تم إحضار الفتيات إلى شقة في أبو ظبي وهن يرتدين العباءات، وقد قيل للرجال الحاضرين: “اختاروا من تشاؤون من الفتيات ليكونوا ملككم بداية من الآن وحتى ظهر اليوم الموالي”. في هذا السياق، صرح رومان باسكال أنه عرضت عليه حوالي سبعة فتيات ليختار منهن، حيث قمن بنزع العباءات الطويلة التي كن يرتدينها، ليكشفن عن ملابس فاضحة. وقد اختار فتاة تبين لاحقا أنها من رومانيا.
كان باسكال قد سافر عبر الطائرة إلى الإمارات العربية المتحدة بدعوة من صديقه يوسف العتيبة، حيث تم هذا اللقاء في شقته. وعموما، تعود أحداث هذه الواقعة إلى شتاء سنة 2003، كان حينها العتيبة هو النجم الصاعد في سماء الإمارات، رغم أنه لم يعين بعد سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن رومان أصبح صديقا للعتيبة مؤخرا في العاصمة واشنطن بعد أن تعرف عليه في أحد نوادي التعري، وسرعان ما أصبح أحد عناصر الدائرة المقربة للسفير الإماراتي، أو الذين يصفهم هو باسم الفريق ألفا. وفي الواقع، كان ذلك الباب الذي دخل منه باسكال إلى حياة المجون والترف التي يعيشها العتيبة.
في الحقيقة، لم تكن هذه المرة الأخيرة التي يجتمع فيها الرجلان للقيام بمثل هذه الممارسات. فلمدة أربع سنوات، ارتاد رومان حفلات مع العتيبة في كل من واشنطن، ونيويورك، ولوس أنجلس، أبو ظبي، ودائما ما كان العتيبة هو من يسدد الفواتير الخيالية المترتبة عن هذه المناسبات.
في سنة 2007، تخلى باسكال عن هذه الصداقة على الرغم من أن المغامرات التي عاشها العتيبة في هذه الفترة طاردت السفير الإماراتي ما أثر على حياته العامة. ففي سنة 2008، قام العتيبة بتوظيف أحد أصدقائه المرافقين له في حفلاته الصاخبة، وهو زميله السابق في الدراسة ويدعى بيرون فوغان، من أجل إدارة مؤسسة شخصية تمتلك ملايين الدولارات ضمن صندوق أبو ظبي للتنمية.
علاوة على ذلك، ساعد العتيبة صديقه فوغان حتى يحصل في نفس الوقت على وظيفة في السفارة وينال منصب مستشار قانوني. كما مكنه أيضا من العمل ضمن شركة “هاربر غروب” للعلاقات العامة في واشنطن، كممثل لدولة الإمارات. وبعد إلقاء القبض عليه من أجل اختلاس أكثر من مليون دولار من الشركة، أخبر فوغان المدعي العام أن إدمانه السري على الكحول والقمار هو ما دفعه لارتكاب هذه الجريمة.
ونظرا لأنه تم تعطيل هذه الشركة، فقد تكفل العتيبة بدفع أتعاب المحامين الذين دافعوا عن صديقه فوغان، ومكنه أيضا من البقاء في منصبيْه الآخرين مع السفارة، على الرغم من أنه كان في انتظار صدور حكم قضائي ضده. وفي هذا الصدد، تحصل موقع “الإنترسبت” على مراسلات إلكترونية، تكشف عن التواصل الذي جمع بين العتيبة وفوغان لمدة وصلت إلى أكثر من عقد من الزمن. وعلى ضوء هذه المعطيات، كان السفير الإماراتي على علم تام بممارسات فوغان.
العتيبة متحدثا عن مجال الدعارة في الإمارات العربية المتحدة: إنه مجال كبير ولكنه في كنف السرية
في الأثناء، أصبح العتيبة من بين أقوى الرجال وأكثرهم نفوذا وتأثيرا في واشنطن، حيث امتدت علاقاته لتشمل جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره، حتى أصبح التواصل بينهما يتم كل أسبوع.
تحولت طريقة صرف العتيبة للأموال على الحفلات الراقصة، وحفلات العشاء، وأعياد الميلاد، إلى أسطورة حقيقية في واشنطن. ومن جهته، أصبح السفير الإماراتي مقربا من مدير الاستخبارات الأمريكية مايك بومبيو، ومستشاري الأمن القومي خاصة وأنه نجح في ربط علاقاته مع كل مراكز البحث تقريبا في واشنطن عبر دفع المال لها.
على العموم، تعود قوة السفير الإماراتي إلى سبب واحد وهو علاقته الوطيدة مع محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي الذي يعتبره الكثيرون الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، والذي يعرف في المنطقة وفي واشنطن عبر الحروف الثلاثة الأولى من اسمه “أم بي زي”.
منذ سنة 2000، أصبح العتيبة يعود بالنظر في كل شيء لمحمد بن زايد باعتباره المسؤول الأول عن الخارجية الإماراتية وسفير واشنطن. وفي هذا السياق قال، كريستوفر هاريسون، المسؤول السابق في إدارة جورج بوش والذي عمل بشكل مباشر مع العتيبة: “قبل أن أتعرف عليه، كان الناس يصفونه لي على أنه أكثر شخص يحظى بثقة محمد بن زايد فيما يتعلق بالشؤون الخارجية وأكثر الناس ذكاء في الإمارات”.
عمل العتيبة بكل إصرار على مدى عقدين من الزمن لدفع مؤسسات السياسة الخارجية والدفاع في واشنطن لتبني المواقف المتسرعة التي يريدها محمد بن زايد فيما يخص ملف إيران، والإخوان المسلمين، فضلا عن العديد من القضايا الأخرى التي لطالما كان فيها اختلاف في وجهات النظر. وقد كان العتيبة من بين أبرز الشخصيات في واشنطن التي روجت لحرب اليمن، التي تدير فيها الإمارات مراكز التعذيب وتمول فيها فرق الموت. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الصراع أدى لسقوط أكثر من 10 آلاف قتيل بالإضافة إلى أعداد لا تحصى ولا تعد من المدنيين الذين يعانون من الجوع والمهددين بالإصابة بوباء الكوليرا.
