بات اسم الإمارات، في الفترة الأخيرة، متداولا بكثرة كقوة تسعى إلى لعب دور مؤثر ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أيضا، من خلال البروز اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
ويعد الصومال مع أبرز دول المنطقة التي تسعى أبوظبي للحضور فيها، لكنها تواجه مصاعب حادة في هذا البلد حاليا، وفق لما ورد فر تقرير لمجلة القدس العربي الصادرة من لندن.
إذ تصاعد التوتر بين الإمارات والصومال، الشهر الجاري، إثر مصادرة السلطات في مقديشو مبلغ 9 ملايين و600 ألف دولار في مطار مقديشو الدولي، قالت سفارة أبوظبي هناك إنها كانت مخصصة لدفع رواتب القوات الصومالية التي تشرف على تدريبها.
لكن الشكوك حول وجهة تلك الأموال، وحديث أطراف صومالية عن أنها كانت مخصصة لـ”إشعال فتيل تمرد” بالبلاد؛ أنزل “ضربة موجعة” للعلاقات العسكرية والتجارية التي نسجتها الإمارات في إفريقيا.
إذ اكتسبت العلاقات بين دول الخليج العربي الغنية وإفريقيا، وخاصة دول جنوب الصحراء، تسارعا مهما، في السنوات الأخيرة، وتمثلت أبرز مظاهره في ضخ استثمارات خليجية في بلدان القارة السمراء.
مكاسب إماراتية كبيرة في إفريقيا
وفي هذا الإطار، حققت الإمارات مكاسب كبيرة في إفريقيا؛ بفضل الاتفاقيات العسكرية والتجارية التي أبرمتها- من جهة- مع كل من الصومال وجيبوتي وإريتريا، والمعروفة باسم “دول القرن الإفريقي”.
كما تواصل تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع كينيا وتنزانيا وأوغندا من جهة أخرى.
وضمن تحركاتها المتصاعدة في القرن الإفريقي، خلال السنوات الأخيرة، افتتحت الإمارات منصات تجارية وقواعد وعسكرية.
ويأتي ذلك في سياق جهودها الهادفة لتشديد الحصار على الحوثيين باليمن من جهة، واكتساب دور أساسي في مسارات التجارة بالبحر الأحمر والمحيط الهندي من جهة ثانية.
وتكفلت الإمارات -في هذا الخصوص- بتدريب الجيش الصومالي، وحازت على تشغيل بعض الموانئ في الصومال، فضلا عن افتتاح قاعدة عسكرية في ميناء مدينة عصب الإريتري، الواقع على الساحل الشمالي للبحر الأحمر.
وفي الصومال حصلت شركة إماراتية على إمكانية تشغيل ميناء “بوصاصو”، في إقليم “بونت لاند” (شمال شرق).
وقامت بتدريب قوات الشرطة المسؤولة عن حماية الميناء، فضلا عن تدريب القوات الخاصة الصومالية بموجب اتفاق بين البلدين، إلى جانب إبرام اتفاق مع “أرض الصومال” (المعلنة من جانب واحد) لتشغيل ميناء “بربرة” بالتعاون مع الجانب الإثيوبي.
علاوة عن ذلك، كانت الإمارات مسؤولة عن تشغيل محطة “دوراليه” للحاويات في جيبوتي عبر شركة “موانئ دبي العالمية” الحكومية.
وفي فبراير الماضي، أنهت حكومة جيبوتي عقد موانئ دبي لتشغيل محطة “دوراليه” للحاويات، لافتة إلى أنها اتخذت القرار لحماية “السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي” للبلاد، فيما رفضت الشركة الإماراتية الخطوة، وقالت إنها ستتجه للتحكيم الدولي.
كما أعلنت مقديشو، في مارس، عدم اعترافها باتفاق الثلاثي بين الإمارات وإثيوبيا و”أرض الصومال لتشغيل ميناء “بربرة”، معتبرة أن الاتفاق “ينتهك سيادتها”، وهو الأمر الذي أجج التوتر بين أبوظبي ومقديشو.
انزعاج الإمارات من تركيا
وحسب مراقبين، أسست الإمارات سياساتها الخارجية في إفريقيا وفق 4 أسس، هي التجارة، والسياحة، ومكافحة “الإرهاب” (القضاء على نفوذ جماعة الإخوان المسلمين بالمنطقة)، وإحداث توازن لصالح الدول الخليجية بمواجهة النفوذ الإيراني.
