بقلم - ياسين سعيد نعمان
كان رأيي ، وسيظل ، هو أن تقسيم الجنوب إلى إقليمين يستحضر تاريخاً من الانقسامات وإعادة إنتاج الهويات بصيغة مفككة وبطابع يغلب عليه الصراع وليس التكامل .
أنا شخصياً مع الحفاظ على هذه الهويات ورعايتها طالما ظلت منسجمة ومتوافقة مع الهوية الجامعة ، فالمشكلة لا تكمن فيها وإنما في النخب التي تتولى توظيفها وتعمل على تحويلها إلى هويات صدامية منفوخة كبالون يحلق في الهواء ، ومحمولة بذاكرة لا تاريخية ، بمعنى أنها تتجاوز الحقيقة في استيعاب وقائع التاريخ .
شهدنا هذا النوع من الهويات المنفوخة عندما اعتقدت الهوية التي حركت الانقلاب على الدولة منذ ثلاثة أعوام أن اليمن مجرد ورقة “قرطاس”يمكن طيها ووضعها في الجيب وتنهي الأمر . غير أن ما حدث هو أنها أغرقت اليمن في حرب مدمرة ، أخطر نتائجها هي تدمير الهوية الوطنية وما نشأ عن ذلك من حاجة إلى العودة الى ما دونها من هويات .
مقاومة هذا الانقلاب يجب أن لا يقتصر على مواجهته عسكرياً ولكن أيضاً بمشروع سياسي يفشل المشروع الإستعلائي المدمر للهوية التي تستقر عليها خيارات الناس بعد أخذ رأيهم ، وهي مسئولية كل القوى في الشمال وفي الجنوب على السواء . لا بد أن يقال للناس من الآن انكم انتم اصحاب القرار وعلى النخب أن تتدبر أمر السير في هذاالطريق بدون مراوغة أو احتيال .
وحتى نأخذ المثال من هذه الهوية المنفوخة التي أغرقت اليمن في الحرب ، فلا بد من تجنب النفخ في الهوية مهما صغرت أو كبرت ، وهذه مسئولية النخب عامة، وعلى النخب التي فقدت مؤشرات صلتها بالمستقبل وعادت تنفخ في هوياتها المحترمة لتعيد تشكيلها بقناعات فيها من النزق ما يجعلها عدوانية إنعزالية أن تفكر جيداً فيما يمكن أن يرتبه ذلك من تفكك حتى على صعيد الهوية ذاتها .
عانى اليمن ، كغيره من البلدان، من النخب التي تستحضر الهوية وكأنها عربة نقل تتحرك عليها لتنجز مهمة معينة دون أن تدرك أن الهوية وسيلة حياة لا يجوز توظيفها لغير هذا الغرض .. ولأنها وسيلة حياة فإنها لا تتوقف عند درجة معينة من النمو أو عند حالة بعينها من التطور والتحول طالما أن حاجات الانسان متجددة ومتنوعة ، مما يفرض على الهوية التي ينتمي إليها أن تنفتح على هويات أخرى ، ومنها جميعاً تتشكل هوية جامعة مشتركة اكثر سعة وشمولاً ،والنَّاس هم الذين يقررون ذلك .
موضوع آخر مرتبط بهذه المسألة ، وهو أنه وبعد كل هذه المآسي والإخفاقات التي تولدت عن قيام النخب بدور الوصي على الشعب ، لا بد من التوقف عن أي عمل يقوم بأي مبادرة نخبوية تهمل رأي الناس ، فالرأي النهائي هو للشعب وللناس في تقرير مستقبلهم . ومهمة النخب الجادة هو العمل مع الناس وتوعيتهم وإعدادهم ديمقراطياً وسياسياً لاتخاذ قراراتهم بمسئولية .
أقول رأيي هذا وأكرره ولا أدعي أنه الأمثل ، وَاتمنى لو أن تجربة عملية معارضة له تمت بنجاح لصفقت لها وانحنيت أمامها احتراماً ، فقط أطلب ممكن يعترض على ما ذهبت إليه بخصوص تقسيم الجنوب ومخاطره في استحضار الهويات التفكيكية أن لا يشغل باله بالرد أو الشتم كما جرت العادة عند البعض ، فقط يسجل ويتابع ، و”ستبدي لك الايام ما كنت جاهلاً”.
ألا لا يجهلن أحد علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا