نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلتها فرناز فصيحي، تقول فيه إن المؤسسة الإيرانية عادة ما تعبر عن سخطها من الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل باعتبارها التهديد الأعظم، إلا أن قادتها وجهوا نظرهم لمصدري قلق جديدين، وهما لبنان والعراق.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن التظاهرات الحاشدة في هذين البلدين تميزت في شكل من أشكال العداء للجمهورية الإسلامية، ما عرض مصالحها فيهما للخطر، بالإضافة إلى أنها زادت من احتمال ظهور تظاهرات مشابهة في إيران نفسها.
وتقول فصيحي، إن القلق بدا من خلال زيارة قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني إلى العراق للمساعدة في مواجهة الانتفاضة الجديدة.
وترى الصحيفة أنه إذا نجح المحتجون في تغيير حكومة البلدين والإطاحة بالنظامين السياسيين المرتبطين بإيران، فإن الأخيرة ستكون الخاسرة لعقود من الاستثمارات السياسية والمالية والعسكرية، التي جعلتها من القوى المهيمنة على الشرق الأوسط.
ويلفت التقرير إلى أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، الذي يحظى باحترام البعض في العراق ولبنان، ندد في يوم الأربعاء بالمتظاهرين، ما يكشف مخاوفه من المخاطر التي تحملها، مشيرا إلى أن إيران أعلنت عن إغلاق عدد من المعابر الحدودية مع العراق أمام المسافرين والبضائع.
وتذكر الكاتبة أن المرشد الأعلى اتهم الولايات المتحدة والوكالات الاستخباراتية الغربية والمال الذي تقدمه بعض الدول الإقليمية بإثارة الفوضى في المنطقة، وقال: “أنصح لبنان والعراق بأن تكون الأولوية لهما هي الوقوف أمام هذه التهديدات الأمنية”.
وتفيد الصحيفة بأن الإعلام الإيراني صور الأحداث في البلدين بطريقة سلبية، ووصف المعلقون في الصحافة الرسمية والمحافظة الأحداث في البلدين بأنها “فتنة”، وهو ذاته ما استخدم لوصف التظاهرات المعادية للحكومة عام 2009 و2017، فيما أشار بعض المعلقين إلى أن محرضين أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين، هم من أثاروا الاضطرابات لإضعاف إيران وخلق الانقسامات داخل الدولتين الحليفتين لها في المنطقة.
ويستدرك التقرير بأن المسؤولين الإيرانيين يشعرون بالقلق من القوة المعادية للتظاهرات في الجوار الإيراني، وإمكانية انتقالها للداخل، خاصة أن هناك اشتراكا في المظالم بين العراقيين واللبنانيين والإيرانيين ضد المؤسسات الحاكمة في بلادهم، فالموجة الأخيرة من الاحتجاجات التي اندلعت في إيران كانت متجذرة، مثل التظاهرات الحالية في العالم العربي، بالاقتصاد والبطالة والإحباط من الفساد الحكومي.
وتنوه فصيحي إلى أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أظهر ميلا للاستقالة من منصبه، لو تم التوصل لآلية تحفظ استقرار الحكومة، وقبله بيومين أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، عن استقالته، مشيرة إلى أنه لا توجد أي إشارات إلى تراجع حدة التظاهرات في الأيام المقبلة.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، جوزيف باهود، قوله: “تنظر القيادة الإيرانية للاحتجاجات باعتبارها تهديدا وجوديا… لكن لديهم الكثير من الأوراق للعبها قبل اللجوء إلى العنف لسحقها”.
ويشير التقرير إلى قول خامنئي إنه أمر القوات الإيرانية بأن تكون في حالة تأهب، لافتا إلى أن كلامه ربما يشير إلى أنه يريد من الجماعات الوكيلة عن طهران في العراق ولبنان مواجهة المتظاهرين، فحزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية المتعددة، تعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني.
وتفيد الكاتبة بأن المحللين يرون أن إيران قد تستخدم عددا من الأساليب، ففي لبنان ستقوم بتقسيم المتظاهرين وإبعاد الحركتين الشيعيتين، حزب الله وأمل، عن الدعوة بالمطالبة بتغيير كامل البنية السياسية في البلد، مشيرة إلى أن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، دعا أنصاره بالابتعاد عن التظاهرات، لكنه، مثل خامنئي، اتهم جهات أجنبية بالوقوف وراءها.
وتقول الصحيفة إن حزب الله سيعتمد على أسلوب الاستفزاز، ففي يوم الخميس قام أشخاص بالزي المدني، وصفوا بأنهم أنصار لحزب الله، بالهجوم على خيام المعتصمين، وحاولوا تفريقهم بالقوة، لافتة إلى أن عدد المتظاهرين قل منذ ذلك الوقت.
ويجد التقرير أنه مع استقالة الحريري، فإن هناك فرصة لحدوث فراغ سياسي لو لم يتم تشكيل حكومة تخلفه.
وتعتقد فصيحي أن العراق يمثل حالة معقدة لإيران أكثر من لبنان، ومن هنا تبرز أهمية زيارة سليماني، إلى بغداد قبل فترة لمساعدة الحكومة على مواجهة الانتفاضة، مشيرة إلى أن سليماني يعرف بزياراته المتكررة للعراق، وعلاقاته القوية مع قادة المليشيات والأحزاب.
وتلفت الصحيفة إلى أن المدن الشيعية التي توجد للمليشيات قواعد فيها، مثل كربلاء، شهدت مواجهات حامية، مشيرة إلى أنه على خلاف لبنان، فإن النقد كان واضحا لإيران في العراق، وحرق العلم الإيراني في التظاهرات، فيما شوه متظاهرون صور آية الله خامنئي، وهاجموا مقرات المليشيات التي تحظى بدعم من الحرس الثوري.
وينوه التقرير إلى أن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر انضم للمتظاهرين في النجف، حيث تلفع بالعلم العراقي، وطالب باستقالة الحكومة، لافتا إلى أن المسؤولين الإيرانيين والمعلقين المتشددين انتقدوا بشكل علني المتظاهرين، ووصفوهم بالدمى في يد الغرب، وهاجموا الصدر ووصفوه بالمتقلب وغير المنضبط والطفيلي.
وتذكر الكاتبة أن المحرر لصحيفة “كيهان” المحافظة، والمستشار البارز لآية الله خامنئي، حسين شريعت مداري، كتب داعيا المتظاهرين للزحف نحو سفارتي السعودية وأمريكا، فيما طلب المعلق حامد رضا زاندي إلى حرق العلمين الأمريكي والسعودي ردا بـ(لا كبيرة) على الانتفاضة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحللين، قولهم إن إيران معروفة بدعم الانتفاضات في العالم العربي بطريقة انتقائية، إذا كانت تدعم أيديولوجيتها، ففي أثناء الربيع العربي دعمت إيران المتظاهرين ضد حكومات مصر واليمن والبحرين، لكنها وقفت مع سوريا، وأدت دورا في حماية نظام بشار الأسد.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر، نادر هاشمي: “لن يسمح خامنئي، الذي استثمر في المنطقة ماليا وعسكريا، للمتظاهرين بإضعاف الهيمنة الإيرانية في المنطقة، مهما كان الثمن”.