الشهيد علي أبو الحياء .. مبكراً ترحل النوارس

25 مايو 2018
الشهيد علي أبو الحياء .. مبكراً ترحل النوارس

في لحظة إفاقة، لابد أنه فكر كيف يمكن للمرء أن يقضي حياته بساق ويد وحيدتين.
ولابد أن صورة ما قفزت من مخزن الذاكرة لوجوه غمرتهم عدسته في لحظة من كفاحهم في الحياة بساق واحدة أو بيد واحدة.

تواترت الأنباء من إحدى مستشفيات القاهرة، عن انتكاسة مفاجئة في صحة الشاب العشريني الثائر الفنان علي أبو الحياء، دخل على إثرها في غيبوبة لم يكن متوقعاً أنها ستأخذه إلى الأبد بهذه السهولة.

لم يتسن لأحد التأكد من تسبب الأثر النفسي الفادح في غيبوبته اللانهائية، لكن كل الذي استطاع أن يقوله الأطباء أن جراحه تسممت وتمكنت منها التهابات حادة، ما اضطرهم الى بتر ساقه اليمين وكذلك يده، واقترحوا إخضاعه لعملية “غسىيل الكلى” دخل فوراً إثر ذلك في الغيبوبة.

كان هو اليوم السابع عشر من مايو، وغرة شهر رمضان، عندما توقف قلب المقاوم الثائر والفنان التهامي علي أبو الحياء، وأعلنت القاهرة مصاب رحيله المبكر ليشكل الرقم 29 في قائمة الإعلاميين اليمنيين الذين استشهدوا وهم يؤدون واجبهم، في ميادين استعادة الدولة المختطفة ، ومقاومة المليشيات الحوثية الإيرانية.

اختصار المراحل ..

برفقة الكاميرا قرر الشهيد أبو الحياء أن يختصر مراحل وتجارب كثيرة لم يسبق لمثله ان خاضها في هذا العمر المبكر. تفيد شهادات بعض رفاقه أنه لم يكن يرغب في أمور السياسة، لكنه لم يرفض يوماً إحساسه بالمسئولية تجاه أحداث وطنية كبيرة، كان يدرك أنها تعني الكثير بالنسبة لمعظم الفئات والشرائح الاجتماعية والثقافية، وبالتالي تعاطى مع فكرة تأسيس حزب الوطن الشبابي، وكان من مؤسسيه في مدينة الحديدة.

تتذكره جيداً ساحة الحرية أثناء الثورة الشبابية الشعبية في العام 2011، وتحفظ له مزية حيوية الفنان الثائر بعدسته التي لم تغفل تسجيل كل لحظة من لحظات الحلم الثوري للملامح والحناجر التهامية التواقة لاستحقاقات العدالة والمواطنة المتساوية.

وبقدر ما أعطى أبو الحياء بشغف الفنان المثقف للحلم الثوري حينها، فقد حظي بعلاقات شعبية اجتماعية واسعة، فضلاً عن علاقاته برموز السياسة والثقافة والمجتمع المدني، وتجاوزت نشاطاته الإعلامية والفنية حدود الساحل التهامي لتشمل محافظات حجة، وتعز، وعدن، وحضرموت

لا مهادنة..

وكأي ثائر وحر، لم يهادن أبو الحياء، تحولات مؤسفة أعقبت الحلم الثوري، وشكلت ثورة مضادة لإجهاض الأحلام التي سجلها علي وأمثاله في ساحات الحرية والتغيير.

كان أبو الحياء، هدفاً للمليشيات الحوثية بعد سيطرتها على مدينة الحديدة مطلع العام 2015، فقد تعرض للاعتقال والسجن بعد أسبوعين من تعرضه لمحاولة اختطاف نجا منها بمساعدة أصدقائه الذين التفوا حوله وواجهوا المليشيات بموقف موحد.
وشكل اعتقاله وإيداعه السجن صدمة للكثيرين من رفاقه الإعلاميين، وشخصيات سياسية واجتماعية، ونجحت بعض الشخصيات والوجاهات في الضغط للإفراج عنه، ليقرر بعد ذلك مغادرة تهامة، وإيقاف دراسته في السنة الثالثة قسم الإعلام بكلية الآداب، كما غادرت أسرته التي صارت بلا بيت في مديرية حيس بعد سيطرة المليشيات عليه.

عودة الزهو ..

ومع تحرير مديرية حيس من المليشيات في 30 أبريل الماضي، صفف الطائر المهاجر أجنحته عائداً من العاصمة المؤقتة عدن، صوب تهامة الروح وصوب منزله المحرر في حيس لكن؛ للأقدار مشيئتها، فلم يكتب لهذه العودة أن تطول بكل ما فيها من دفق ضوء وأمل وتفاؤل بالانتصار.

وقليل جداً هو الزمن الفاصل بين عودة الزهو الغامرة التي تملكت روح أبو الحياء، وبين أنباء أعلنت عنه الناجي الوحيد، ولكن بإصابات بليغة، في حادث انفجار عبوة ناسفة استهدفت قائد مقاومة حيس ومرافقيه.
ومثلت الأسابيع التي قضاها علي أبو الحياء، مكابداً جراحه في القاهرة، أكثر الأوقات في حياته بلا معنى، قالها لأصدقاء قبل رحيله الفاجع، غير أنه وفقاً لشهاداتهم، بقي بالتفاؤل من نجاته مجدداً من تعاظم أوجاع جراحه حد التسمم والالتهابات الحادة حيث لا جدوى عند هذا الحد إلا بتر موضع الجرح، وأي موضع ، إنها الساق واليد!!

لكنها الأقدار..

وعلى السرير الأبيض، وفي غمرة وجع واحتمالات غير سارة، بقي الشهيد الثائر أبو الحياء، ينشد الأحلام الكبيرة، ويطمئن المتصلين والزائرين أنه “سينجو”.
ومستحضراً من الذاكرة حظوظه الكثيرة في الحياة التي تبدو قصيرة بحكم الزمن، لكنها أكثر بحكم التجربة. فلقد نجا من قناصات كانت مصوبة باتجاه عدسات ترصد مسيرات الثورة السلمية، ونجا من مخاطر المشاركة في فك حصار غزة في العام 2012. وقوبل إنتاجه في هذه المبادرة بالإعجاب والإكبار، وتداولت صوره مواقع ووكالات عربية ودولية، كما كان حظه في النجاة من رصاصات المليشيات الحوثية في جبهات ميدي والساحل التهامي.
لكنها الأقدار قالت هذه المرة :
لك أن تترجل أيها الجميل!
فسالت دمعات قصيدة تبكيه.. هي لرفيقه الشاعر عامر السعيدي، وهي أجمل ما قيل من كل بيانات النعي..

تركت السعادة ياصاحبي
و قلبك في فمها هادلُ

تركت العروسة مخطوفةً
و أنت المولّهُ و الباسلُ

تركت البلاد بلا حارس ٍ
ألم يحمها نورك الآفلُ

تركت الجبال على بطنها
تنام لينكحها الباطلُ

تركت الحياء بلا والد ٍ
وهل يستحي من دمٍ قاتلُ

تركت القصائد مكسورةً
كأن لم يجدْ حزنَها قائلُ

تركت السؤال بلا صورةٍ
لكي لا يراهُ الغد السائلُ

تركت الكثير و غادرتنا
قلوباً وأنت بها نازلُ

جنازتك الآن أم جثتي
على النعش يا أيها الراحلُ

المصدر المنبر برس
نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق