سليل الأماجد.. كيف خط الشيخ أحمد العيسي سِفره الخالد في كتاب عظماء اليمنيين (الحلقة الرابعة)

Editor3 أغسطس 2019
سليل الأماجد.. كيف خط الشيخ أحمد العيسي سِفره الخالد في كتاب عظماء اليمنيين (الحلقة الرابعة)

قبل نحو أربعين عاماً، حزم الفتى ذو الإثني عشر ربيعاً حقائبه وغادر بصحبة والده قريته الصغيرة في (مكيراس) أبين منطلقاً صوب الحديدة، المدينة الساحلية التي سيصبح فيها هذا الفتى الاستثنائي أهم شخصية اقتصادية في اليمن كله.

لم يكن ذاك الفتى سوى الشيخ أحمد صالح العيسي، رسّام أبهى لوحات النجاح الشخصي فرادة، وأهمها إلهاماً لأجيال اليمن اللاحقة حتى يومنا هذا.

وحين يكتب اسم الشيخ أحمد العيسي يحتار المرء بأي صفة يناديه، فهو من ناحية رئيس الائتلاف الوطني الجنوبي، ومن ناحية ثانية نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية للشئون الاقتصادية، ومن ناحية ثالثة رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم، ومن ناحية رابعة رئيس مجلس إدارة مجموعة العيسي للتجارة والاستثمار والتنمية.

لم يتكئ العيسي في صعوده على قبيلة ذات سطوة في الدولة أو قرابة من نافذين سياسيين كما أن أسرته لم تكن من الأسر الغنية بحيث يمكن أن يقال أنه ترعرع “والملعقة الذهبية” في فمه، بل كانت أسرتة بسيطة ومتواضعة مادياً. أما هو فكان لا يزال يافعاً، يتوقد عزيمة ونشاطاً وعبقرية.

تلك الشخصية الفذة تتجسد من خلال جملة قليلة الكلمات كثيفة المعاني عميقة الدلالة. تلك الجملة التي قالها في لقاء صحفي سابق تستحق أن تكتب بماء الذهب، وأن تعلق في الساحات العامة ومداخل المدن، حينما سأله صحفي عن سبب نجاحاته الكبرى فأجاب: “صدق العزيمة والإرادة نحو بلوغ الهدف.. بهذا فقط يستطيع أي شخص تحقيق النجاح”.

 

• بداياته في التجارة

بعد وصوله رفقة أبيه الشيخ صالح العيسي الى الحديدة، اشتغل والده في محطات النفط كونه كان تاجراً في منطقة التواهي بعدن.

وبعد أن أكمل نجله الشيخ أحمد العيسي تعليمه الثانوي أوكل إليه والده إدارة حسابات محطاته النفطية، ومن ثم تولى إدارتها، ليدخل باب التجارة بشكلها الواسع.

يقول الشيخ أحمد العيسي مستذكراً هذه المحطة من حياته قائلا:
((طبعا ربنا يحفظ الوالد ويعطيه الصحة، وهو صاحب الفضل الأول بعد الله سبحانه وتعالى في ما وصلنا إليه من التعليم والتربية والأخلاق الحميدة والالتزام بالتربية والسلوك الإسلامي، لأن اهتمامه وهمه كان يربينا أحسن تربية، ويعلمنا أحسن تعليم، كانت فكرته ونظرته ممتازة تجاه التعليم، كان حريصا على تعليمنا وفي الوقت نفسه كان يأخذنا إلى العمل لكي نتعلم من خلال النظر، لكننا لا نستلم العمل كنا معه من خلال الحضور والمشاهدة والنظر، وكان تركيزه علينا في الجانب التعليمي وجانب الالتزام بالتعاليم الدينية والشعائر الإسلامية في الصلاة والصوم، وبعد أن أكملنا الثانوية العامة بدأ يعلمنا الجانب الآخر (التجارة) وقد عينني في البداية مسئولا للصندوق ثم مسئولا للحسابات ثم في الأخير في عام 1990م سلمني العمل كاملا)).

• صعود الى القمة

خلال سبعة أعوام قضاها الشيخ الشاب أحمد العيسي في إدارة المحطات البترولية الثلاث اكتسب كل الخبرة الكافية ليدرك ما حوله، وليستوعب بعين التاجر الفطن الفرص المتاحة في البيئة المحيطة. وفي عامه السابع وتحديداً 1997م، أسس شركة “عبر البحار” لنقل المشتقات النفطية، لتمثل انطلاقة نجاحاته في مجال المال والأعمال.

أعقب ذلك تأسيس مصنع للبلاستيك والكرتون في محافظة الحديدة، كما شارك في العديد من شركات المساهمة، وصولاً إلى الحصول على حق التخزين في منشأة رأس عيسى في محافظة الحديدة، والتي كانت إحدى أهم نجاحاته الاقتصادية.

ولم تمر سوى أعوام قليلة حتى صار الشيخ أحمد العيسي ناقلاً رئيسياً لمادتي الديزل والبنزين من مصفاة عدن إلى ميناء الحديدة، ومورداً وحيداً للمشتقات النفطية لكثير من مؤسسات القطاع الخاص والعام والمختلط، مؤسساً مجموعة العيسي للتجارة والاستثمار والتنمية، الرائدة في مجال تجارة النفط.

• عجلة النجاح لا تتوقف بالرغم من الانقلاب

دخل الحوثيون صنعاء في سبتمبر 2014م. ثم سيطروا على الحديدة بعد أشهر قليلة. في ذلك الوقت كانت الحديدة تشكل قلب النشاط التجاري والاقتصادي للشيخ أحمد العيسي، بتواجد شركاته فيها. وبحكم الأمر الواقع استولى الحوثيون دون وجه حق على شركات الشيخ العيسي في الحديدة. ذاك الواقع لم يثبط من عزيمة الرجل القوي، بل نقل نشاطه التجاري الى عدن، العاصمة المؤقتة. ومن عدن كتب الشيخ العيسي فصول نجاح أكبر وأهم.

ثم أنشأ شركة “عرب جلف” النفطية، وثبّت أقدامه كواحد من أكبر مستوردي المنتجات البترولية في اليمن حالياً.
وفي مارس 2019م صدر قرار جمهوري بتعيين الشيخ أحمد صالح العيسي نائباً لمدير مكتب الرئيس هادي للشئون الاقتصادية. شكل ذلك القرار اعترافاً رسمياً من الدولة بالدور الرائد الذي اضطلع به الشيخ العيسي في دعم وإسناد الاقتصاد الوطني.

• الأزمة الاقتصادية

بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، انهارت الدولة وتوقفت عجلة التنمية والتصدير. في ذلك الوقت دخلت اليمن مرحلة الركود الاقتصادي، ثم لما اجتاح الحوثيون معظم المناطق ومنها عدن أحدث هزة كبرى للاقتصاد الذي بدأ يترنح، لكنه انهار بعد أن قامت مليشيات الحوثي بنهب ما يقارب 5 مليار دولار من الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة في خزينة البنك المركزي اليمني بصنعاء.

كان ذلك أكبر ضربة تلقاها الاقتصاد اليمني على مر تاريخه. لكن الضربة الأخرى للاقتصاد تمثلت في قطع الحوثيين لمرتبات الموظفين منذ اكتوبر 2016م. جراء هذه الخطوة أصيب الاقتصاد بشلل كبير جراء انخفاض وتيرة البيع والشراء بشكل حاد.

ولأن سعر صرف العملة الوطنية هو أوضح وأبسط وسيلة لتبيان حجم الضرر، فقد كان من الطبيعي أن يتهاوى الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ليصل سعر صرف الدولار الواحد الى أكثر من 700 ريال يمني في عام 2018م، وهو أدنى مستوى للريال في تاريخه.

في ذلك الوقت العصيب ضخ الشيخ أحمد العيسي كميات كبرى من العملة الصعبة الى السوق المحلية في محاولة بطولية للحد من انهيار العملة والاقتصاد.

وهنا لابد من استذكار الموقف التاريخي الوطني للشيخ العيسي بقيامه ببيع النفط للدولة بيعاً آجلاً، يتم تسديده بالتقسيط المريح وعلى مدار ستة أشهر كاملة. لم يكن لغيره أن يتخذ مثل هكذا قرار، لكنه فعل لأنه “استثنائي”، فكان سنداً للدولة في أحلك أيامها سواداً.

لقد شكل ذلك الموقف حجر الزاوية في إعادة إنعاش الاقتصادي الوطني تدريجياً، وبدأ الاقتصاد بالتعافي رويداً، إذ هبط سعر صرف الدولار الى أقل من 500 ريال مطلع العام الجاري.

ختاماً.. لقد جمع الشيخ أحمد العيسي رايات المجد والتفرد بكل أشكالها وصورها، سواءاً على المستوى الشخصي أو السياسي أو الاقتصادي أو الرياضي، وحتى الإنساني.
ونحن إذ نتتبع سيرة هذا الرجل العبقري والاستثنائي في إطار هذه السلسلة التوثيقية نشعر أننا نقوم بعمل وطني جليل، سيكون – بإذن الله – مصدر إلهام لليمنيين أجمع، بمختلف توجهاتهم وثقافتهم، لينهلوا ما شاءوا من هذا السفر اليمني الخالد معاني العزة وأسباب النجاح والخلود.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق