على مدى ثلاث سنوات، تخوض جماعة الحوثي حرباً غير معلنة تهدف لتدمير الهوية اليمنية وتنشئة أجيال جاهلة تحمل أفكارها السلالية وتعمل وفق توجهاتها الطائفية، بما يحقق أحلامها وطموحاتها في حكم اليمن والسيطرة على المنطقة بالتعاون مع النظام الإيراني.
وفور انقلابها وتفردها بالسيطرة على العاصمة صنعاء نهاية العام 2014، شرعت الجماعة بالتخطيط لإدخال تغييرات جوهرية في المناهج الدراسية، عبر لجنة شكلتها وفرّغتها لذات الغرض، كما فرضت تدريس المناهج المعدّلة بجميع المدارس الحكومية والأهلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفي نوفمبر 2016، أصدرت الجماعة قراراً بتعيين يحيى بدرالدين الحوثي (الأخ الشقيق لزعيم جماعة الحوثيين)، وزيراً للتربية والتعليم، وهدفت من خلاله لتعزيز قبضتها على المؤسسات التعليمية، لما عُرف بتعصبّه المذهبي ونفسه الطائفي المتطرف، ولديه ارتباطات واسعة مع أعمدة النظام الإيراني وأذرعه الإرهابية بالمنطقة، ويعد من أشد المعجبين بثورة الخميني.
تغييرات جذرية
وانتهج “يحي الحوثي” أساليب متعددة لتدمير العملية التعليمية في اليمن، عبر مراحل متعددة، استهدفت بنيته الإدارية والمناهج التعليمية على السواء، كما أضاف سلسلة برامج وأنشطة من شأنها إعادة تشكل عقول الطلاب والمدرسين معاً.
وقالت مصادر تربوية إن الوزير الحوثي، أحدث أكبر عملية إقصاء واستبدل لجميع المناوئين لجماعته من الكادر الوظيفي في الوزارة بما فيهم: مدراء مكاتب التربية في المحافظات، ومدراء المدارس، والمعلمين، واستبدلهم بآخرين من أتباع الجماعة ومن الموالين لها، وغالبيتهم هؤلاء البدلاء لا يملكون أي مؤهلات.
وأضافت المصادر أن جماعة الحوثي خططت لهذه التغييرات بطريقة سرّية خارج الوزارة، وعملت على دمج معتقداتها وتصوراتها للعبادة والحياة والموت والآخرة ضمن المقررات الدراسية بطريقة خفية، وطبعت المناهج المعدّلة بتاريخ قديم لتضليل أولياء أمور الطلاب.
ولم تكتف الجماعة بالتعديلات التي أجرتها على المناهج التعليمية، بل أغرقت الفصول الدراسية بعشرات الملازم والمنشورات الطائفية، ووزعتها للطلاب بحسب فئاتهم العمرية، تحرّضهم فيها على العنف والكراهية وتؤسس للنزعة العنصرية، وأوردت قصصًا تقدس رموز الجماعة وعلى رأسهم مؤسسها حسين الحوثي، كما تضمنت شعاراتها الطائفية.
وبحسب المصادر “استبدلت مليشيا الحوثي أسماء الصحابة وحذفت سيرهم الملهمة، كما حذفت المواضيع المتعلقة بالتاريخ اليمني وثوراته الخالدة، وأدخلت مغالطات تاريخية كبيرة، خصوصاً فيما يتصل بتاريخ الإمامة وجرائمها بحق أبناء اليمن.
حذف
وحول أبرز المواضيع التي حذفتها جماعة الحوثي من المناهج التعليمية الرسمية، أوضح مستشار وزارة التربية والتعليم الدكتور حسن القطوي، أهم ثلاث ملاحظات في هذا الجانب، وأولها: ما يخص التربية الإسلامية، حيث تم حذف أحاديث متصلة بموضوع التوبة ونعيم الجنة، وعذاب النار، وقال إن “هذه المواضيع لها بعد عقدي كونهم (الحوثيون) ينكرون عذاب القبر ولا يريدون الحديث عن هذا الأمر مطلقا”
وأضاف القطوي في تصريح خاص لـ”يمن ميديا” أن الحوثيين حذفوا أيضاً موضوع “الإيمان يزيد وينقص” وذلك كون عقيدتهم تقول بغير هذا الكلام ..” مضيفاً بأنهم حذفوا أيضاً “موضوع مرض الرسول (ص) وفي هذا يزعم الحوثيون أنه لم يذكر قضية الولاية لعلي بن أبي طالب، كما ان فيه إشارة واضحة لأبي بكر الصديق بأن يصلي بالناس بدلا عن الرسول (ص)”.
