وبالذات في الجنوب، الذي بات يشهد صراعا بين الشرعية والمجلس الانتقالي بالإضافة إلى تعدد القوى ونشوء كيانات أخرى على مستوى اليمن، بالذات المناطق الخاضعة للسعودية والإمارات، والتي يصعب إعادة جمعها والتحكم بها كقوة واحدة لمواجهة الحوثيين”.
وأضاف: “كما أن السياسة السعودية التي راهنت وتراهن على حزب الإصلاح اليمني، أصبحت اليوم في مواجهة مباشرة مع الجنوبيين، وأصبح رهانها هذا يترنح أمام الهيمنة التركية القطرية على الإصلاح نفسه”.
خطة مأرب:
وأشار القيادي الجنوبي، رائد الجحافي إلى أنه “بالنسبة لمأرب التي أصبحت اليوم تحت الحصار المطبق من قبل الحوثيين، تحولت إلى أكبر نقاط ضعف الشرعية والتحالف السعودي، لكن الحوثيين لا يريدون حسم المعركة هناك بدخول المدينة، التي ستؤدي سيطرتهم عليها إلى انسحاب قوات الشرعية نحو شبوة وحضرموت في جنوب اليمن والعودة مرة أخرى لاستغلال الجنوبيين في الدخول بمواجهات مباشرة مع الحوثيين، والاستفادة من ضرب الطرفين ببعضهما، ومن ثم الانفراد بإعادة السيطرة على مناطق الجنوب واستمرار نهب ثرواته النفطية وغيرها باعتبارها مرتكز الحرب.
لغز مأرب:
من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي اليمني، محمد بالفخر: إنه “منذ الأيام الأولى لانقلاب سبتمبر/ أيلول 2014، وبعد تمدد المليشيات الحوثية في كافة المحافظات، كانت مأرب هدفا للسيطرة عليها والانطلاق منها إلى إلى حضرموت والمهرة”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، “فكان أهل مأرب ومقاومتهم الوطنية سدا منيعا حال بين المليشيات وتحقيق أهدافها مبكرا، واستقبلت مأرب أعدادا كبيرة من النازحين من مختلف المحافظات الأخرى، وأصبحت ملاذا آمنا لكل من أتى إليها وقدمت من خلال سلطتها المحلية نموذجا للدولة بما تحمله الكلمة رغم قساوة الظروف واستمرار الحرب والحملات الحوثية المتكررة بين الحين والآخر في محاولة إسقاطها”.
وأكمل بالفخر: إنه “نظرا لأن مأرب أصبحت واجهة لما تبقى من الشرعية في ظل ترهلها وضياع بوصلتها بعد تنفيذ المجلس الانتقالي انقلابه في عدن، وبعد ظهور طارق عفاش ومجلسه الآخر في الساحل الغربي، الذي ينبئ عن ظهور حفتر جديد، وبعد تغير أجندات دولية تجاه المنطقة برمتها وتحديدا سياسة بايدن المتهادنة مع الحوثيين، ازدادت ضراوة الهجمات الأخيرة ورافقتها موجة من الحملات الإعلامية المتمنية سقوط مأرب أو إسقاطها إعلاميا بين الحين والآخر”.
إيقاف الحرب:
وأشار الباحث السياسي إلى أن “كل أهداف الحوثيين هي استكمال سيطرتهم على الأرض حتى لو دخلوا في مفاوضات إيقاف الحرب تكون على الأقل مأرب تحت سيطرتهم ويفاوضون على ما بعدها، على الرغم من أن سقوط مأرب (لا قدر الله) بيد المليشيات الحوثية، سيتبعه بالقطع سقوط حضرموت وشبوه والمهره”.
وتابع: “صمود مأرب هو تعزيز لموقف الشرعية وموقف السعودية، وسيكون دافعا لاستعادة الانتصارات في الجبهات الأخرى حتى استعادة العاصمة صنعاء وسقوطها (لا قدر الله) سيكون انتصارا لهذه المليشيات وللمشروع الإيراني وسقوط الشرعية برمتها”.
من جانبه، تطرق المبعوث الأممي إلى “الجهود التي يبذلها مع كافة الأطراف لإيقاف الحرب في مأرب، وحماية السكان والنازحين”.
وقال: إن “الأمم المتحدة ترفض كافة أشكال الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحوثيون وتدرك حجم المخاطر التي ستنتج عنها وما سيتعرض له السكان في مأرب والنازحون”، حسب وكالة “سبأ” اليمنية.
وأكد غريفيث أن “الأمم المتحدة تبذل كل ما بوسعها لإيقاف المواجهات العسكرية وتجري تواصلها المكثف مع كافة الجهات التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابيا لإيقاف تلك المواجهات وذهاب اليمنيين إلى طاولة المشاورات بصورة عاجلة، والتزامهم بخيار السلام بعيدا عن الخيارات الأخرى”.
وأشار إلى “الجهود التي بذلها منذ آذار/ مارس 2020، لإيقاف الحرب في اليمن، وإحاطاته الدائمة لمجلس الأمن بهذا الشأن والتحذير من تداعيات الأعمال العسكرية وأضرارها في مأرب وغيرها من المناطق”.