يثير اسم سعيد المهيري المكنى (أبو خليفة) الرعب في أوساط المختطفين والمخفيين قسرا في السجون السرية بعدن، بعكس الحالة التي تبدو عليها صفحته في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فالتغريدة المثبتة منذ أغسطس 2015 تصف صورة لولي عهد الامارات محمد بن زايد وهو يحتضن مسن -يبدو أنه أحد شيوخ الامارات- ممهورة بالتغريدة التالية: “لم أجد كلمات تعبر عن هذا الموقف الإنساني، الصورة لوحدها تتحدث عن قائد عظيم وأب عظيم، ربي يحفظكم ويطول عماركم”.
لكن تلك النظرة الانسانية غدت مختلفة في اليمن، إذ يدير سعيد المهيري العديد من السجون السرية كما أن له علاقة وطيدة بملف الاغتيالات بعدن ولا ينفك ملف الأسرى والمخفيين قسرا عن ملف الاغتيالات فالارتباط بينهما وثيق، وهناك عشرات الحالات من التصفيات تمت داخل السجون السرية وأخفيت الجثث في مقابر جماعية.
بعد تحرير عدن تحولت المدينة إلى بيئة طاردة للمقاومين الحقيقيين الذين مرغوا وجه تحالف الانقلاب بالتراب، لكنهم ما إن نفضوا عنهم غبار المعارك حتى وجد أبرز تلك القيادات أنفسهم إما في المعتقلات السرية أو على قائمة الاغتيالات أو منفيين خارج عدن.
لم تكن مشكلة الإمارات وأدواتها مع تحالف انقلاب الحوثي صالح بل على العكس كانت تجد نفسها مع أحد طرفي الانقلاب (صالح) وظلت تعبث بملف المناطق المحررة لتهيئه لليوم الموعود الذي سيعود فيه صالح للسلطة مجددا لكنه لن يأتي على الإطلاق.
سجون ومقابر سرية أيضا..
ستة مقابر استخدمت في عدن وحضرموت لدفن جثث من تم تصفيتهم في السجون السرية حصل محرر المصدر أون لاين على مواقعها وهي كالتالي:
– مقبرة بجوار السجن القديم ما بين السجن والهلال الاحمر الإماراتي.
– مقبرة خلف سجن بئر أحمد القديم الواقع داخل إطار معسكر بئر أحمد، قبل أن يتم إنشاء سجن مركزي جديد في أطراف المعسكر ومستقل عنه(كان يوجد سجن وتم هدمه بعد كشفه من قبل المنظمات).
– مقبرة بداخل سجن وضاح بجانب الخزان.
– مقبرة في الشحر بجانب معسكر النخبة الحضرمية.
– مقبرة داخل سجن الريان-المطار.
– مقبرة في طريق مبنى التحالف.
إحصائيات مرعبة تتسرب من السجون السرية بمحافظة عدن التي تديرها أجهزة أمنية تشرف عليها قيادات إماراتية تتضمن أسماء الجلادين وبعض إحصائيات المختطفين ومن تم تصفيتهم وأسماء السجون القديمة والجديدة وأدوات التعذيب الجسدي والنفسي وأسماء المحققين وكيف يتم معاملة المختطفين.
أدوات تعذيب متنوعة
إحدى الوثائق تعدد 13 أداة من أدوات التعذيب الجسدي والنفسي تتنوع بين الاغتصاب بأنواعه (بالجهاز – بالعصي – بالفتشة – بالافراد)، والجلد والكهرباء والحفر والتعليق والحرمان من النوم والأدوية واستخدام الشطة والملح على الجروح والصفع واستخدام الكلابيب للأصابع وصب الماء البارد على الجسد والسب وأخيرا قفص الكساسبة ( هو قفص حديد مساحته ثلاثة أمتار في مترين يتم تعذيب السجين فيه وتعليقه أيام في شدة البرد والحر).
وبحسب الوثائق فإن أدوات التعذيب السابقة موجودة لدى الاماراتيين، أما شلال شايع مدير أمن عدن فيوجد لديه شخص يشرف على التعذيب ويمارس القتل وهو مدان بالقتل ولقبه (الوحش)..
ومن أنواع التعذيب في السجون التي يديرها شلال الإيهام بالفزع وسلخ الجلد بواسطة حديد ومطارق ووضع السجن في الضغاطة وصعقه بالكهرباء وتهشيم العظام بالحجارة، والايهام بالغرق وإذابة البلاستيك على الجسم والتعذيب بالمنع من الشرب والإهمال الصحي الكامل والشغط على الخصيتين بواسطة الكلبشات البلاستيك ووضع الإبر تحت الأظافر.
