مرت حتى اليوم أربع سنوات كاملة منذ أول يوم لاندلاع العملية العسكرية الأبرز “عاصفة الحزم” بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة وعدد من الدول العربية ضد جماعات الحوثي التي سيطرت على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، أو ما يعرف لدى اليمنيين باسم “21 سبتمبر الأسود”.
كان الهدف الأوحد للعاصفة يتلخص في دعم ومساندة الشرعية الوطنية ممثلة برئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وكذا كسر الانقلاب الحوثي، وإعادة المليشيات الى جحورهم الأولى في جبال مران صعدة.
كما أن الطموحات كانت تشير الى أن المعركة ستحسم سريعاً وأنها مسألة شهور لا أكثر حتى يتمكن الجيش الوطني من تحرير العاصمة صنعاء من مليشيات الكهنوت، لكن عوامل عدة كان أهمها وأكبرها امتلاك الإمارات أجندات سياسية مغايرة لأهداف العاصفة ورامية للسيطرة على مقدرات الدولة اليمنية، مستغلة حالة الضعف الكبير في البلاد جراء الانقلاب الحوثي وحروب المقاومة ضد هذا المشروع الإيراني.
وعبثاً حاولت القيادة السياسية تصحيح مسار الأهداف الإماراتية التي تصب في مصلحة إطالة أمد بقاء الحوثيين على السلطة، وعقدت عدة مشاورات مع الجانب الإماراتي دون جدوى.
في واقع الأمر، لقد مارست الإمارات وخلال أربعة أعوام من الصراع أبشع الممارسات بحق اليمنيين، فقتلت العديد من الرموز الدينية والسياسية والدعوية والشبابية، واعتقلت الآلاف وزجت بهم في غياهب السجون، ثم مارست بحق المعتقلين انتهاكات جسدية وجنسية فادحة، في سعيها لتكريس الهزيمة النفسية في قلوب اليمنيين.
رافق ذلك عملية تدمير ممنهج وواسع للنسيج الاجتماعي اليمني واللحمة الوطنية، عبر دعم الإمارات تشكيلات سياسية منادية بتشرذم وتجزئة اليمن، الأمر الذي شكل تهديداً بالغ الخطورة على أهم منجز وطني في العصر الحديث: الوحدة اليمنية.
واعتمدت الإمارات سياسة “القمع الوحشي” كمنهج رئيسي لبسط نفوذها في اليمن، رافقها حملة تمويل وتشكيل ودعم وتسليح للآلاف من المرتزقة المحليين في تشكيلات مليشياوية موازية للسلطة الشرعية، هدفها تقويض نفوذ الشرعية في المدن المحررة وإسكات أي صوت مناوئ للمشروع الإماراتي، وإخماد أي انتفاضات مسلحة ضد التواجد الإماراتي في اليمن.
كما جندت الإمارات فريقاً من القتلة الأمريكيين يقودهم عسكري اسرائيلي لتنفيذ بعض عمليات الاغتيالات بحق رموز سياسية أو دينية هامة في اليمن.
وفي طريقها الى تحقيق الهيمنة الكاملة على اليمن أرضاً وشعباً تحركت الإمارات في عدد من المحاور الرئيسية من بينها:
-
استهداف قيادة الشرعية ( الرئاسة والحكومة والجيش)
منذ اليوم الأول لتحرير مدينة عدن جنوب اليوم في 17 يوليو عام 2015م من مليشيات الحوثي على يد قوات المقاومة الشعبية، مدعومة بمقاتلات التحالف العربي، بدأت إرهاصات المساعي الإماراتية للسيطرة على مجريات الأمور في المدينة بالظهور، عبر الإيعاز لبعض الفصائل المسلحة التي كانت موالية لها بالسيطرة على مطار عدن الدولي وأهم المرافق الحيوية في المدينة، وعدم إيكال تلك المهمة الى قوات الجيش الوطني أو الجهاز الأمني فيها.
وسرعان ما تبددت آمال النهوض بعدن بعد أن شرعت الإمارات في السيطرة على كافة المرافق الحيوية في المدينة، قبل أن تضطر لاحقاً الرئيس والحكومة الى مغادرة المدينة كي لا ينفجر الوضع.
وحاولت الإمارات السيطرة على القرار السيادي للرئاسة اليمنية وهو ما لم يوافق عليه الرئيس هادي وواجهه ولا يزال، الأمر الذي تسبب في منع عودته الى عدن.