وبفضل نشاطه داخل المجتمع السياسي في واشنطن، عمل العتيبة بكل جد خلال عقده الأخير تقريبا على بناء صورة الإمارات على أنها دولة خليجية متقدمة فيما يخص حقوق المرأة، والعلمانية، والانفتاح على العالم المتطور. وخلال اليوم العالمي للمرأة من هذا العام، نشر العتيبة رسالة مفتوحة موجهة إلى ابنته في إطار سعيه لتحقيق هذه الأهداف. في المقابل، لا يتبنى الواقع في دولة الإمارات تماما هذه المواقف التي يسوق لها إذ أن الإمارات تفرض أكثر القوانين قسوة فيما يخص العلاقة بين الرجل والمرأة. وخلال الأسبوع الماضي، تم القبض على رجل وامرأة أثناء حديثهما في سيارة وهما لا تربطهما أي علاقة رسمية.
وخلال الأسبوع الجاري، نجت امرأتان من السجن بعد أن وجهت لهما تهم ارتداء ملابس غير محتشمة، وتم فقط تغريمهما وترحيلهما خارج البلاد. ويشار إلى قوانين الجرائم الجنسية في الإمارات تستعمل غالبا كذريعة لملاحقة المعارضين السياسيين، والمواطنين، والأجانب الذين لا حول لهم ولا قوة.
في المقابل، يتصرف أعضاء الطبقة الحاكمة دون أية مراعاة لهذه الضوابط. وفي هذا الصدد، علق نيك ماك جيهان، الباحث في هيومن رايتس ووتش قائلا: “تتمتع النخبة في الإمارات بحصانة قانونية فضلا عن حماية كاملة من الحكومة الإماراتية عندما تنتهك القوانين خارج البلاد”.
في السر، أفصح العتيبة عن أسرار مخجلة حول تجارة الجنس في أبو ظبي، بطريقة لم تشهدها أي دولة أخرى في المنطقة. ففي شباط/فبراير سنة 2008، كان برنامج “60 دقيقة” الأمريكي قد عرض فقرة حول دبي تطرق فيها إلى الدعارة والاتجار بالبشر. وفي اليوم الموالي، تلقى العتيبة رسالة من أحد أصدقائه قال فيها: “لقد كنت أبحث عنك في تقرير برنامج “60 دقيقة” البارحة، ما حجم قطاع الدعارة في بلادكم؟” وقد ورد هذا الحوار في رسائل البريد الإلكترونية التي تحصل عليه موقع الإنترسبت.
في نفس هذا الحوار، رد العتيبة مازحا: “لماذا تبحث عن اسمي في هكذا موضوع يا كلب؟” ولكن سرعان ما تغيرت نبرة صوته لتصبح جدية إذ قال: “إن التجارة الجنسية في الإمارات كبيرة ولكنها ليست بهذا الحجم، بمعنى أن بائعات الهوى لسن منتشرات في الشوارع، بل إن الأمر يتم في كنف السرية في المنازل والشقق، وليس أمام العلن. ومن المؤكد أن هذه الظاهرة واضحة في دبي أكثر من أبو ظبي”.
العتيبة في الأسفل، وفي أعلى الصورة صديقه باسكال
كان يفترض أن تبقى طريقة العيش التي كان يتبعها العتيبة وأصدقاءه طي الكتمان، إلا أن المراسلات التي تم الحصول عليها من البريد الشخصي للعتيبة كشفت عن هذه الأسرار. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان صندوق بريد العتيبة قد تعرض للاختراق أو تم تسريب كلمة السر الخاصة به من قبل أحد الأشخاص المخول لهم الاطلاع على هذا البريد.
لكن المؤكد أن نسخا من هذه الرسائل الإلكترونية موجودة الآن لدى مجموعة تسمي نفسها “غلوباليكس”، التي بدأت خلال الصيف بنشر مراسلات العتيبة بشكل انتقائي، وقد حصلت عدة وسائل إعلامية على هذه المراسلات من بينها “الإنترسبت”. ويشار إلى أن مجموعة “غلوباليكس” قد تكون مرتبطة بمجموعة “دي سي ليكس”، وهم القراصنة الذين سرقوا الرسائل الإلكترونية التي تعود للحزب الديمقراطي والتي نشروها خلال الحملة الانتخابية في العام الماضي.
في هذا الصدد، أفادت المخابرات الأمريكية أن هذه المجموعة تقف وراءها أجهزة تابعة للحكومة الروسية. كما أن أعضاء مجموعة غلوباليكس يستخدمون حساب بريد إلكتروني عنوانه ينتهي برمز البلد “ru” وهو ما يشير إلى أنه إما يعود إلى روسيا أو أنه يريد الإيهام بذلك.
كما أن الإمارات كانت قد تسبب لنفسها بعداء الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط. فقد برزت تسريبات “غلوباليكس” بالظهور مباشرة بعد احتدام الصراع بين الإمارات وجارتها قطر حيث قامت دولة الإمارات إلى جانب حلفاءها الخليجيين بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار عليها، بحجة إقامتها علاقات مع إيران، وهي القوة الإقليمية الأخرى التي تجمعها علاقة عداء مع الإمارات وحلفاءها الخليجيين.
قدمت المراسلات التي حصلت عليها مجموعة غلوباليكس فرصة نادرة لإلقاء نظرة على حياة واحد من أقوى اللاعبين الدبلوماسيين في واشنطن. ومنذ تلك الحادثة، تم تشديد الإجراءات المتعلقة باختيار أعضاء الفريق المحيط بالعتيبة، رغم أن هذا الأخير مزج بين حياة الليل وعمله في النهار، عبر إحضار صديقه فوغان وتوظيفه للعمل لفائدة السفارة.
في نهاية المطاف، تم سجن فوغان إثر إدانته باختلاس أموال من المؤسسة الخيرية التي يديرها العتيبة، وهي جريمة سببها الرئيسي أسلوب الحياة الذي انخرط فيه فوغان منذ تعرفه على العتيبة.
