إن كلمة “انتقالي” التي تضمنها عنوان مجلس عيدروس الانفصالي منذ تأسيسه، تُشير إلى أن التنظيم المدعوم إماراتياً جاء ليحقق أغراضاً سياسية مزمّنة ومؤقتة، وأن مستقبل المجلس مربوط إما بتطور في مهامه وتحوله إلى جهة حزبية ثابتة، أو الفشل في تحقيق أهدافه المعلنة وبالتالي التلاشي والاختفاء من الساحة بشكل تدريجي.
ويتبدى للمراقبين أن الخيار الأخير قد غلب على الأول، لأسباب كثيرة منها عجز الانتقالي عن انجاز ما سبق ووعد بتحقيقه من طموحات واسعة أكبر من حجمه الفعلي.
كما أن تراجع سيطرته على الأرض، والهزائم العسكرية التي مُني بها في الأشهر الماضية، كسرت ما تبقى من هيبته في عيون أنصاره، وجعلت الكثير منهم يتراجعون عن تأييدهم له، وبدأوا بتقديم استقالاتهم المتتالية استجابة للسخط الشعبي المتصاعد ضد أبرز حلفاء الإمارات في المنطقة.
وقد أسهم ذكاء عيدروس المتواضع في تعميق الثغرة بين الانتقالي وجمهوره في المحافظات الجنوبية، حيث تبنى الأخير سلسلة من المواقف المتناقضة التي أثبتت عدم إيمانه بالقضية الجنوبية على الإطلاق، وأنه واحد من جنوبيي الصرفة فحسب.
أول تلك التناقضات، هي قبوله بتواجد طارق عفاش على أرض الجنوب، رغم علمه أن جرائم عمه هي الجوهر الأساسي المكون لمظلومية الشعب الجنوبي، وتخليه عنها خيانة للدماء التي أزهقها عفاش على أرض الجنوب منذ 1994وحتى نهاية نوفمبر 2017.
الخيانة الأخرى هي التوقيع على اتفاق الرياض، والذي يسحب البساط منه كممثل وحيد للقضية الجنوبية، ويثبت أن قادة الانتقالي مجرد طلاب سلطة لا أكثر، ولو أن هادي لم يُقل عيدروس من منصب محافظ عدن، لما رفع هو وشريكه بن بريك الراية الجنوبية من جديد.
ولأن الانتقالي ليس إلا منتجاً إماراتياً بامتياز، فقد مثل إعلان أبوظبي سحب قواتها من الجنوب، بداية النهاية، وانكسار مبدأ الترهيب الذي مورس بحق أبناء الجنوب على مدى أربع سنوات.
فسياسة العصا والجزرة الإماراتية أصبحت عاجزة بعد انكسار العصا، ما جعل الجزرة لقمة سائغة لأعداء الإمارات، وبدأ الجميع في إظهار نواياهم من التنظيم ورعاته في العلن.
ورغم أن القيادة الإماراتية تصر بشكل أو بآخر على اثبات وجودها في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية، إلا أن انسحابها الفعلي من هناك أعطى مرتزقتها مساحة أكبر للفرار والنفاد بجلودهم من شبح سجونها السرية.
وتظهر الاستقالات المتعاقبة من عضوية المجلس انحسار المد الإماراتي الهش في الجنوب، وبداية مرحلة أخر مختلفة ليس لابن زايد وأدواته دوراً مركزياً فيها.
إلا أن البعض يرى أن الإمارات لا تزال قوية في الجنوب، ويثبت ذلك عجز الشرعية عن الحديث عن سجونها السرية حتى في المناطق المحررة مثل شبوة، وأن الضعف فقط أصاب حلفائها في الانتقالي وستعود بقوة إذا ما تبنًّت أدوات جديدة، مثل طارق عفاش الذي بدأ الترويج لعودته إلى عدن بأوامر أبوظبي.
وهو في الواقع الخطر الحقيقي على عيدروس ورفاقه، فطارق وريث لنظام حكم عدن لنحو عقدين من الزمن، وهو مالم يحظ به الانتقالي أو الشرعية على حد سواء.
ومن البديهي أن يكون له طموح في استعادة بعض سلطان عمه في الجنوب، خاصة إذا ثبت أن الإمارات لا تزال تتحكم في المشهد الجنوبي عبر السعودية كما حدث اليوم في شبوة، من عودة النخبة إلى المحافظة بتنسيق سعودي.
أما عن تعميم الانتقالي الأخير لوسائل إعلامه بوقف الإساءة لنظام عفاش وتحميل الإخوان مسؤولية جرائمه كاملة خلال حقبة ما وصفها بالاحتلال الشمالي للجنوب، تؤكد أن الإمارات ماضية في تنصيب ذلك النظام مجدداً على الأرض الجنوبية.
ومشاركة الانتقالي في تثبيت قبضة حليف الإمارات الجديد على عدن، يؤكد انصياعه الأعمى لأوامر محمد بن زايد ولو على حساب وجوده، وزوال مكانته.
بقلم عدي الحميري