أما الحكومة الشرعية فقد عانت الأمرين في سعيها نحو تطبيع الأوضاع في المحافظات المحررة من الانقلاب، حيث واجهت جملة من العراقيل التي افتعلتها الإمارات لإرباك المشهد داخلياً ولإظهار الحكومة بصورة العاجز الفاسد المتسبب في انهيار الاقتصاد الوطني والقطاع الخدماتي.
رافق ذلك استهداف أبوظبي لعدد من رجالات السلطة الشرعية ممن ساهموا في كبح جماح الغول الإماراتي وإفشال المشاريع التدميرية لأبناء زايد، ويأتي على رأس هؤلاء نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية، رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم الشيخ أحمد صالح العيسي، حيث خططت الإمارات وعبر مندوبها العسكري في عدن (أبو خليفة المهيري) لاغتياله عن طريق عبوة ناسفة حاولت زراعتها في مقر عمله.
وباستهداف الشيخ العيسي كانت تسعى الإمارات لضرب منظومة الشرعية في مقتل، إذ يعتبر العيسي أحد أهم رموزها، وأحد أهم نقاط قوتها في مواجهة أطماع أبوظبي، غير أن المخطط تعرض للفشل الذريع.
ولعله من الجدير التنبيه على أن الشيخ العيسي رفع دعوى قضائية ضد الإمارات في المحكمة الجنائية الدولية، جراء انتهاكاتها في اليمن.
أما فيما يتعلق بالجيش الوطني والذي يعد اليد الضاربة للشرعية اليمنية، فقد استهدفت الإمارات هذا الكيان الوطني عبر عدة محاور، فنفذت العديد من الغارات الجوية الغادرة ضد مواقع الجيش، وتسببت في مقتل الكثير من أبرز قياداته ومؤسسيه. ولا تزال حادثة قصف معسكر العبر بحضرموت والتي راح ضحيتها قادة كبار، على رأسهم اللواء أحمد يحيى الأباره، ماثلة للعيان.
كما استهدفت الإمارات قوات الحماية الرئاسية التابعة للجيش في عدن، ومولت انقلاباً عسكرياً ضده في عدن، لكن المخطط باء بالفشل الذريع.
كما شرعت الإمارات بتشكيل وحدات النخب والأحزمة الأمنية في معظم المدن اليمنية الجنوبية، واستخدمتها في تنفيذ مشاريع النفوذ والتوسع والنهب، وككيان موازي للجيش الوطني ومناوئ له.
-
الاغتيالات: الطريق الأقصر للتخلص من الأعداء:
مارست الإمارات سياسة الاغتيالات بشكل رئيسي ضد خصومها في اليمن. ويرى أولاد زايد أن الاغتيالات هي الطريق الأقصر والأسهل للتخلص من المناوئين للتواجد الإماراتي أو من يشكل تهديداً لأطماعها التوسعية.
ولعل أولى عمليات الاغتيال هي تلك التي طالت محافظ عدن الأسبق اللواء جعفر محمد سعد، بعد أن رفض التماهي مع رغبة الإمارات في السيطرة على العاصمة المؤقتة، عبر عبوة ناسفة أثناء مرور موكبه .
قبل ان تقود الإمارات حملة اغتيالات واسعة ضد العلماء وشيوخ الدين ورجال الدعوة ، ونجحت في تصفية نحو أربعين عالماً وإماماً في عدن فقط، بالإضافة الى عدد من السياسيين والناشطين الشبابيين المناوئين لها.
محافظة تعز لم تكن أفضل حالاً من عدن، حيث شهدت المدينة حملة اغتيالات وتصفيات للكثير من قادة وجنود الشرعية. وتشير التقارير الى أن جماعة أبو العباس، وهي ذراع الإمارات في تعز، كانت وراء تلك الاغتيالات.
ولهذا حينما تحركت حملة أمنية مؤخراً للقبض على عدد من المطلوبين والقتلة الذين كانوا يتوارون في أحياء تسيطر عليها الجماعة بمدينة تعز القديمة، خرج مقاتلو أبي العباس للدفاع عن أولئك القتلة.
-
تقويض الاستقرار هدف استراتيجي:
لطالما استعانت الإمارات في ضمان نجاح تحركاتها على التخريب المستمر للدولة اليمنية وتقويض الاستقرار الأمني وتدمير الاقتصاد الوطني وتفريخ المليشيات والعصابات الخارجة عن القانون.