يظهر على اليسار السفير الأمريكي في الإمارات ريتشارد أولسن، وزير الدفاع الأمريكي روبرتس غيتس، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان، ويوسف العتيبة، وقد التقى الأربعة في منزل ولي العهد في الثامن من نيسان/أبريل سنة 2011 في أبو ظبي
قبل سنوات من تحقيقه لهذا الصعود الصاروخي في الأوساط السياسية في واشنطن، كان العتيبة قد تلقى تشجيعات كبيرة من أحد أبرز معلميه، وهو فرانك ويسنر، السفير الأمريكي السابق في مصر، والذي شجع هذا الشاب الإماراتي حينها على ارتياد جامعة جورج تاون في واشنطن. وقد قال لي ويسنر أثناء قيامي بتحقيق حول العتيبة سنة 2015: “لم يتوجه العتيبة للجامعة لملاحقة الفتيات، شرب الخمر أو لعب الكرة، بل كان يهدف لإعداد نفسه للمسيرة التي كان يطمح لتحقيقها في المجال السياسي”.
خلال سنته الأولى في الجامعة، أقام العتيبة صداقة مع فوغان. وفي سيرته الذاتية الرسمية، يدعي العتيبة أنه حاصل على شهادة جامعية في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون، إلا أن مكتب سجلات هذه الجامعة أخبر الإنترسبت أنه لم يتخرج أبدا. كما أخبرنا المكتب أن فوغان تخرج سنة 1995.
خلال العام الماضي، اعترف فوغان بتورطه في جريمة اختلاس أكثر من مليون دولار أمريكي من مؤسسة خيرية تابعة للعتيبة. وقد تم الإفراج عن فوغان وإرساله إلى مؤسسة لإعادة التأهيل، وقد وجه حينها مراسلة للعتيبة قال فيها: “أرجوك لا تتصل بي مرة أخرى”.
يبدو من خلال هذا الموقف أن الإدانة التي تعرض لها فوغان دفعته للعودة إلى الجادة، حيث أنه أخبر المحققين أن الدافع لهذه الجريمة هو معاناته من مشاكل خاصة لا يعلمها أحد غيره. وقد وردت فعلا في نص الإدانة إشارة إلى أن “فوغان كان يعاني من إدمان سري على الكحول، وهو ما دفعه لارتكاب السرقة”.
العتيبة كان يستقدم مومسات لأبو ظبي عن طريق إحدى الشركات الأمريكية المختصة
وقد كان أسلوب حياة فوغان بعيدا جدا عن السرية ضمن أوساط الأصدقاء الذين تجمعوا حول العتيبة في منتصف سنوات الألفين. وقد قام العتيبة بتعريف باسكال وفوغان على بعضهما البعض لأول مرة سنة 2004، ووردت أسماؤهما عدة مرات ضمن تسريبات “غلوباليكس”.
في هذا السياق، صرح باسكال حول تلك الفترة: “بعد أول مرة خرجنا سوية والتقيت بفوغان. وتحدثت مع صديق مشترك بيننا وقلت له اسمعني، لا أريد أن ألتقي بذلك الشخص مرة أخرى. فسألني لماذا لا أريد ذلك؟ ما المانع؟ فقلت له إن هذا الإنسان مجنون. فأجابني: “اسمعني جيدا، سأقول لك شيئا مضحكا، هو أيضا قال عنك نفس الكلام”. وقال لي أيضا: “اسمعني جيدا، عندما تتعرف على بايرون فوغان، فإنه لا يمكنك أن تتخلص منه أبدا”.
في الأثناء، لم يكن باسكال متفاجئا تماما عندما رأى كيف انتهت علاقة فوغان الوطيدة مع العتيبة بذلك الشكل، حيث قال في تعليق على الأخبار التي وردت بشأن إدانة فوغان: “لقد ضحكت عندما قرأت ذلك المقال، لأنني كنت أعتقد أنهما تغيرا وتوقفا عن القيام بتلك الممارسات”.
صورة من الجو تظهر فندق وكازينو أم جي أم في لاس فيغاس في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2005
في أحيان كثيرة، حدث تداخل بين حياة العتيبة الرسمية كدبلوماسي وحياته الشخصية كشخص يحب الحفلات والسهر. ففي سنتي 2006 و2007، لعب العتيبة دورا حاسما في المساعدة على إقناع دول أخرى في الشرق الأوسط بدعم الرئيس جورج بوش الذي كان يعتزم زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق. وهو ما يعد دورا أكده رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأمريكي ريتشارد بير، الذي قال حول هذا الموضوع: “ربما أكون قد قضيت وقتا مع العتيبة أكثر من أي شخص آخر”.
بعد إعلان زيادة عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في العراق في كانون الثاني/يناير سنة 2007، انضم الزعماء العرب إلى الموقف الأمريكي، وبالتالي كان الوقت مناسبا للعتيبة للاحتفال بهذا النجاح. وبحسب باسكال، فقد أخبر العتيبة أصدقاءه بأنه كان يريد الذهاب في رحلة لحضور مباراة نجوم دوري كرة السلة الأمريكي. وقال حينها: “يجب أولا أن أحصل على موافقة الشيخ محمد، ولكنني لا أعتقد أنه سيمانع”. وبالتالي، ربما كان الشيخ محمد بن زايد، الذي يشير إليه العتيبة بالشيخ مو، موافقا على هذه الفكرة.
في سلسلة من المراسلات حول هذه الموضوع، كان العتيبة يتحدث بكل حماس لأصدقائه ليجهزوا أنفسهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في جناح فاخر في فندق “أم جي أم في” لاس فيغاس. وكتب العتيبة حينها: “لدي شعور لا أعرف إذا ما كان خوفا أو فقط حماسا، ولكن أؤكد لكم أيها السادة أن الأمر سيكون فوضويا”. أما فوغان، فقد كان متحمسا جدا لهذه الرحلة، وقال في رده على العتيبة: “يا إلاهي، سيكون ذلك أروع شيء على الإطلاق”.
وجه العتيبة سؤالا في بريده الإلكتروني قائلا: “هل حصانتي الدبلوماسية سارية المفعول في فيغاس؟” فأجاب فوغان، الذي كان وقتها يدرس في معهد القانون، قائلا: “طالما تحصلنا على الموافقة، لا أعتقد أننا سنواجه أية مشاكل قانونية”. ثم أضاف فوغان إنه سيعد “بطاقات حتى يمضي عليها الأشخاص الأصغر سنا” وسيطلق عليها اسم: “العقد المحمول”. في الواقع، جاء في هذه البطاقات العبارات التالية: “إني (اسم فتاة بلهاء) أوافق على أن يلمسني (اسم أحد الأشخاص القذرين منا). إني (اسم الفتاة البلهاء مرة أخرى) أبلغ من العمر 18 سنة. التوقيع (إحدى الفتيات الجميلات).