لكن الحسابات السياسية الإماراتية في المنطقة تعرضت للشلل إثر الانفتاح التركي والقطري على إفريقيا؛ حيث لا تخفي أبوظبي انزعاجها من الحضور التركي المتزايد في الصومال والسودان.
إذ ساهمت السياسة الخارجية التركية إزاء إفريقيا -القائمة بشكل أساسي على تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لشعوب القارة، عبر المؤسسات التركية الرسمية وفي مقدمتها الهلال الأحمر ووكالة تيكا- في بناء جسور من الثقة والمحبة مجددا بين تركيا ودول القارة السمراء شعوبا وحكومات.
فتركيا افتتحت مؤخرا مركز تدريب لقوات الجيش الصومالي في مقديشو، كما بدأت مشروعا لإعادة إعمار جزيرة “سواكن” السودانية؛ الأمر الذي قابلته الإمارات بمزيد من الانزعاج.
انتخابات الصومال ونقطة التحول
وتعتبر الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2017، نقطة تحول رئيسية بالنسبة للحضور الإمارتي في القرن الإفريقي؛ إذ خسر الرئيس السابق للبلاد حسن شيخ محمود، المدعوم من قِبل أبوظبي، سباق الرئاسة بمواجهة الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو.
كما فضّل الرئيس فرماجو الوقوف على الحياد إزاء المقاطعة السياسية والاقتصادية التي فرضتها دول خليجية على قطر، منذ 5 يونيو 2017K معلنا استمرار علاقات بلاده مع الدوحة.
ومن الجدير بالذكر هنا أن العلاقات الإمارتية الصومالية بلغت ذروتها في عهد شيخ محمود؛ إذ كانت الاستثمارات الإمارتية في هذا البلد تزداد يوما بعد آخر.
وفضلا عن مشاريعها العسكرية والتجارية هناك، رفعت الإمارات وتيرة مساعداتها الإنسانية في الصومال بهدف الوقوف أمام قوة تركيا الناعمة وحملاتها الإغاثية بالمنطقة؛ حيث افتتحت في هذا الإطار مستشفى “الشيخ زايد” في مقديشو، بهدف تقديم العلاج المجاني للفقراء والمشردين من الشعب الصومالي.
إلا أن العلاقات بين أبو ظبي ومقديشو وصلت حد القطيعة إثر حادثة العثور على 9.6 مليون دولار عل متن إحدى الطائرات الإمارتية؛ حيث أسفرتعن إيقاف كافة الفعاليات العسكرية الإمارتية في الصومال.
في حين ردّت حكومة أبوظبي على ذلك بإغلاق مستشفى الشيخ زايد، بشكل يوضح أن الإمارات تسيّر مساعداتها الإنسانية إلى البلاد خدمة لمصالحها الشخصية.
ورغم حديث أطراف صومالية عن أن تلك الأموال كانت مخصصة لـ”إشعال فتيل تمرد” بالبلاد، لا يعرف على وجه الدقة إلى أي جهة كانت مرسلة، ولن تتوفر إجابة لهذا السؤال إلا عبر تحقيقات الحكومة الصومالية.
ونتيجة لهذه الحادثة، أوقفت الإمارات كافة فعالياتها التجارية وبرامجها التدريبية العسكرية بالصومال، لكن استمرار تأثيرها على الجيش بهذا البلد، يدعو للقلق حول مستقبل الصومال.
مصير الجنود الصوماليين الذين دربتهم الإمارات
إذ وقعت الصومال والإمارات على اتفاق عام 2014، يسمح للأخيرة بإنشاء قواعد عسكرية بالصومال وتدريب جيشها.
وبموجب الاتفاق خضع الآلاف من الجنود -اعتبارا من العام ذاته- للتدريب على يد ضباط إماراتيين، وعملاء سابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه)، فضلا عن ضباط في الجيش الأمريكي.
وحاولت الحكومة الصومالية إيجاد حل لهذه المشكلة، من خلال توزيع الجنود الذين خضعوا للتدريب إلى مناطق متفرقة بالبلاد، اعتبارا من 2014.
لكن كما هو معروف أن الإمارات درّبت هؤلاء الجنود لسنوات عدة ومنحتهم رواتب؛ ما يجعل من خطر قيام هؤلاء بمحاولة تمرد عسكرية قائما.
والسؤال الآخر الذي يتراود إلى الأذهان في هذا الصدد، هو “هل أرسلت الإمارات سابقا أموالا بنفس الطريقة إلى الصومال، وهل وزعت أموال على أطراف محددة أم لا؟”.