تعيش الصحافة اليمنية واقعا أسودا منذ اجتياح جماعة “الحوثي” للعاصمة صنعاء، قبل أكثر من عامين، إلاّ أن السلطة الطارئة التي تسيطر على عدد من المحافظات اليمنية، أحكمت قبل أيام قبضتها الخانقة، بإصدار حكم بالإعدام على السلطة الرابعة.
محكمة أمن الدولة التابعة لـ”الحوثيين”، أصدرت أواخر الأسبوع الماضي، حكماً بالإعدام على الصحفي “يحيى عبد الرقيب الجبيحي”، أحد الأقلام اليمنية المخضرمة، وذلك بتهمة التخابر مع دولة أجنبية (السعودية)، كما جاء في حيثيات الحكم الذي نشرته وسائل إعلام حوثية.
وأثار الحكم غير المسبوق، سخطا واسعا في الوسط الصحفي والحقوقي اليمني والدولي، فعلاوة على أنه تم بحق مختطف ومخفي قسريا لدى الحوثيين، منذ السادس من سبتمبر/أيلول 2016، أصدر القاضي الموالي للحوثيين، الحكم في الجلسة الثانية فقط من المحاكمة، رغم أن أحكام الإعدام عادة ما تأخذ جلسات أطول قبل أن يتخذ القاضي حكما بهذه القسوة.
رسالة “حوثية” للصحافيين
تعتقل الجماعة 18 صحفيا منذ عامين، بتهمة العمل مع التحالف العربي والحكومة الشرعية، ولم يتم محاكمة أي منهم حتى اليوم، سوى الأكبر منهم سنا، الصحفي “يحي الجبيحي”، البالغ من العمر 61 عاما.
ووفقا لنقابة الصحافيين اليمنيين، تعرض الصحافيون المعتقلون لتعذيب ممنهج من قبل سلطات الحوثي، التي رفضت أيضا عرضهم على الأطباء بعد تدهور حالاتهم الصحية، كما ترفض تقديمهم للمحاكمة لعدم وجود أي تهم حقيقية ضدهم.
ويبدو أن حكم “الإعدام”، مَثّل رسالة “حوثية” لبقية الصحافيين المناهضين للجماعة، والذين ما يزالون خارج معتقلاتها، فحواها أن “مصيرهم سيكون الإعدام”، خصوصا بعد موجة تحريضات قادها زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، ضد منتسبي الصحافة، والأحاديث المتواصلة عن طابور خامس.
وحسب مصادر في أسرة الجبيحي، حرص الحوثيون على إرهاب الصحافيين بالحكم الصادر، وذلك من خلال عدم سماحهم للصحفي “الجبيحي” ومحاميه من حق الدفاع، وخرجوا بحكم تم إعداده على عجالة، ولا تتوفر فيه أدنى شروط المحاكمة العادلة.
وجاء الحكم، تتويجا لقبضة أمنية وانتهاكات غير مسبوقة من قبل الحوثيين ضد الحريات الإعلامية، وخلافا للعامين 2015 و2016، شهد الربع الأول من 2017، 50 انتهاكا؛ بما في ذلك 8 حالات اختطاف، و4 اعتقال، و2 إلقاء قبض، وحالة ملاحقة، وفقا لنقابة الصحافيين.
رفض مطلق للحكم
علاوة على استئناف الحكم، رفضت نقابة الصحافيين، ومنظمات ومؤسسات حكومية يمنية، ومنظمات دولية، حكم المحكمة الحوثية بإعدام الصحافي “الجبيحي” بشكل مطلق، ووصفته بـ”غير الدستوري”، كما طالبت بإطلاق سراحه فورا.
بدورها نقابة الصحفيين، هاجمت الحوثيين بشدة، وقالت إنهم استهدفوا كل مقومات الحريات الإعلامية والصحفية، وأعادوا اليمن إلى”العهود الشمولية والاستبدادية”، ونشر الخوف والرعب في أوساط الصحافيين.
الاتحاد الدولي للصحفيين، حذر هو الآخر مما أسماها بـ”المحاكمة الاستعراضية”، وإلحاق الضرر بالجبيحي، وقال أمينه العام، أنطوني بلانجي، “نشعر بالغضب من هذا الحكم ضد صحافي مخضرم، ونحذر من يشرفون على هذه المحاكمة الاستعراضية من إلحاق الضرر به”.
وأضاف بلانجي “الاتحاد الدولي للصحافيين والنقابات التابعة له في أنحاء العالم والشركاء الدوليون سوف نعمل على ضمان مواجهة المعنيين للعدالة عن جريمتهم تلك”.
