بقلم - د. ياسين سعيد نعمان
تحت هذا العنوان أودّ أن أسجل وجهة نظري فيما استجد من أحداث .
بداية لا يجب أن نتحرك في النتائج عند البحث عن حل جاد لأي مشكلة ، بل يجب الذهاب إلى جذرها لمعرفة أسبابها . وجذر المشكلة التي نحن بصددها اليوم يمتد إلى الفترة التي استطاعت فيها أجهزة النظام في صنعاء ، بفهلوة ، أن تحول الوحدة من منجز إلى تهمة .
عندما تحول هذا المنجز إلى تهمة دخل البلد في نفق طويل ، تخبط فيه ، وشهد صراعات وحروب أفضت إلى هذا الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم.
كانت الدولتان تحتربان ، وكانت الوحدة تعيدهما إلى طاولة المفاوضات والتفاهم لانها كانت اذا احتربت تذكرت القربى. ولم تعد الوحدة بالصيغة التي استقرت عليها بعد حرب ٩٤ تذكر بالقربى بعد أن جفت الدموع .
لا يمكن اليوم عزل ما يجري من نتائج عن تلك الاسباب .
أما كيف تحول هذا المنجز الكبير إلى تهمة فكلنا يتذكر كيف ضربت الوحدة السلمية في عمقها من خلال ؛
١/ الخطاب المنفلت الذي تبناه إعلام نظام صالح بعيد الوحدة من أن القيادة الجنوبية هربت إلى الوحدة ، أي أنها ذهبت إلى الوحدة مضطرة وبدون إرادة فعلية ، وأنها قبضت الثمن ، وغير ذلك من التهويمات التي جعلت الوحدة تبدو وكأنها عملية مشبوهة أصبح معها من حق الشعب في الجنوب أن يقاومها ويرفضها . لقد فتح هذا الخطاب غير المسئول الباب أمام تدمير الوحدة منذ اليوم الاول من منطلق أن أساسها مشبوه . وتكرر هذا في خطابه مؤخراً عندما قال إن كل الذين عملوا معه من بعد ١٩٩٤ قبضوا الثمن ، وهم الذين قدمهم بعد الحرب ممثلين للجنوب كقوى وحدوية بدلاً عن “الانفصاليين” الذين انقلب عليهم بحرب ١٩٩٤ وحاكمهم كخونة . وبهذا يكون قد أجهز على كل شركاء الوحدة من الجنوبيين قبل الحرب وبعد الحرب وأظهرهم على أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ، وأن أساس الوحدة باطل ، وبهذا فقد فتح الباب على مصراعية للطعن في مشروعيتها على كل المستويات باعتبار الجنوب مخدوعاً ثم مغتصباً .
٢/ أفشل صالح وتحالفه مشروع بناء الدولة الحاملة للوحدة الذي أقرته وثيقة العهد والاتفاق ، وتركت الوحدة مكشوفة على خيارات فوضوية فيما يتعلق بمنهج إدارتها حيث ترك ذلك لمساومات تتحدد نتائجها في ضوء معادلات النفوذ وليس الحاجة الفعلية لإدارة “وحدة” ناجحة
٣/ عندما حوصر بهذه الوثيقة ، التي كانت آخر محاولة جادة لانقاذ الوحدة السلمية ، لجأ الى إشعال الحرب عام ١٩٩٤، واجتاح الجنوب ليدق آخر مسمار في نعش الوحدة غير مدرك حقيقة أن المجتمع قد قبل بالوحدة ، على الرغم من طابعها النخبوي ، حيث كان يعتقد بأنها ستعيد بناء الخيارات السياسية والاجتماعية للشعب وفقاً لقواعد مختلفة عما شهده من أنظمة استبدادية ، أما وقد أفضت إلى تكريس الاستبداد بآلة الحرب وتحالفات ثأرية ، وطبقت نظام الاغتصاب والالحاق بكل مظاهره ، فقد قدم الدليل على أن الوحدة ، بموجب كل ذلك ، لم تكن عندهم غير “نزوة” لا يمكن التضحية بالسلطة من أجلها ، فإن استمرت بما استقرت عليه بعد الحرب كتوسيع للنفوذ فلا بأس ، أما إذا غدت تهديداً لسلطتهم فالتضحية بها أولى . ومن هذا المنطلق جرى التعامل مع الوحدة باعتبارها ( شيئاً) إضافياً لا يلزمهم بأي إصلاحات من شأنها أن تهدد سلطتهم ونفوذهم.
٤/ أتبعت الحرب بقرارات المحاكمات بتهمة الخيانة وتشريد الآلاف والفصل التعسفي من العمل والتجويع وتصفية المؤسسات الاقتصادية وإغلاق عشرات المصانع وتسريح الآلاف من العمال والعاملين في المجالات المدنية والعسكرية والأمنية وطرد العمال الزراعيين من المزارع التي استصلحتها الدولة وتسليمها رشاوي لمن حاربوا إلى جانبه ، وأظهر النظام بهذا حقيقة مشروع الحرب باعتبارها حرباً انتقامية لا صلة لها بالوحدة ، على الرغم من أنه استطاع فيما بعد أن يحمل الوحدة مسئولية هذه الحرب الانتقامية وما تمخض عنها من فوضى وقمع وتداعيات لتدفع ثمنها نيابة عن النظام . نعم دفعت الوحدة الثمن نيابة عن النظام .
واستناداً ألى ذلك :
١/ قمعت كل محاولات العودة الى جذر المشكلة لإصلاح الوحدة ، على الرغم أن عملية الاصلاحات بعد الحرب ، من الناحية الواقعية ، كانت مستحيلة بسبب طبيعة القوى التي أفرزتها الحرب كمنتصرة ، وكان إستحضار القرار الذي تضمنته وثيقة العهد والاتفاق ” إصلاح مسار الوحدة” عملية يائسة كمن “ينقر فوق تابوت ليوقظ من فيه” ، بتعبير “تشيخوف” ، لأن الذي أشعل الحرب لدفن وثيقة العهد والاتفاق لا يمكن أن يعود ليقبل أهم بند فيها ، ومع ذلك فقد أبدى الجنوب بكل فئاته نفساً تسامحياً لتجاوز الحرب برفع شعار إصلاح مسار الوحدة مجدداً.
٢/ أخذ شعار إصلاح مسار الوحدة بعد الحرب يتداول بمضامين متفاوتة وأحياناً كثيرة مختلفة عن معناه الذي قصد به بناء دولة الوحدة كما ورد في وثيقة العهد والاتفاق . ومع ذلك فقد رفضه النظام بكل المعاني التي حملها بما في ذلك المعنى الذي اقتصر على تسوية ما احدثته الحرب من شروخ عميقة وما رتبته من وقائع على الارض غير مقبولة .
٣/ لم يقدم للجنوب أي خطاب سياسي مطمئن من قبل النظام في إطار مشروع يشي بإصلاحات من أي نوع كان ، بسبب أن النظام كان يدرك ان هذه الإصلاحات ستضر بسلطته التي كان على استعداد أن يضحي بالوحدة من أجلها ولا يتنازل عن أي قدر منها لإصلاح الوحدة والحفاظ عليها .
٤/ قدم إعلام النظام “الشمال” الجغرافي ، وبصورة ممنهجة ومقصودة ، على أنه سيدافع عن الوحدة كيفما كانت ، أي أنه وضعه في مواجهة “الجنوب” الانفصالي على حد زعمه.. (وكان هذا الاعلام نفسه قد صور الحرب على انها حرب الشمال ضد الجنوب على نمط الحرب الأهلية الامريكية) الأمر الذي تلقفته بعض الاختراقات التي دفعت إلى الجسم السياسي للجنوب لتعيد صياغة المشكلة على أنها مع “الشمال” وليس مع النظام .. بموجب هذا إختبأ النظام وراء “الشمال” بعد أن خرج الخطاب السياسي الذي عبر عن قضية الجنوب عن مساره بتحويل الشمال إلى خصم ، على الرغم من أن قطاعاً واسعاً من “الشمال “السياسي رفض هذا التوظيف.
٥/ لعب النظام على هذا الوتر ، واستطاعت أبواقه الموزعة في أكثر من مكان أن تحول القضية إلى مسار آخر مختلف عن جوهرها الحقيقي ، في حين أن الشمال الذي تعرض لمظلومية ذلك النظام الفاسد كان بالإمكان أن يشكل قوة لمواجهة هذا النظام على طريق تقرير المصير بالطريقة التي ترضي شعب الجنوب لو أن آلية مقاومته قد تخلصت من بعض الشطط وردود الأفعال التي حولت الشمال كله إلى خصم ، وهو نفس الشطط الذي مارسه بالمقابل آخرون من الطرف الشمالي ليحول الجنوب إلى خصم .
٦/ تعززت أزمة الثقة على قاعدة مختلفة تماماً عن جذرها الحقيقي ليتشكل واقع سياسي ونفسي لم يكن أحد قبل عشرين سنة يتصور أننا سنصل إليه ، وهنا تتجلى العبقرية الجهنمية للنظام في تحريك المشكلة في مسار آخر ، مع ما ألحقته سياسته من أضرار جسيمة بالنسيج الوطني لهذا البلد وذلك لحماية سلطته ، ناهيك عن أن النخب السياسية كانت تقترب من المشكلة خطوة وتهرب منها خطوتين ، وأخذت تراهن على تبدلات عفوية من أنها قد تغير المسارات غير مدركة أن التاريخ السياسي لليمن حبلى بمشروعات ظلت تتحين الفرصة للخروج من سباتها ، وقد حان وقت الخروج بتمزق المشروع الوطني وإفشال آخر أوراقه ” الوحدة” بعد أن أسقطتها حرب بليدة ، وحسابات غلط ، ونخب أسقطت من حسابها الورقة الشعبية وآليتها الديمقراطية في تقرير المسارات السياسية .
٧/ جاء انقلاب مليشيات الحوثي وصالح بدعم من إيران ليصادر ما تبقى من دولة كان يعول عليها نسبياً في ترميم واستعادة المشروع الوطني ، خاصة بعد أن أعاد الحراك السلمي في الجنوب وثورة الشباب السلمية الأمل بإصلاح الخلل العميق في الحياة السياسة من خلال إعادة الاعتبار للارادة الشعبية المصادرة .. وكان الحوار الوطني خطوة هامة على هذا الطريق . وفي مواجهة هذا الانقلاب تشكلت مقاومة عسكرية على طول اليمن وعرضها ، جنوباً وشمالاً ، وقدمت التضحيات الكبيرة في سبيل ذلك . غير أن هذه المقاومة أخذت تتخبط في خطاب سياسي وإعلامي تصادمي فيما بينها، أظهرها كما لو أنها قد فقدت القدرة على ترشيد مسارها المقاوم في الجانب العسكري بدليل نظري سياسي واضح يقدم الحجة على أنها استفادت من تجارب التشظي والقمع الذي تعرضت له الحياة السياسية . لم يظهر الخطاب السياسي والاعلامي طيشاً مثل ذلك الطيش الذي اتسم به الخطاب المنتسب إلى الشرعية (خارج المنظومة الرسمية) ، وهو الخطاب الذي حفر بأظلافه الخشنة خنادق المواجهة بين أجنحة “الشرعية ” التي أخذت تنهش بعضها على نحو لم يدلل بأي حال على أن هناك مستقبلاً سياسياً مستقراً ينتظر الجميع إذا استمر الوضع بهذ التنافر .
٨/ تصاعد خطاب المواجهة السياسي والتشكيك وحملات الاتهامات بلا مسئولية مطالباً بتصفية حسابات هنا وهناك ، وكثيراً ما انبعثت من هذا الخطاب روائح كريهة بدا معها أن ان كل المحاولات التي قادها الرئيس هادي لفتح منافذ عبور بين الاطراف المختلفة قد اصطدمت بحوائط من الممانعة . لذلك فقد اقتصرت المحاولات على الحد الأدنى دون أن يسمح لها بأن تتحول إلى صيغ لشراكة حقيقية تقدم رسالة لتطمئن الشارع الجنوبي فيما يخص معالجة قضيته على النحو الذي يرتضيه بما في ذلك حق تقرير المصير بعد أن يتم الانتهاء من المشكلة المشتركة المتعلقة بالانقلاب .
٩/ الاتجاهات المتطرفة داخل الاطراف المختلفة لعبت أدواراً مشهودة في إعاقة بناء هذه الشراكة على قاعدة من الثقة تسمح بالتفرغ لمواجهة المشكلة الاساسية . هناك من جعل من قضية الاقاليم مدخلاً للانقضاض على مشروع الدولة بالكامل من خلال تخريب المشروع بتطبيقات فوضوية ومستعجلة وبلا أفق واضح ، مع ما رافقه من خطاب استهدف تقسيم الجنوب ، وفرض ذلك كأمر واقع بحساب خاطئ من أن هذاالاستباق من شأنه أن يغلق الطريق أمام أي مشروع آخر ارتبط بالقضية الجنوبية . وفي الطرف الآخر إعتقد البعض أنه آن الاوان لإعلان دولة الجنوب بتوقعات حكمها خيال قصير النظر تجاه الظروف التي تتحرك فيها الوقائع السياسية ، وصياغة خطاب مرافق مشحون بالشطط والمغالاة في تسطيح طبيعة المشكلة بكل تعقيداتها وعدالتها في نفس الوقت . وكانت المشكلة هي أن الركون إلى عدالة أي قضية دون أخذ تعقيداتها بعين الاعتبار يعرضها لمخاطر يصعب تجاوزها .
١٠/ استطاعت الاتجاهات المتطرفة أن تضع العقلاء في مصيدة مشروعها الصدامي الذي ظل يتحكم في إيقاعات العلاقة داخل اجنحة المقاومة وعلاقتها بالشرعية . وما يؤكد حديثي مسألتان ، الاولى الهدوء والبصيرة التي عبر بها الرئيس هادي تجاه الوضع لإدراكه بتعقيداته وحرصه على أهمية إنجاح مشروع الشراكة الذي يقوده لإيصال السفينة الى أيدي الناس ليقولو كلمتهم فيما يتعلق بمستقبلهم ، والثانية التصريح التصحيحي الذي صدر عن القائد الحراكي المعروف الدكتور ناصر الخبجي والذي قال فيه ما معناه إن “الاعلان” هو ترجمة لطموحات الجنوبيين في أن تكون لهم قيادة موحدة تعمل مع الشرعية بقيادة هادي والتحالف لأنجاز المهمات المشتركة ، وهو تصريح يلغي أي زوائد تكون قد امتدت الى البيان لتضعه في مواجهة مع قضيته قبل أي شيء آخر ، ولا أعتقد ان هذا التصحيح سيصدر بمعزل عن اللواء عيدروس الزبيدي وبقية أعضاء المجلس المعلن والذي برز بعد ذلك على لسان أكثر من عضو ، مما يعني أن بعض الصيغ التي أوردها البيان كانت ملتبسة واستلزمت ذلك التوضيح ..
١١/ تفاقمت حالة من الفرز صاحبها ضجيج إفتقر إلى الدقة والمسئولية وضخم نقاط الخلاف ، وأخذ ينتقل بالمشكلة إلى توسيع الانقسام وتعميقه بصورة بدا أنه لم يعد معها من خيار غير المواجهة، غير مدركين أن الجميع يعملون في إطار أوسع من المسئولية المشتركة يعبر عنها تحالف له أهداف مصيرية تجعل هذا الخيار مستحيلاً ، وأن خيار التفاهم السياسي هو الأقرب ، لا سيما وأن هناك جملة من الاعتبارات يجب أن تؤخذ في الحسبان :
١/ ان الرئيس هادي كان وسيظل العنصر الأساسي في معادلة حل أي مشكلة تنشأ باعتباره رئيساً شرعياً ، وانه لا يجب أن ينظر إليه إلا بأنه مرجع للجميع ويجب التعامل معه على هذا الاساس . ومن موقعه المسئول هذا لا بد أن يساعده الجميع على توسيع الأدوات السياسية ، وأكرر الأدوات السياسية ، بدلاً من الأدوات الإدارية ، في قيادة هذه المرحلة المعقدة ، ومساعدته على تدويرها بزوايا تتناسب مع طبيعة المشكلات التي لا بد من مواجهتها بالصبر والهدوء اللذين عرف بها .
٢/ إن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والدور البارز لدولة الامارات العربية المتحدة فيه لا يجب النظر إليه كحالة طارئة ، وإنما كعنصر استراتيجي في سياق إعادة صياغة التعاون على نحو تكاملي . وهذا يعني أن العلاقة معه يجب أن تتعزز بقواعد منظمة تضفي عليه هذا المعنى الذي يؤسس لعلاقة شراكة مستقبلية ثابتة ومزدهرة، وهذا ما نادينا به مراراً ودعونا إلى تشكيل مجلس مشترك يدير وينظم العلاقة بجوانبها العديدة لتفتح باباً واسعاً لعلاقة استراتيجية مستقبلية بين اليمن ومحيطه العربي في الجزيرة والخليج ، تنتظم في إطارها جملة مكونات هذه العلاقة بما في ذلك الخيارات السياسية التي سيقررها الناس بتقرير مصيرهم . وهذا الأمر في كل الأحوال يتوقف على جميع الاطراف ، ويحتاج إلى معالجته وتصحيحه في إطاره الاستراتيجي لتغدو المشاكل التفصيلية ممكنة الحل .