فوغان الذي كان في معهد القانون، يراسل العتيبة حول كيفية التنصل من وزر النساء اللاتي يقابلهن في لاس فيغاس
في رسالة إلكترونية أخرى من بين مجموعة الرسائل المسربة، يظهر العتيبة وهو يعد أصدقاءه لخوض مخطط فسوق، حيث كتب العتيبة قائلا: “أيها الأعضاء الكرام في الفريق ألفا، أؤكد هنا أن عملية ‘دامبو دروب’ – اسم فيلم أمريكي كوميدي حربي يعود إلى سنة 1995- التي ستنفذ في فيغاس خلال عطلة نهاية الأسبوع، قد أخذت الإذن ببدء العمل كما هو مخطط له”، وأضاف العتيبة: “أتوقع مشاهدة نسبة نجاح لا تقل عن 100 بالمائة خلال فترة إنجاز المهمة. وسيتم فصل أي شخص يتم القبض عليه متلبسا وبصدد التقاعس الخدمة وسيوضع في القائمة السوداء لأي عملية مستقبلية من هذا النوع. انطلقوا، انطلقوا، انطلقوا”.
إطلاق عملية دومبو دروب
بعد أشهر، ومع حلول سنة 2008 سيواصل العتيبة صعوده المنهجي، نحو منصب سفير بلده، ليصبح من أبرز دبلوماسيي الإمارات العربية المتحدة في واشنطن. أرسل العتيبة الذي كان في حالة مزاجية رائعة وهو يستعد إلى أن يقدم وثائق اعتماده بشكل رسمي إلى الرئيس جورج دابليو بوش، من جديد بريدا إلكترونيا قديما يعود إلى سنة 2004، لصديقه فوغان، جاء فيه: “من المؤكد أني سأفتقدك هذه الأيام”. فرد فوغان قائلا: “هناك من يقول لي إنك ستجد طريقة للتغلب على حنينك لأي شيء”. فكان رد العتيبة طالبا من صديقه “امسحها“.
لقد أمل العتيبة في أن تدفن تلك الرسائل البريدية خاصة محادثاته مع “ترايسي” التي تعود إلى سنة 2004 في باطن الأرض والتي على ما يبدو قد عملت لديه بغرض توفير مرافقات له من ذوات التكلفة الباهظة. كما يبدو أن ترايسي قد افتكت العتيبة من “مدبرة مومسات” أخرى، تثبت الرسائل الإلكترونية المسربة أن له حوارات مطولة معها.
في إحدى تلك المراسلات التي تعود لسنة 2004، أشارت ترايسي، التي لم يتسن “للإنترسبت” التأكد من هويتها، أن العتيبة قد مر بإشكاليات عدة مع إحدى المومسات. وفي هذا السياق، قالت ترايسي: “شكرا لأنك راسلتني اليوم، أنا آسفة لأنك مررت بتلك المشاكل مع كايتلين. وكما قلت لك، لقد واجهت مشاكل مشابهة“.
وأضافت ترايسي: “فقط أردت أن أعلمك أن كايتلين تحدثت كثيرا عن مظهرك الجميل حتى أعجبت بك فتاتين من معارفي، وهما ترغبان في العمل معك. وأنا مستعدة لإرسالهما إليك في بلدك أو بإمكانهما انتظارك حتى تعود للولايات المتحدة مرة أخرى”. ثم أرسلت له قائمة بها أسماء بعض النسوة، متفاخرة أن بعضهن ظهر في مجلات مشهورة جدا.
فأجاب العتيبة بعد عدة أيام، بالتحديد في يوم 30 أيار/مايو سنة 2004، ليستفسر عن إحدى المذكورات في القائمة، معتقدا أن الصورة المقدمة له عنها كانت مؤرخة. وطلب من ترايسي أن ترسل له بياناتها البنكية حتى تبدأ إجراءات التعارف بينهما. بالتالي، ردت ترايسي قائلة: “أرسل لي تفاصيل حسابك البنكي وسأرسل لك الأموال”. وبعد أن راسلها مرة موضحا بيانات البنكية، كتب ملحوظة صغيرة جاء فيها: “ستصل أموال كايتلين اليوم“.
كاميلوت، نادي تعري في العاصمة واشنطن يرتاده العتيبة وأصدقاءه كثيرا
وقد عمد “الإنرتسبت” إلى التحقق من صحة التسريبات الإلكترونية بمختلف الطرق. ففي سنة 2008، قابل العتيبة رفقة اثنين من مستشاريه الأمريكيين شخصا رابعا، طلب أن لا يتم الكشف عن هويته، حتى يتمكن من مواصلة عمله في المنطقة. كان الهدف من اللقاء أن يطلبوا منه التعامل مع عملية ابتزاز تطال بعض رسائل البريد الإلكتروني للعتيبة. والجدير بالذكر أن الرسائل التي نشرتها غلوباليكس، بعد عدة سنوات، في بعض الصحف، تنضوي ضمن عملية الابتزاز الآنف ذكرها. (بعض تلك الرسائل نشرت سنة 2009 ضمن غرفة دردشة ولكن شرعان ما تم حذفها).
في الأثناء، أورد المصدر، الذي اطلع على عملية الابتزاز المزعومة للبريد الإلكتروني التابع للعتيبة “ظننته سيحدثني عن السياحة، ولكنه حدثني عن العاهرات”، وحسب جدول المواعيد التي كانت في صندوق الواردات في حساب العتيبة، الذي اطلع “الإنرتسبت” على نسخة منه من قبل غلوباليكس، تطابقت تواريخ اللقاءات مع تصريحات الطرف الرابع. (كانت مشاركة هذا المصدر محدودة في خضم هذه القضية، حيث لم يتمكن من معرفة هوية الشخص الذي حاول ابتزاز العتيبة، أو معرفة ما إذا كان هناك طلب بإرسال أموال مقابل ذلك).
أثناء إعدادي لتقرير عن العتيبة في سنة 2015، وقعت بين يدي تسريبات البريد الإلكتروني التابع لترايسي. ونظرا لأني لم أتمكن من التأكد من مدى صحتها، لم أستخدمها حينها ضمن حيثيات التقرير. في أعقاب ذلك، اتضح أن تلك الرسائل تتوافق مع ما نشرته غلوباليكس. وفي نهاية المطاف، أكد رومان باسكال أنه قد اطلع على تلك الرسائل الإلكترونية شخصيا، حيث بادر العتيبة بعرضها على أصدقائه لينظروا في شأنها ويساعدوه في الحسم في أمرها. لهذا كان باسكال قادرا على وصف تفاصيلها دون الحاجة إلى قراءتها.
وتظهر الرسائل المتبادلة التي نشرتها غلوباليكس أن التعامل مع المومسات يعد بمثابة أمر روتيني. ففي سنة 2006، أرسل باسكال بريدا إلكترونيا، تحت اسم “جوب باخوس”، إلى العتيبة للتحاور حول كيفية استقدام مومسات من واشنطن إلى شقة العتيبة في أبو ظبي، حيث يمكث باسكال أيضا. في هذا الصدد، أورد باسكال محدثا العتيبة أن أحد أصدقائه سيتوجه إلى نادي التعري “كاميلوت” في واشنطن، وسيذكر اسم العتيبة على أمل أن تبدي بعض الفتيات استعدادهن للسفر إلى الخارج”. وقد أعاد العتيبة إرسال البريد الإلكتروني ذاته إلى هذا الصديق الذي ذكره باسكال.
في سياق متصل، تمكن باسكال من الاستظهار ببعض الصور رفقة العتيبة وأصدقائه في حفلات عدة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أبو ظبي. في إحدى تلك الصور، كان باسكال والعتيبة يجلسان إلى جانب فتاتين، قال باسكال عنهما إنهما راقصتين في نادي كاميلوت، أرسل خلفهما العتيبة لتلتحقا به في حفل في نيويورك عبر القطار. من جانبه، أكد نيك تريانتيس مدير نادي كاميلوت أن الفتاتين كانتا في السابق راقصتين في النادي. (وقد حاول الإنترسبت محاورتهما ولكن لم نتلقى إجابة على الإطلاق).
عشاء في مطعم نوبو في نيويورك سيتي. على الطرفين راقصتي تعري من نادي كاميلوت في واشنطن. يجلس باسكال إلى جانب الفتاة الموجودة على اليسار، في حين يجلس العتيبة إلى جانب الفتاة الأخرى على اليمين. وقد قدمت الفتاتين على متن قطار إلى نيويورك
مع مرور الوقت، أخذت الشكوك تراود باسكال، حيث كان يعتقد أن هناك شيئا مريبا يحدث وأن الأمر ينطوي على أكثر من مجرد عمل النساء في البغاء بكامل إرادتهن. انطلقت أطوار الحكاية مع فتاة روسية، أعطته رقمها الهاتفي بعد أول لقاء لهما، وقالت له إن أردت أية متعة جنسية من دون دفع مقابل، فعليك الاتصال على هذا الرقم. وفي الأثناء، لم يتوان باسكال عن فعل ذلك في العديد المناسبات. ولكن خلال إحدى زياراتها، فتحت هذه الفتاة الباب على إحدى جوانب حياتها المظلمة.
وفي هذا الصدد، أفاد باسكال: “فتحت الباب، فدخلت الفتاة مسرعة إلى الغرفة وكانت فرائصها ترتعد من الخوف. قلت لها ما الأمر؟ فقالت إنها رأت للتو رجلا وهو ينهال ضربا على إحدى صديقاتها، وهي الآن ترقد في المستشفى، لتروي لي فيما بعد كيف وصلت إلى هذه البلاد، وكيف أن أحدهم احتجز جواز سفرها”. وكان ذلك مؤشرا على أن أحدهم وقع ضحية عمليات الاتجار بالبشر.
في سياق متصل، أكد لي باسكال أن العتيبة لم يكن يعلم بحقيقة الفتيات اللاتي يرسلن له، حيث صرح “لا يمكن أن نقول إن ‘سيف’ – اسم التحبيب الذي يعتمده أصدقاء العتيبة من الأمريكيين- كان يمارس تجارة البشر. ولكن بعض النسوة اللاتي أرسلتهن له كنا ضحايا الاتجار بالبشر”. وقد كانت الفتاة الروسية التي سرق منها جواز سفرها، أول من تحدثن مع باسكال حول المأزق الذي وقعن فيه.
وفقا لمنظمة العمل الدولية، يعتبر الاتجار بالبشر صناعة عالمية تبلغ قيمتها 150 مليار دولار، حيث تمثل الإمارات العربية المتحدة مركز ثقل هذه الصناعة. في الأثناء، يتجسد الاتجار بالجنس في إكراه شخص بالغ، أو خداعه أو إجباره على ممارسة البغاء أو أن يظل حبيسها عبر هذه الطرق بعد الموافقة المبدئية عليها. كما يعتبر الشكل الأكثر شيوعا في أشكال الرق الحديث، وفقا لما أفادت به منظمة بولاريس، التي تدير خطا ساخنا لمكافحة الاتجار في الولايات المتحدة.
في الإمارات العربية المتحدة، يعد الاتجار بالعمال أكثر انتشارا من الاتجار بالجنس. في المقابل، أشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن “بعض النسوة، من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وجنوب آسيا وجنوب شرقها، وشرق أفريقيا، والعراق، وإيران، والمغرب، في الغالب تكن عرضة للدعارة القسرية في الإمارات العربية المتحدة”.
من جانبه، صرح نيكولاس ماكجيهان، الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، لموقع “الإنترسبت” أن نخبة البلاد تعمل أساسا في إطار مجموعة مختلفة من القواعد عن بقية المجتمع، ولا سيما العمال الأجانب. وأضاف ماكجيهان أن هؤلاء “لا يتم استدعائهم من قبل السلطات إلا في حال حدوث الانتهاكات في الخارج وهو ما كان، على سبيل المثال، مصير سفير الإمارات في أيرلندا الذي تمت مقاضاته هناك عن الأضرار التي تسبب فيها سنة 2014. كما بإمكان المواطن الإماراتي الذي يستغل مومسا في الإمارات أن يتوقع أن يُعامل برفق”.