وساقت “المحكمة الحوثية”، في حيثيات حكم الإعدام، اتهامات مختلفة للجبيحي، منها “الاتصال بطريقة غير مشروعة بدولة أجنبية هي السعودية، والتخابر مع سفيرها وسكرتير السفارة الأول”، وأنه”سلّم لهم تقارير تضر بمركز الجمهورية اليمنية الحربي والسياسي والاقتصادي وذلك مقابل راتب شهري بواقع 4 آلاف و500 ريال سعودي شهريا ابتداء من 2010”.
ويقول حقوقيون، إن التهم “ملفقة”، لأن “الجبيحي” كان يكتب في صحف سعودية ويتقاضي ذلك المبلغ، منذ 2010، أي خلال نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وما تم العثور عليه في حاسوبه ليست سوى مقالات رأي.
حكم غير مسبوق
يصف نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، عبد الباري طاهر، حكم الإعدام بحق الصحفي الجبيحي بـ”الخرافة”، وغير المسبوق على الإطلاق.
وقال طاهر، للأناضول “الحكم تم في حدود الخرافة (..) شخص مخفي قسريا طيلة ثمانية أشهر، ويخرج مباشرة من الإخفاء القسري إلى حكم بالإعدام، لم توجه له تهم، ولم يُترك لمحاميه حق الدفاع”.
وأضاف “هذا حكم غير مسبوق على الإطلاق، لم يحصل في اليمن طيلة العقود الماضية، وحتى في الدول العربية حتى الآن وبهذه الطريقة”.
وبشأن الوضع الذي تعيشه الصحافة اليمنية منذ اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، قال طاهر: “الحالة الإعلامية مغلقة بشكل كلي ومعدومة، لم نعد نتحدث في اليمن عن تكميم الأفواه فحسب، هناك حرب على الإعلام ومصادرة للصحف الحكومية والخاصة”.
وأشار طاهر، إلى أنه لم يعد هناك أي قنوات تعمل من صنعاء أو مراسلين، بالإضافة إلى 18 صحفي مخفي قسريا.
تراجع إلى العهد الشمولي
عقب اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، قامت الجماعة بالسيطرة على وسائل الإعلام الحكومية لتجعلها متحدثة بلسانها، وكذلك الوكالة الرسمية، قبل أن تتمكن الحكومة الشرعية من استعادة نسخة أخرى من التلفزيون الرسمي، والوكالة الرسمية من العاصمة الرياض بدعم سعودي.
وعلى الرغم من ذلك، تبقت نسخة أخرى من كافة الوسائل الحكومية في متناول الحوثيين، يستخدمونها كإعلام حربي لصالحهم في مهاجمة الحكومة الشرعية، كما حصل ذات الأمر مع وسائل إعلام أهلية وغير حكومية.
واضطرت القنوات الخاصة لنقل مقار أعمالها إلى عدة عواصم عربية، وقامت بمعاودة نشاطها، أما الصحف المحلية فتوقفت بشكل شبه كامل إلا من عدد من الصحف الموالية لهم، ووجد المئات من الصحفيين أنفسهم على رصيف البطالة.
ويرى الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، أن الوضع الإعلامي في اليمن، تراجع إلى العهد الشمولي، وهو المصطلح الذي يشير إلى التحكم بكافة أوجه الحياة من قبل أي جماعة.
وقال شبيطة، للأناضول “ما يجري مصدر تهديد ورسالة ترويع لكل من يخالف سياسة سلطة الأمر الواقع (الحوثيين)، وذلك لكبح جماح أي معارضة أو تصرف يقوم به مناهضيهم”.
وترفض نقابة الصحفيين، مثول أعضائها أمام ما يسمى بـ”محكمة أمن الدولة”، التي أصدرت حكم الإعدام بحق الجبيحي.
ودعا شبيطة، المنظمات الحقوقية المحلية والدولية المعنية بحرية الرأي والتعبير، إلى التضامن مع الصحفي”الجبيحي”، ورفض الحكم، والعمل على إيقاف حالة العنف المتزايد تجاه الصحافة في اليمن.
وهو ما تحقق بالفعل، حيث قوبل حكم الإعدام بتنديد غير مسبوق في الوسط اليمني، وكذلك من المنظمات الدولية، حيث استنكرته منظمات العفو الدولية ومراسلون بلا حدود، كما طالبت الخارجية اليمني من الأمم المتحدة إدانة ذلك الحكم.
Source
الأناضول