بقلم - فؤاد فتيحي
اهتز العالم يوم الجمعة الماضي على صدمة هجوم إرهابي همجي في نيوزيلندا، نفّذه أسترالي عنصري من اليمين المتطرف، حسب ما ذكرت وسائل الإعلام، وخلّف الهجوم الدموي مجزرة ذهب ضحيتها 50 شهيدا، من المصلين المسلمين داخل مسجدين. والمثير في هذا الاعتداء الدموي، أن الإرهابي وثق جريمته بالصوت والصورة، وبثها مباشرة من خلال صفحته على فيسبوك، مستخدما تقنية الألعاب الإلكترونية (Game) بشكل احترافي. واستخدم أسلحة آلية رشاشة، وقام بتنفيذ جريمته البشعة على طريقة أفلام الحركة والرعب السينمائية، في خرق سافر للأمن الداخلي النيوزيلندي.
وفي انتظار استكمال التحقيقات والتحريات الجنائية حول الهجوم الإرهابي، ذهبت بعض التحليلات التي قدمها عدد من المتحدثين في وسائل الإعلام؛ إلى أن سبب المذبحة الوحشية، يعود إلى انتشار الإسلاموفوبيا حول العالم، أي خوف الأجانب من الإسلام، نتيجة ربط كثير من وسائل الإعلام الغربية بين الإسلام والعنف والإرهاب. ودائما تُطرح قضية الخوف من الإسلام، كلما وقع هجوم أو اعتداء إرهابي على العرب والمسلمين، لكن الحقيقة، هي أن هذا الاعتداء الإرهابي الخطير وغير المسبوق، لا علاقة له بالإسلاموفوبيا، ولكنه تعبير عن حقد وعنصرية وعداء وكراهية للإسلام والمسلمين، هذا العداء وهذه العنصرية والكراهية أصبحت منتشرة في العالم، نتيجة التحريض المستمر على كراهية ومعاداة المسلمين من طرف اليمين المتطرف ووسائل الإعلام الغربية؛ التي كلما وقعت جريمة بصرف النظر عن طبيعتها، وثبت تورط عرب أو مسلمين متطرفين، تقوم بالربط بين الإسلام والجريمة.
وهذا إضافة إلى أن تنامي ثقافة العنصرية والكراهية للأقليات المسلمة في العقد الأخير، نتيجة صعود اليمين المتطرف في مختلف دول العالم، وخاصة في المجتمعات الأوروبية، والتي شهدت حوادث عنف واعتداء متكررة على المسلمين، لكن دائما لا تُصنّف هذه الاعتداءات في خانة الإرهاب، وإنما توصف بالجريمة الجنائية، وكثيرا ما يوصف مرتكبها بالمختل عقليا، وهذا ما يمكن أن يفسّر بأن هناك توجها عاما في الدول الغربية لحصر العمل الإرهابي في كل الجرائم التي يرتكبها العرب والمسلمين، أما الجرائم التي يرتكبها غيرهم، ولو كانت بدوافع عنصرية أو عرقية أو دينية، فلا توصف بالإرهاب، لدرجة أن هذا الوصف أصبح لصيقا بالعرب والمسلمين في الإعلام الغربي.
إن المجزرة الوحشية التي نفذها المتطرف اليميني بدم بارد، في حق 50 مسلما، إضافة إلى عشرات المصابين بجروح وأعداد لا تحصى ممن تعرضوا لصدمة نفسية نتيجة العملية الإرهابية المروّعة، تؤكد من جهة على أن الإرهاب لا دين له، ولا علاقة له بالديانة المسيحية التي ينتمي إليها الإرهابي، وإنما هو مرتبط بفكر متطرف، يقوم على الحقد والكراهية والعنصرية ورفض الآخر، خاصة المهاجرين من الأقليات الدينية والعرقية، بغض النظر عن جنسيته وأصوله، وهي من جهة أخرى، تعكس تنامي العداء والكراهية للإسلام والمسلمين، بسبب الحرب الإعلامية الغربية على الإرهاب، التي دائما ما تقرن بين ما يرتكبه بعض المتطرفين العرب والمسلمين وبين ديانتهم الإسلامية.
ورغم أن الإرهاب لا يرتبط بدين أو عرق أو ثقافة، فإن التطرف العنيف على اختلاف مصدره، يعتمد في تبرير عمله الإرهابي، على تأويل متطرف للدين أو على فكر عنصري متطرف، يحرض على الكراهية والعداء للآخر، ولا يقبل بالتعايش والتسامح بين الثقافات المختلفة. وهذا التطرف العنيف، يوجد في كل المجتمعات البشرية بنسب متفاوتة، لكن ما يركز عليه الإعلام الغربي دائما هي حوادث العنف والإرهاب التي يكون مصدرها المتطرفون العرب والمسلمون، في المقابل لا تحظى حوادث العنف والإرهاب التي يكون مصدرها متطرفون من الديانات الأخرى، من المسيحيين والبوذيين واليهود، بذات التركيز. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعمال العنف والإرهاب التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين، والتي لا تتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية، ولا نسمع عن أي إدانات أو انتقادات من طرف زعماء الدول الغربية.
*نقلا عن عربي21