ومع ذلك، يتلقى المقيمون غير المواطنين في الإمارات معاملة قاسية حتى في حالة الانتهاكات البسيطة، وهو ما أكده ماكجيهان بقوله إن “العامل المهاجر الذي ينتهك أي قانون، إن كان ذلك من خلال إلقاء القمامة والعبور العشوائي للمشاة، قد يتوقع أن تحل عليه لعنة السلطات”. وأشار ماكجيهان إلى قضية حدثت سنة 2006، حيث شهدت امرأة بتعرضها لاغتصاب جماعي، إلا أن المحاكم الإماراتية أدانتها “بالزنا” وحكمت عليها بالسجن لمدة خمس سنوات وخمس سنوات إضافية تحت المراقبة، فضلا عن 150 جلدة ومن ثم الترحيل.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التجاوزات تمت إدراجها ضمن فيلم وثائقي سنة 2015، بثته قناة “بي بي سي” العربية تحت عنوان “حامل ومُصفدة بالسلاسل”. ويظهر الفيلم كيفية سجن النساء المهاجرات في الإمارات بشكل روتيني بسبب العلاقات الجنسية، بما في ذلك الاغتصاب، والحمل خارج إطار الزواج، فضلا عن تعرضهن للإساءة من قبل النظام القضائي في البلاد.
يقيم عمال البناء في سونابور (أو “مدينة الذهب” باللغة الهندية) وهي عبارة عن مخيمات للعمال
كان باسكال قد شهد على بعض هذه الأمور بنفسه خلف الأبواب المغلقة للعمل الجنسي، ضمن خصوصية المنازل الإماراتية، حيث قال في هذا الصدد “وددت إخبار رفاقي عن هذه القصص، التي كانت تفوق الوصف”. ولكن أصدقائه قاموا بحثّه على الكشف علنا عن ظروف عمال الجنس. وأورد باسكال متذكرا كلام أصدقائه الذين قالوا له “هيا يا رومان، هل أنت جاد؟ ألن تقول أي شيء عن هذا الأمر؟، بالتالي، كانوا قد شجعوني نوعا ما على الحديث”.
خلال أيار/مايو سنة 2009، نشر باسكال مقالا على مدونته عن تجربته مع العتيبة وأصدقائه الآخرين، حيث كتب “لقد أصبحت تائها في الحياة” في إشارة إلى الاكتئاب الذي دفعه إلى التفكير في الانتحار. وأضاف باسكال قائلا “كنت قد تبنيت خصائص “فاعل الخير الخاصة بي”، حيث تقت إلى المومسات اللواتي تكلفن 10 ألف دولار في الليلة. كنا قد اعتدنا على قضاء ما بين ست وثماني ساعات في نوادي السادة في الولايات المتحدة وخارجها. كما أردت أيضا أن أكون “رجل نادي التعري” تماما مثل الرجل الذي كان يدفع مقابل الفاتورة”.
وصل باسكال إلى وزارة العدل والتقى مع المحامي الأمريكي روي أوستن، الذي تناول قضايا الاتجار بالبشر، وفي هذا الشأن، قال أوستن الذي يعمل في القطاع الخاص، في سنة 2009، “أتذكر اللقاء الذي جمعني به كما أتذكر الادعاءات المروعة جدا. وأنا أدرك أنني شاركتها مع الآخرين في المكتب”، بيد أنه لم يتمكن من تذكر الكثير عن ملابسات القضية.
بعد بضعة أشهر، انتقل أوستن إلى شعبة الحقوق المدنية بوزارة العدل. وقال باسكال أنه يحاول لفت الانتباه إلى المشكلة الأكبر، وهو ما أكده أوستن. والجدير بالذكر، أن باسكال وطد علاقاته بوسائل الإعلام المحلية في منطقة واشنطن. كما تحدث إلى بريان كارم، المحرر التنفيذي لصحيفة “مقاطعة مونتجومري سنتينل”.
في هذا الشأن، قال كارم لموقع الإنترسبت أنه نُصح بضرورة التحدث مع باسكال وقال إنه وجد قصته ذات مصداقية لكنه لم يستطع إيجاد الطريقة المثلى لإضفاء الشرعية عليها. ومع ذلك، طارد كارم الطرف حتى وصل إلى سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة. وتم تحويل البريد الإلكتروني لكارم للعتيبة والتي نشرت لاحقا من قبل غلوباليكس.
وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة، أثارت مذكرة كارم الذعر في جميع أنحاء السفارة الإماراتية. وتحول العتيبة إلى صديق موثوق به ليتعامل مع بايرون فوغان. في 28 من أيار/مايو 2009، نشرت مجلة “مقاطعة مونتجومري سنتينل” مقالا تحت عنوان “الكاتب المحلي يقدم وجهة نظر حول صفقة الإمارات”. وسرعان ما أحال فوغان المقال للعتيبة، مشيرا إلى أن السفير قد تخطى المشكلة.
على الرغم من عنوانه، ركز المقال على الصفقة النووية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والعلاقات الوثيقة بين البلدين. وتم ضم اقتباس لباسكال الذي تم وصفه “بالشخص المقرب سابقا من العتيبة”. نقلت الصحيفة عن باسكال قوله عن العتيبة “إنه رجل يلتزم بوعوده كما أنه متفان ليس فقط في عمله بل أيضا في تمثيله لبلاده”. كما أضاف المراسل أنه “حتى باسكال قال إن هناك عناصر من المجتمع الإماراتي قد يتسببوا في بعض المشاكل لوقف الاتفاق”.
إثر ذلك، عرض باسكال اقتباسا آخر “للوهلة الأولى، تبدو الإمارات العربية المتحدة بلدا بمواصفات أوروبية أقيمت في الشرق الأوسط، ولكن هناك طبقة فرعية في المجتمع العربي، في كل من أبو ظبي أو دبي مهووسين بالبغاء، والاتجار بالبشر وتعريف الشخص وفقا لقيمته المالية”.
من جانبه، قال فوغان، في رسالة البريد الإلكتروني الذي أرسله للعتيبة، “هذا ليس سيئا بالنسبة لنا إلى حد الآن، ولكن يجب أن نبقى متيقظين”. كما كتب، أن غرابة القصة يمكن أن تساعدهم في تشويه سمعة باسكال لاحقا إذا كانوا في حاجة لذلك. (لم يستجب العتيبة للطلبات المتكررة وأحال التعليق إلى مستشاره للعلاقات العامة ريتشارد مينتز والسفارة).