وتفيد الوثائق أن (الوحش) الذي يشرف على التعذيب لم يعد موجودا وتؤكد إما إخفاءه أو تصفيته لما يمتلكه من أسرار وتم استبداله بشخص آخر اسمه علي الإماراتي.
وثائق تكشف فظاعات السجون
وتتحدث الوثائق عن ٢٨ سجن موزعة في المناطق المحررة جنوبا بعضها يتبع التحالف وبعضها يتبع الاماراتيين وأخرى تديرها الأذرع الأمنية الإماراتية، كما تذكر الوثيقة أسماء بعض المحققين ومن بينهم أبو خليفة سعيد المهيري الذي تصفه بالقائد العام وهو يقوم بالتحقيق في حالات نادرة. بالإضافة إلى محققين من جنسيات أخرى بينهم أمريكيين.
وتكشف الوثائق بعض الحالات التي تعرضت للاغتصابات التي تمت من قبل المحققين وقد تعرض أحد السجناء من عدن للاغتصاب من قبل الاماراتيين وشخص آخر من تعز تم اغتصابه ١٦ مرة من قبل جماعة أبو اليمامة بينما تم اغتصاب سجين من أبين بقطعة حديد وحينما أراد مقاومتهم ضربوه وسلخوا جلده.
وتتضمن الوثائق ٢٦ اسم لمفقودين بينهم ٣ أجانب اثنين منهم أخذوا من مطار عدن، وتصف في صفحة أخرى التغذية التي تعطى للمختطفين في الوجبات الثلاث وهي وجبات لا تشبع إضافة إلى كميات ماء شرب قليلة جدا، مع ملاحظة وجود تحسن في الغذاء في الفترة الأخيرة.
(جانب من أسماء المفقودين في السجون السرية في عدن)
وخلال السنوات الماضية تؤكد الوثائق أن نزلاء السجون السرية كانوا يمنحون دقيقتان في الصباح وكذلك في المساء فقط للذهاب إلى الحمام وحاليا وضعت حمامات داخل الزنازين، وسابقا كان يتم قضاء الحاجة في علب داخل الزنازين، بينما يتم السماح للمختطف بالتعرض للشمس كل ٣ أشهر لمدة خمس دقائق فقط ولا يتم ذلك إلا بعد مطالبات عديدة وغالباً يكون منتصف النهار.
شهادة الحسني.. كشف المستور
مع مرور الوقت بدأت تتسرب أنباء التعذيب والطرق الوحشية التي يعامل بها نزلاء السجون السرية وخاصة مع وجود حالات إفراج وإطلاق سراح البعض ومنهم القيادي في المقاومة الجنوبية عادل الحسني الذي تحدث لبرنامج “بلا حدود” على “قناة الجزيرة” عن الجرائم التي ترتكبها الإمارات بحق الأسرى والمخفيين، وكشف الحسني أن الضابط الإماراتي “أبو خليفة” وهو المشرف على الاغتيالات والسجون السرية طلب منه تصفية الشيخ أحمد صالح العيسي رجل الأعمال و نائب مدير مكتب الرئيس هادي.
وأشار الحسني إلى أنه “رفض المهمة فتم تعذيبه والزج به في السجن، وتحت العذيب وافق، وطلبوا منه ضمان يتمثل في ترحيل أهله إلى الإمارات، وهو ما رفضه لاحقاً”، مؤكداً أن كل القيادات التي تعمل مع الإمارات أصبحت أسرها رهائن في الإمارات.
وأضاف الحسني أن القائمين على حراسة سجون الإمارات بعدن “هم مرتزقة كولومبيون وهم من يتولى حراسة الضباط الإماراتيين، والمشرفين على السجون التي تديرها الإمارات”.
وأوضح أن “نزلاء في السجون تعرضوا لمعاملة بشعة من الإماراتيين تضمنت إدخال آلات حديدية في أعضائهم التناسلية وتعرية بعضهم والتهديد بالاغتصاب”، مشيراً إلى أن الكثير من السجناء تعرضوا للضرب.
وقال بأن “الجنود الإماراتيين يحققون مع السجناء وهم عرايا وفي وضعيات مخجلة، كما يقومون بتعرية السجناء وتجريدهم من الملابس عند الاشتباه بوجود هاتف لدى أحدهم”.
وعن السجون السرية قال بأن هناك سجونا سرية في “عصب” ومنزل مدير الأمن شلال شائع، ولواء “العند” ولواء “رأس عباس” وفي سفينة عائمة في البحر وفي مطار الريان بحضرموت.
وتحدث المعتقل السابق في سجون الإمارات بعدن عن امتلاكه لمعلومات تكشف أن 42 شخص توفوا تحت التعذيب، وقال “سأكشف لاحقا كيف ماتوا ومن قتلهم ولدي أسمائهم، وسأكشف كل المعلومات عنهم”.
(جانب من قائمة بسجناء تمت تصفيتهم داخل السجون)
وأطلق سراح عادل الحسني في ٢٦ ابريل ٢٠١٨ من سجن بئر أحمد بعد نحو عامين من اختطافه وإخفائه قسريا، وكان الحسني ضمن مجموعة معتقلين تم نقلهم من سجن بئر أحمد الجديد إلى مُعسكر التحالف العربي بالبريقة الذي تُديره دولة الإمارات عقب تصاعد التوترات في السجن حيث نفذ المعتقلون حينها إضراباً مفتوحاً عن الطعام.
تفاعل محلي ودولي.. وإنكار إماراتي
وتبنت رابطة أمهات المختطفين بعدن قضية المختطفين والمخفيين قسرا ونظمت العديد من الفعاليات المطالبة بكشف مصير ذويهم بالإضافة إلى رفع دعاوي قضائية أجبرت القضاء على التوجيه بالإفراج عن عشرات المختطفين، وبالتزامن مع إطلاق سراح البعض تناولت وسائل الإعلام الجرائم التي ترتكب في تلك السجون ووصل الأمر لمطالبة أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وزير الدفاع بفتح تحقيق حول مزاعم إدارة القوات الإماراتية لسجون سرية في اليمن.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية حينها عن المشرعين، أنهم طالبوا وزير الدفاع بالتحقيق في تعذيب المعتقلين في اليمن الذي كشفته وكالة أسوشيتد برس ومنظمة هيومن رايتس ووتش الخميس.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش ووكالة أسوشيتد برس الأمريكية قد أصدرتا تقارير، اتهمت الإمارات بإدارة سجون سرية في اليمن وتعرض المسجونين للتعذيب، كما طالبت منظمة العفو الدولية بالتحقيق العاجل في الموضوع، الأمر الذي حدا بوزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، لنفي ما نُشر في تقارير عن وجود سجون سرية جنوبي اليمن، تدار من قبل القوات الإماراتية، وقالت في بيان: إن “ما ورد في التقرير عارٍ تماماً عن الصحة”.
(قائمة بجانب من السجون السرية التي تديرها قوات إماراتية وتشكيلات مسلحة تعمل تحت إدارتها)
واعتبرت الوزارة أن التقارير “مزايدات سياسية، تسعى من خلالها المليشيات الانقلابية وأطراف متضررة من جهود التحالف العربي بمحاربة التنظيمات الإرهابية وتشويه سمعة التحالف”.
وكانت منظمات حقوقية دولية كشفت عن وجود ما لا يقل عن ثمانية سجون سرية في مدن عدن والمكلا وسقطرى وحضرموت جنوبي اليمن، تدار من قبل تشكيلات عسكرية خارجة عن سيطرة السلطة اليمنية، وقالت: إن “هذه التشكيلات تشرف عليها قوات إماراتية”.
وضغطت الإمارات على الحكومة اليمنية لتحديد موقف إزاء هذه التناولات ما دفع نائب وزير الداخلية اللواء الركن علي ناصر لخشع للتوضيح بأن جميع السجون تتبع الوزارة ولا صحة لوجود سجون سريّة سواء في عدن أو حضرموت، داعيا وسائل الإعلام إلى ضرورة نقل الحقيقة كما هي للرأي العام دون تزييف.
وأشاد نائب وزير الداخلية بالخدمات التي يقدمها المشرفون على إصلاحية سجن بئر أحمد، وشكر دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقدم الدعم والإمكانيات لوزارة الداخلية بكل أجهزتها.
رابطة لضحايا الاغتيالات
صباح الخميس 13 ديسمبر الفائت اعلنت أسر ضحايا الاغتيالات، عن إشهار “رابطة أسر ضحايا الاغتيالات” بالعاصمة المؤقتة عدن جنوبي البلاد، ودعت أسر ضحايا الاغتيالات الجهات المسؤولة إلى القيام بواجبها القانوني والشرعي في البحث عن القتلة ومن يقف ورائهم وتقديمهم للعدالة.
كما دعت الرابطة كل من تهمهم الحقيقة والعدالة وفي مقدمتهم المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والإعلاميين والناشطين والمحامين وقادة الرأي للوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم ومناصرتهم في قضيتهم والتي هي قضية المجتمع كله.
وفي حفل الإشهار اكد رئيس اللجنة التحضيرية المهندس خالد محمد سعد، شقيق الشهيد اللواء جعفر محمد سعد أن هدف الرابطة هو البحث عن الحقيقة لا سواها، موضحا أن الرابطة مفتوحة أمام جميع أسر الضحايا فهي في خدمتهم ومنهم واليهم.