هذه السياسة الشيطانية كان لها عميق الأثر في زيادة معاناة اليمنيين وخلقت واقعاً مأساوياً: ففي الشمال توجد عصابة كهنوتية لا تؤمن إلا بالعبودية واضطهاد الناس، وفي الجنوب عصابات قتل وسرقة واغتصاب، جعلت من حياة اليمنيين جحيماً لا يطاق.
الإمارات التي ترى كل شيء مباحاً في سبيل تحقيق غاياتها استهدفت منجز الوحدة اليمنية وبعده مشروع اليمن الاتحادي، وسعت الى تمزيق البلاد وتدمير النسيج الاجتماعي الوطني، الأمر الذي سيتسبب في موجة صراعات أهلية واحتراب داخلي قد يودي بحياة الملايين.
كل هذا لغاية واحدة: امتلاك اليمن بأخف الأضرار وبأقل الخسائر.
ولهذا فإن كثيراً من المقاربات الراهنة تؤكد على أن الخطر الإماراتي على اليمن يفوق بكثير خطر الحوثيين، فالأولى تسعى لتدمير البلد بشكل كلي، والثانية تسعى لحكم اليمنيين بقوة وغلبة السلاح.
لهذا كان من الطبيعي أن تتخذ الإمارات من العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية رافعة لتحقيق غاياتها.
ونلخص هنا عدداً من أبرز وأهم القيادات التي طالتها يد الغدر والاغتيال بإيعاز وتمويل وتخطيط إماراتي:
- الشهيد اللواء أحمد يحيى الأباره: أحد مؤسسي الجيش الوطني ومستشار رئاسة الأركان. استشهد بتاريخ 7 يوليو 2015م.
- الشهيد اللواء محمد صالح طماح: رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية. استشهد بتاريخ 13 يناير 2019م.
- الشهيد اللواء جعفر محمد سعد: محافظ عدن الأسبق. استشهد بتاريخ 6 ديسمبر 2015م.
- الشهيد الشيخ راوي بن عبدالعزيز العريقي: قيادي بارز بالمقاومة الجنوبية بعدن. استشهد بتاريخ 31 يناير 2016م.
-
نسف المشروع الوطني
تدرك الإمارات أن كل الأموال الهائلة التي أنفقتها والمكاسب التي حققتها ستنسف بشكل كلي إن تم مواجهتها بمشروع وطني جامع، تقوده سلطة شرعية مخلصة؛ ذلك أن الإمارات في نظر عموم اليمنيين سلطة قهر واغتصاب واحتلال. وبالتالي فإن أي مشروع وطني يواجهها سيلقى دعم كل اليمنيين.
لهذا فقد استهدفت الإمارات أية ملامح للسلطة الشرعية ولدولة المؤسسات والقانون في المدن والمحافظات المحررة.
كانت الإمارات تدرك أنها ملزمة بمواجهة حتمية مع مؤسسة الرئاسة ومع الحكومة الشرعية ومع مجلس النواب، باعتبار تلك الكيانات الثلاثة محل الإجماع الوطني وتمتلك الشرعية التوافقية وتمثل بناءاً على ما سبق مشروعاً وطنياً جامعاً.
لذا فقد حاربت الإمارات في كل الجبهات، فواجهت مؤسسة الرئاسة وحالت دون عودة الرئيس عبدربه منصور هادي الى عدن، ثم استهدفت الحكومة الشرعية بانقلاب فاشل في يناير 2018م.
ومؤخراً استماتت الإمارات للحيلولة دون انعقاد جلسة للبرلمان اليمني، وهددت بنسف مقر الاجتماع إن أصرت القيادة الشرعية على انعقاده في عدن.
لكن الصدمة جاءت من سيئون، المدينة الأكبر في محافظة حضرموت، والتي استضافت فعاليات انعقاد مجلس النواب اليمني على مدى أسبوع كامل، بالرغم من تهديد الإمارات بالتحرك عسكرياً ضده، والذي تلاه محاولات فاشلة لاستهداف مقر الاجتماع في سيئون عبر طائرات مسيرة تتبع أبوظبي، حيث تم إسقاطها جميعاً.
وبهذا كله تتكشف حقيقة ودوافع المشاركة الإماراتية في الحرب باليمن، فأسهمت في تدمير البلاد وخلق واقع أكثر بؤساً مما كان عليه الوضع قبل الحرب، فكانت الأربع السنوات الفائتة عجافاً ومليئة بالخيبات والإنكسارات، فيما لا يزال دوي السؤال على شفاه اليمنيين صادحاً: إلى متى؟