في هذا الصدد، قال فوغان “مقال غريب جدا لن يحصل على الكثير من الاهتمام… وهذا في نهاية المطاف، سيقلل فرص رومان ليؤكد شيئا مثيرا للتحريض لاحقا” والتنبؤ بالاستراتيجية المحتملة في المستقبل لمكافحة مزاعم باسكال وبالتالي، “يبدو أن رومان رفع الراية البيضاء”. عقب ذلك، أرسل العتيبة المذكرة إلى مينتز وقال له “هذا كل ما راج”
سنة 2009، نقلت صحيفة محلية في واشنطن قصة غريبة عن باسكال متعلقة بالعتيبة
في الحقيقة، تخلى باسكال عن سعيه للفت الانتباه لقضية الاتجار بالبشر، حيث قال إنه تلقى نصيحة مفيدة من شخص يعمل في مكتب التحقيقات الفدرالي. واستذكر باسكال مسؤول مكتب التحقيقات الفدرالي “اسمع، إنها امرأة”. “لنكون صادقين معك، لا أحد يهتم، في حال كتبت عن الموضوع سيهتم الناس، ولكن إن لم تقم بذلك لن يكترث أي أحد بمثل هذه الأشياء”.
في الأثناء، خلص باسكال إلى أنه إذا لم يكن أحد يهتم، فإنه لن يدخل غمار هذه المسألة ولذلك محى التعليق من مدونته (لقد تحصل على نسخة منها لاحقا). في الحقيقة لم يكن باسكال يسعى لنشر قصته هذه المرة. وبذلك، لم يتحدث لموقع “الإنترسبت” إلا بعد أن تواصلنا معه من خلال كارم، الذي كان لديه المعلومات الكافية للتواصل معه وقد تطلب الأمر منا عدة أيام.
سنة 2008، استلم العتيبة منصب سفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن، وكأولى أعماله الرسمية، أنشأ مؤسسة الواحة غير الربحية، التي تعد خطوة غير عادية للغاية بالنسبة لدبلوماسي أجنبي. وتصف سجلات المحكمة مؤسسة الواحة الدولية على أنها “مؤسسة خاصة أنشأها سفير دولة الإمارات العربية المتحدة ذات علاقة بأعمال سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، وكجزء من مهمة السفير للنهوض بالعلاقات الإيجابية بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي حليف أمريكي هام وخاصة في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة “.
علاوة على ذلك، عيّن العتيبة فوغان المدير التنفيذي لمؤسسة الواحة وعضو مجلس إدارة المؤسسة الخيرية المكون من ثلاثة أشخاص. وهو ما ساهم في وضع فوغان في موقف حرج من خلال إشرافه بنفسه على أنشطته كمدير. تظهر سجلات المحكمة الجدل الذي كان سيثيره فوغان، حيث أنه لن يعمل فقط مع مؤسسة الواحة ولكن أيضا مع سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة وصديقه رفيع المستوى. وبالتالي، يشتغل فوغان في ثلاث وظائف متداخلة ومتشابكة. بين سنتي 2007 و2015، قال إنه في بعض الأحيان عقد وظائف بين مؤسسة الواحة وشركة هاربور، وهي شركة علاقات عامة مقرها واشنطن استأجرت من قبل السفارة، والتي ضمتها السفارة على أنها مستشارها القانوني.
على العموم، تفسر الروابط الاجتماعية والمهنية الوثيقة جزئيا لماذا لعب العتيبة سنة 2016، دورا محوريا في قضية فوغان، حيث ضغط سفير دولة الإمارات العربية المتحدة على نظام العدالة الجنائية الأمريكي من خلال ثلة من المحامين باهضي الثمن. وفي مذكرة فوغان الصادرة في آذار / مارس 2016، أشارت المحكمة إلى أن “مؤسس مؤسسة الواحة والمانح الوحيد يحث على عدم مقاضاة [فوغان]. كما حث ذلك الشخص في بيانه على أنه لا يجب سجن فوغان”. ولذلك، تم إغلاق العديد من سجلات المحكمة، وهو ما يعد جانبا مظلما في القضية التي ربطت الصلة بين فوغان مع المؤسس الذي لم يكشف عن اسمه.
أشارت المحكمة إلى الرسالة التي بعث بها السفير للدفاع عن فوغان، لكنها لم ترفقها في السجل العام. وجاء في نص الوثيقة “على الرغم من طابع الجريمة، لا يزال فوغان على اتصال بالسفير، وواصل تقديم الخدمات الاستشارية للسفارة عند الطلب”.
رسائل البريد الإلكتروني التي جمعت فوغان بالعتيبة
من جانب آخر، أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة من قبل غلوباليكس العتيبة وهو بالكاد يدعي جهله بميل فوغان للعلب القمار، وتعاطي المخدرات، أو حتى توظيف العاملين في مجال الجنس. في السنة الفارطة، قبل أن يعين العتيبة فوغان المدير التنفيذي لمؤسسة الواحة الدولية، كتب للسفير الإماراتي “اللعنة، أخبر رومان أن يستعد لرحلة دانا”. وقد أعلم العتيبة باسكال من خلال إعادة توجيه البريد إليه بسرعة.
وفي ذلك إشارة إلى فندق دانا في أبو ظبي، حيث كان رفقة فوغان في كثير من الأحيان يختارون العاملين في مجال الجنس. وقال باسكال إنه صحبة فوغان قاموا بزيارة دانا في رحلتهم، وجلبوا معهم اثنين من المرافقين إلى شقة العتيبة في أبو ظبي كما وعدوه.
في تلك الليلة، كانت نهاية أيام حفلات باسكال الأكثر شهرة مع عتيبة والشركة. وقال إنه في الشقة مرة أخرى، كان لديه حفلة “عيد الغطاس”، وهناك سحب فوغان إلى الشرفة وقدم له المرافقين. وفي هذا الشأن قال باسكال “كنت أفعل ذلك لمدة أربع سنوات، لقد كانت حياتي…، ولكنني استطعت المضي قدما”.
في واشنطن، التقى باسكال مع العتيبة والطاقم في “سيكويا”، وهي حانة تقع على نهر بوتوماك في جورجتاون. وفي هذا الصدد، قال باسكال “عندما كانوا يغادرون، كانوا يبدون في أحسن مظهر، وقال لهم العتيبة سنعود إلى الفندق الآن، هيا رومان. ولكنني أجبته لا، أنا بخير هنا وهو ما اعتبره إهانة كبيرة له، ومنذ ذلك الحين لم أتلق أي شيء منه”.
يناقش العتيبة ومحاميه مسألة الأموال المفقودة من مؤسسة الواحة الدولية
في الواقع، كانت قضية فوغان البداية فقط. ففي شهر كانون الأول/ ديسمبر، تواصل هاميلتون لوب، أحد المحامين الذين جندتهم السفارة للدفاع على فوغان، مع العتيبة بغية إعلامه بآخر المستجدات فيما يتعلق بقضية غسيل الأموال التي تورط فيها فوغان. من جانبها، أكدت السلطات المعنية أن فوغان قد اختلس ما قدره 1.9 مليون دولار من خزينة مؤسسة الواحة.
في الأثناء، اقترح لوب أنه ونظرا لأن الإمارات العربية المتحدة قد دأبت على ضخ سبعة ملايين دولار بشكل دوري في حساب المؤسسة، فمن المرجح أنه لا يزال هناك حوالي خمسة ملايين دولار في خزينة المؤسسة، أو ربما أقل بقليل، في ظل بعض المصاريف التي أنفقت في شكل عطايا متواضعة للغاية فضلا عن بعض النفقات الأخرى.
بعد مرور شهر، وإثر تمكنه من الولوج إلى الوثائق الرسمية، تمكن لوب من الحصول على تقرير أكثر دقة ومخيبا للآمال بشكل كبير. وفي هذا الصدد، كتب لوب للعتيبة قائلا “كل ما تبقي في خزينة مؤسسة الواحة لا يتجاوز سقف 100 ألف دولار. حقيقة، كنت أتوقع أن يكون المبلغ أكثر من ذلك”.
إذا ما كان العتيبة متفاجأ باختفاء المزيد من الملايين، لم يكن ليتنازل عن الأمر. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتم طرد فوغان حتى من مجموعة هاربور أو السفارة. وبدلا من ذلك، ضاعفت البعثة الدبلوماسية الإماراتية من جهودها لدعم فوغان.
من جهته، استفسر العتيبة لوب عبر البريد الإلكتروني حول جدوى ممارسة ضغوط على وزارة الخارجية للاعتماد على وزارة العدل للرفق بفوغان. لكن لوب عارض بشدة اقتراح العتيبة. إلا أن السفارة دفعت بالمدعين العامين إلى الإقرار بأن المبلغ الذي تم اختلاسه في إطار عملية الاحتيال يقل عن المليون دولار. وفي المقابل، رفض المحامون الأمريكيون هذه المحاولة.
من جانب آخر، تشير سجلات المحكمة إلى أنه تم إنفاق مبلغ أكبر بكثير مما تم الإبلاغ عنه علنا. وقد أظهرت الوثائق وجود ودائع بملايين الدولارات في حسابات مؤسسة الواحة الدولية، والتي تخضع بدورها إلى التجميد أو الإيقاف من أجل أعمال مشبوهة.
بمجرد إيقاف أحد هذه الحسابات، يعمد فوغان إلى فتح حساب آخر لدى بنك جديد. وقد تنقلت ملايين الدولارات التابعة لمؤسسة الواحة الدولية بين حسابات لدى بنك “إتش إس بي سي” و”بنك بس أن سي” ومجموعة سان تراست المصرفية. وخلال إحدى عمليات تحويل الأموال، والتي حدثت خلال الشهرين المنقضيين، اختفى مبلغ يقدر بحوالي ثلاثة مليون دولار.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، ووفقا لما ورد في وثائق الإدانة، قام فوغان بفتح حساب مصرفي خاص، وذلك في مدينة تشارلز تاون التابعة لفرجينيا الغربية، والتي تضم أقرب ملهى ليلي إلى واشنطن في ذلك الوقت. غير أن المدعين العامين تمكنوا فقط من تحديد الأدلة علنا بشأن تحويل مبلغ حوالي 220.000 دولار من حسابات مؤسسة الواحة الدولية إلى الحسابات الشخصية لفوغان. وفي هذه الحالة، سيخضع فوغان إلى أمر من المحكمة بدفع المبلغ كتعويض.
في الأثناء، واصل كل من العتيبة وفوغان احتفالاتهما الصاخبة بعد وقت طويل من إفادة سجلات المحكمة بخروج فوغان عن نطاق السيطرة. وفي نيسان/أبريل سنة 2012، احتفل كل من بايرون والعتيبة الذين كان برفقة زوجته إلى جانب بقية العصابة، لكن دون باسكال، في جزر الكاريبي بمناسبة عيد ميلاد الأربعين لأحد أعضاء الطاقم. وبغض النظر عن التعويض الذي طالبت به المحكمة، كان العتيبة يثير الغرابة بعدم اهتمامه بما حدث لمبلغ 7 ملايين دولار كاملة، وذلك وفقا للعدد الضخم للمراسلات مع محاميه.
في شهر تموز/يوليو 2014، كتب مينتز للعتيبة ليخبره أن فوغان كان يتقاعس عن أداء مهامه في صلب شركة هاربور للعلاقات العامة. فكان جواب العتيبة أنه ينبغي على مينتز أن يقوم بطرد فوغان. وفي ظل خسارته لمنصبه في شركة هاربور غروب للعلاقات العامة، فضلا عن أن مؤسسة الواحة الدولية قد أغلقت بالفعل أبوابها، كان لا يزال في جعبة فوغان سوى وسيلة واحدة للتأثير على العتيبة.
وفي هذا الصدد، كتب فوغان للعتيبة قائلا “أتمنى أن أحتفظ بمنصب المستشار الرئيسي للسفارة، على أن أعمل انطلاقا من مكتبي في ماريلاند، في حين سأركز على الأعمال القانونية وذلك بموجب اتفاقنا الحالي دون أن يقع أي تغيير فيه”. وأضاف فوغان قائلا “أظن أن هذه الإجراءات تصب في مصلحة الجميع، وخاصة مصالحك الشخصية”. من جانبه، سمح العتيبة لفوغان بالعمل ضمن السفارة على اعتباره مستشارا قانونيا، إلا أنه اضطر لقضاء عقوبته في السجن بعد سنة من ذلك.
المصدر: نون بوست