حولت الميليشيات الحوثية جبهات القتال التي أشعلتها منذ انقلابها على الشرعية إلى ثقوب سوداء تلتهم الآلاف من الأطفال الذين استدرجتهم للقتال في صفوفها، بحسب شهادات حقوقية محلية ودولية.
وأكدت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» في محافظات حجة والمحويت وذمار وإب، أن الآونة الأخيرة شهدت اختفاء العشرات من الأطفال اليمنيين، ما يرجح قيام الجماعة الحوثية باستدراجهم إلى معسكرات التجنيد. وقال حقوقيون في محافظة ذمار إن مواطنين أبلغوا خلال الأسبوعين الأخيرين عن اختفاء أكثر من 30 طفلاً تحت سن الثامنة عشرة حيث خرجوا من منازلهم ولم يعودوا إليها، وهي الواقعة ذاتها التي تحدث عنها ناشطون في محافظتي حجة والمحويت.
ويرجح السكان المحليون أن عمليات التعبئة القتالية والمحاضرات الحوثية في المدارس والمساجد، أدت إلى دفع المئات من الأطفال إلى اعتناق أفكار الجماعة بخصوص الدعوة إلى الموت والذهاب إلى جبهات القتال.
وكان مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله السعدي اتهم أخيرا الميليشيات الحوثية بالاستمرار في تجنيد الأطفال في صفوفها، مؤكدا أن عدد من جندتهم الجماعة يزيد على 30 ألف طفل حيث يواجهون مخاطر الموت وانتهاك حقوقهم. ووردت هذه الاتهامات للميليشيات في خطاب للسعدي ألقاه الأسبوع الماضي في الدورة الأولى للمجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» داعياً فيه إلى مراجعة آليات الرصد والمراقبة الخاصة بالانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي.
وفي حين أكد المندوب اليمني أن الإحصائيات التي تقدمها الآليات الحالية عن تجنيد الأطفال من قبل الميليشيات بعيدة عن الواقع، أشار إلى ممارسات الجماعة الحوثية واستغلالها للظروف الاقتصادية والإنسانية للأسر وإجبارها على تجنيد أطفالها «والزج بهم في محارقها العبثية». بحسب تعبيره.
وأشار السعدي إلى أهمية التعاون بين الحكومة اليمنية ومنظمة اليونيسيف لتنفيذ خطة العمل لإنهاء ومنع استخدام الأطفال في الصراع المسلح الموقعة بين الحكومة اليمنية والأمم المتحدة في 2014، وكذلك تنفيذ خارطة الطريق لتنفيذ هذه الخطة. وأثنى المندوب اليمني في الأمم المتحدة على الدور الذي يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في تمويل مركز إعادة تأهيل الأطفال في محافظة مأرب، ودعا اليونيسيف إلى إنشاء مراكز أخرى في المناطق المحررة لإعادة تأهيل الأطفال المتضررين من الصراع وإدماجهم في المجتمع. وتشير تقارير حقوقية ودولية إلى استمرار الميليشيات الحوثية في استقطاب الأطفال إلى صفوفها عن طريق تلقينهم أفكار الجماعة في المدارس والمساجد والأماكن العامة.
وكانت الجماعة أقامت دورات طائفية فكرية خلال العام الماضي من خلال إنشاء أكثر من 3 آلاف مركز صيفي في صنعاء ومختلف مناطق سيطرتها، لغرض الاستقطاب والتجنيد.
ودائماً ما تحول الجماعة الموالية لإيران جدران المدارس إلى معارض تعلق عليها صور القتلى من عناصرها في سياق سعيها لتحريض الطلبة على الالتحاق بجبهات القتال. وفي مسعى من الحكومة الشرعية اليمنية للحد من ظاهرة انخراط الأطفال في صفوف المجندين للقتال، لجأت إلى اتخاذ تدابير قانونية وتشريعية لمحاصرة الظاهرة وفق مت أفادت به مصادر رسمية. وأكد المتحدث باسم وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية وليد الأبارة أن الرئيس عبد ربه منصور هادي أصدر قبل أيام قرارا يمنع تجنيد الأطفال في صفوف القوات المسلحة والأمن.
وأوضح المتحدث والناشط الحقوقي وليد الأبارة في تصريحات نشرها على صفحته في «فيسبوك» أن هادي أمر كل وحدات القطاع العسكري والوحدات الأمنية بمنع تجنيد الأطفال، وذلك بمقتضى القوانين النافذة والمعتمدة في القوات المسلحة وآلية التجنيد… وتأكيداً لما نصت عليه القوانين اليمنية والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها اليمن.
ونص القرار الرئاسي على منع تجنيد الأطفال دون سن 18 واستخدامهم أو إشراكهم في النزاعات المسلحة أو الخدمة في الوحدات العسكرية والأمنية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، كما أمر وزيري الدفاع والداخلية بإصدار الأوامر العسكرية والأمنية المنفذة لمقررات وخطط اللجنة الفنية المشتركة المشكلة بقرار مجلس الوزراء رقم (121) كل في نطاق وزارته.
كما تضمن القرار تأسيس وحدة حماية الطفل وإدراجها ضمن الهيكل التنظيمي للمناطق العسكرية والأمنية والعمل بالتنسيق مع اللجنة الفنية المشتركة والجهات المدنية الفاعلة بتلقي ورصد الشكاوى بما يتعلق بانتهاكات تجنيد الأطفال واستخدامهم في القوات المسلحة، حيث يعتبر الأفراد والمنظمات المقدمة للشكاوى محميين قانونيا وأمنيا بموجب القرار الرئاسي.
ونص القرار الرئاسي على «بناء مراكز لإصدار المبادئ التوجيهية لتقييم العمر لمراكز الاستقبال للمجندين الجدد، وبناء وتطوير قدرات متخصصة لتلك المراكز لفحص وتحديد هوية الأطفال الموجودين في صفوف القوات العسكرية والأمنية وتأهيل وتدريب العسكريين والأمنيين من مختلف الرتب على مبادئ وقوانين حماية الطفل، والعمل على تسريح وتسليم الأطفال المجندين تحت سن 18 إلى جهات مدنية متفق عليها في مجال حماية الطفل لضمان عودتهم للحياة المدنية».
وشدد القرار على معاقبة جميع العسكريين أو المدنيين الذين شاركوا أو كانوا جزءاً من عملية تحايل مخالفة للقانون في ارتكاب جريمة تجنيد الأطفال في القوات المسلحة والأمن إلى النيابة العسكرية أو النيابة العامة بحسب الاختصاص والقانون لاستكمال التحقيق وتحويل من ثبت ارتكابهم للجريمة إلى القضاء العسكري واتخاذ الإجراءات العقابية وفق قانون الجرائم والعقوبات العسكرية رقم (21) لسنة 1998.
كما وجه القرار الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية بوضع مواد تعليمية تتضمن مخاطر تجنيد الأطفال وحقوق الطفل، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل. وكان وزير حقوق الإنسان اليمني محمد محسن عسكر وقع في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2018 في العاصمة المؤقتة عدن، مع فريق العمل القُطري للرصد والإبلاغ التابع للأمم المتحدة الممثل بمكتب اليونيسيف، خارطة الطريق المحدثة والمتمثلة بتنفيذ الخطة الأممية المشتركة لإنهاء استخدام الأطفال وتجنيدهم.