٣/ إن مجيء قيادات إدارية تنفيذية من وسط الحراك السلمي تحظى بالاحترام على الصعيد الشعبي كان قد أسهم في ترشيد المسار نحو حل قضية الجنوب بتأسيس قاعدة للشراكة السياسية ترمم العلاقة التصادمية التي ظلت تحكم النظام مع الحراك ، وكان من الضروري رعاية هذه الشراكة السياسية بأدوات سياسية ، غير أن غياب دور القوى والأحزاب السياسية في إنتاج فعل مؤثر على مسار الاحداث لم يسمح بصياغة مشروع متوازن يأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذه الشراكة ، وتركت مكشوفة على المتغيرات التي كانت بطبيعتها محصلة العلاقة الصدامية الطويلة ليصل الوضع الى ما وصل إليه .
٤/ أثبتت الحياة أنه حينما تكون هناك فرصة لمعالجة القضايا بحد أدنى من الخسائر وبدرجة أقرب الى رغبات الناس واختياراتهم فإن الطريق الذي يفضي إلى سفك الدماء وتعميق الانقسامات والخصومة يصبح طريق المغامرين والفاشلين ، وأنه مجرد تعدي على خيارات الشعب يجب أن لا يسمح به . ولذلك لا يجب أن نذهب بالموضوع إلى أبعد مما رتبته الحياة من حقائق وهي أن القضية الجنوبية ليس وليدة اللحظة ولكنها وليدة لتحويل الوحدة من منجز إلى تهمة وفقاً لما شرحناه أعلاه . الاعتراف بهذه الحقيقة هو وحده الذي يمكن أن يقدم الدليل على أن هناك إرادة فعلية لمعالجة هذه القضية جذرياً ، وهو الموضوع الذي يجب أن يجري الحديث عنه بصراحة ووضوح حتى لا يظل شبح القوة والصدام مهيمناً على المشهد مع ما يرتبه ذلك من ردود افعال تربك المشهد بأكمله . بمعنى أن الرسالة التي يجب أن توجه للجنوب بشأن قضيته يجب أن تكون واضحة غبر ملتبسة بخيارات أخرى بما في ذلك خيارات القوة والسلاح التي لا يخلو منها الخطاب الاعلامي في كثير من الأحيان . إن الرد الاخلاقي على الحروب التي دمرت استقرار اليمن يجب أن يتلخص في الاعتراف بالارادة الشعبية في تقرير الخيارات السياسية .
٥/ الهروب من الهوية اليمنية إلى هوية مجهولة ذات اشكالية حقيقية لا يرفد القضية الجنوبية بأي إضافات وجيهة ، بل بالعكس يدفعها إلى خارج سياقها السياسي المعترف به كدولة ما قبل ١٩٩٠مع ما يرتبه ذلك من اشكاليات سياسية وتاريخية . ان التمسك بيمنية الجنوب لا يضر بقضية الجنوب كما يعتقد البعض ، لأنه يكسبها قيمة معنوية مرتبطة باسم الدولة التي جعلت من الجنوب دولة بعد أن استعصى الجنوب حينها على الهويات البديلة التي لم تستطع ان تجمع الجنوب في هوية واحدة .
٦/ التركيز على تشكيل قيادة موحدة للحراك السلمي الذي قاد العملية السياسية في الجنوب خلال الفترة الماضية وأصبح الصوت المعبر سياسياً عن هذه القضية ومطلباً يتردد من الجميع هي أولوية أكثر أهمية من الحديث عن أي صيغ أخرى لا تتوفر لها شروط العمل بدون صعوبات أو اشكاليات سياسية وقانونية . العمل وفقاً لأولويات تراعي الوضع العام هي مسألة أجدر ما يمكن وصفها بالجدية عندما يتعلق الامر بقضية عادلة لا بد أن تنتهي إلى حل عادل .
٧/ أرى أن يتم تشكيل فريق سياسي استراتيجي يضع خطة شاملة لمراجعة السياسات التي تتحرك بموجبها الشرعية بالتشاور والتنسيق مع الحلفاء وذلك من منطلق أن الشرعية هي الجامع الأكبر في الوقت الراهن لكل القوى التي تصدت لانقلاب والتي عليها أن تستكمل مهمتها ضمن ضمن هذا الإطار بإصلاحات يتم التشاور حولها .. وفي خطوة لاحقة وفي ضوء نتائج عمل هذا الفريق يتم الاتفاق على تشكيل فريق عمل سياسي من كافة الاطراف لتنسيق المسارات السياسية خلال المرحلة القادمة والقبول بفكرة الاختلاف والتعايش والاحتكام الى الناس .