وعن سبب إقدام المليشيات على حذف هذه المواضيع، قال الدكتور القطوي، إن الحوثيين “يصرون على حذف مثل هذه المواضيع لأنها تفضح عقيدتهم وتعري ادعاءاتهم الباطلة”.
وعن المحذوفات في بقيّة المواد، أوضح القطوي “أن أبرز ما يلفت حذف المواضيع الخاصة بالمرأة والطفل من رعاية صحية وغيرها لأنهم لا يردون من المجتمع أن يقرأ مثل هذه المواضيع التي تعريهم وتكشف زيف مشروعهم التدميري للإنسان والحياة فهم قرنا الفقر والمرض”.
وأضاف القطوي، أن “المليشيات قامت بحذف المواضيع المتعلقة بالبيئة واستثمار الموارد البيئية كون هذا الموضوع من وجهة نظرهم لا يخص الشعب وإنما يخص السلالة الحاكمة”.
وأشار في حديثه إلى أن جماعة الحوثي أقدمت على حذف “وحدة كاملة في المنهج الدراسي تتحدث عن المشاركة المجتمعية في الحياة المدنية”، وعن سبب حذف هذه المواضيع أشار القطوي، إلى أن مثل هذه المواضيع “تزعج السلاليين والعنصرين وليس في قاموسهم موضوع المشاركة المجتمعية مطلقًا”.
ولفت مستشار وزارة التربية والتعليم إلى أن “نفس المواضيع وذات الممارسات الحوثية تتكرر في جميع المستويات الدراسية بما فيها المرحلة الأساسية والثانوية”.
زكشفت وثائق قائمة بالمواضيع التي حذفتها جماعة الحوثي من المقررات الدراسية للصف التاسع للعام الدراسي 2018/2019م، وتظهر مدى حساسية الجماعة تجاه موضوعات بعينها في المناهج، ولذلك سعت بكل الوسائل للحيلولة دون وصولها إلى عقول الطلاب، في إطار استراتيجية الجماعة لتجهيل أبناء الشعب اليمني، حسب مصادر تربوية تعليقاً على الوثائق.
تحذيرات
وبالإضافة إلى إجراء تغييرات على المناهج الدراسية وإضافة كتب ومطبوعات طائفية مصاحبة، عملت جماعة الحوثي على إقامة فعاليات طائفية وسياسية دورية بجميع المدارس الحكومية والأهلية، وأجبرت المدارس على إقامة إذاعات مدرسية ذات لون طائفي يردد خلالها الطلاب شعارات الجماعة بدلاً عن النشيد الوطني اليمني، وقسم بالولاء لزعيم الجماعة.
كما تقيم الجماعة دورات طائفية (دورية) للمعلمين وأخرى للطلاب، وعادة ما تأتي قبل أن تلحقهم بدورات تدريبية تسبق عملية الدفع بهم لجبهات القتال، وتعرض خلال هذه الدورات محاضرات لزعيم المليشيا الحوثية عبر الدوائر التلفزيونية.
وخلال السنتين الماضيتين، عبّر الكثر من أوليا الأمور عن مخاوفهم من المستقبل الذي ينتظر أبنائهم، وآثار الرسائل والأفكار المغلوطة التي يتلقونها في المدارس جراء تدخل الحوثيين في العملية التعلمية ابتداءّ من طابور الصباح وحتى تشجيعهم سلوك الغش في امتحانات نهاية العام الدراسي.
وكان علماء اليمن قد حذروا في بيانات متعددة من خطورة التغييرات التي أدرجها الحوثيون في المناهج التعليمية، والتي من شأنها تسميم عقول طلبة المدارس بأفكار عنصرية وطائفية غريبة تخدم مشروعهم الطائفي في اليمن والمنطقة، كما تعمق الهوة الثقافية والفكرية التي صنعتها أخيرًا، وتنتج جيلاً مفخخاً بالأفكار السلالية والمناطقية والطائفية.
*يمن ميديا