“لم يتمكَّن من حماية عمه من الحوثيين في صنعاء بالرغم من وجود الآف من أنصاره، بالتالي لن يتمكَّن من فعل أي شيء في تعز، حيث يعتبره الناس قاتلاً”.
عبد الرحمن غانم (42 عاماً)، عبر بكلماته هذه عّن موقفه وموقف غيره من المتظاهرين الذين خرجوا في مدينة تعز اليمنية يوم السبت 14 أبريل /نيسان 2018 احتجاجاً على عودة طارق محمد صالح ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للضوء مجدداً عبر قيادته لقوات عسكرية في الحرب مع الحوثيين قرب المدينة.
لماذا يعترضون على حماية عفاش لمدينتهم؟
المعترضون على عودة طارق الملقب بـ”عفاش” لايغضبهم فشله في حماية عمه الرئيس السابق الذي قتله الحوثيون بقدر ما يغضبهم تبوء طارق لمنصب قيادي عسكري قرب مدينتهم بينما يعتبرون أنه قد قتلهم مرتين فكيف يحاربون إلى جانبه، من وجهة نظرهم.
وقال غانم لموقع Middle East Eye البريطاني: “أريد أن أبعث برسالة إلى قيادة الإمارات وأسألهم، هل بلغكم خبر مقتل المدنيين في عام 2011 وفي هذه الحرب المسؤول عنها صالح ونظامه؟”.
وأضاف: “إذا كانت الإجابة نعم، إذاً ينبغي أن تساعدونا في إخضاع جميع أعضاء النظام السابق لمحاكمة عادلة. وإذا كانت الإجابة لا، فإنَّكم تشاركون في قتلنا مرةً أخرى على يد طارق صالح”.
عدو الثورة حليف الحوثيين ثم باحث عن الثأر
عاد طارق صالح إلى الظهور في يناير/كانون الثاني 2018 بعد تقارير أفادت بأنَّه قُتِل إلى جانب عمه، حاكم اليمن السابق لفترة طويلة والذي ذاع لعبه على الحبلين.
أما الآن بمساعدة الإماراتيين، فإنَّه على استعداد لمواصلة معركته ضد الحوثيين، حلفائه السابقين.
لكنَّ الآلاف احتجوا في مدينة تعز عطلة نهاية هذا الأسبوع ضد الدور الجديد الذي حصل عليه طارق محمد عبد الله صالح. إذ يراه الكثير من سكان المدينة الواقعة جنوب غرب اليمن على أنَّه “قاتل” مسؤول عن القتلى المدنيين في تعز.
قال علي الصليوي، وهو نجار شارك في الاحتجاجات التي اندلعت يوم الأحد 15 أبريل/نيسان، إنَّ صالح الأصغر قتل السكان “مرتين”.
وقال الصليوي: “في عام 2011، أصدر توجيهات إلى قواته في تعز بقتل المدنيين بها، وبعد ذلك شارك في قتلهم مرةً أخرى مع الحوثيين أثناء تلك الحرب، لذلك تصعب مسامحته”.
وكان علي عبد الله صالح قد أُجبِر على التنحي عام 2012، وحتى ذلك الوقت كان طارق هو قائد الحرس الجمهوري، وهي قوة النخبة التابعة للقوات المسلحة اليمنية.
وعندما اندلعت الحرب في اليمن بين الحوثيين وأنصار صالح مِن جانب ضد قوات حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي عام 2015، قاتل طارق في الحرب كتفاً بكتف مع المجموعة التي تدعمها إيران ضد القوات الموالية لهادي، الذي خلف عمه في رئاسة البلاد.
في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2017، بدَّل صالح ولائه وأعلن معارضته للحوثيين، وكان طارق هو مَن قاد المعركة ضدهم داخل العاصمة صنعاء وحولها.
يريد ان يصبح قائداً لآلاف من الجنود بعد مقتل عمه؟
في أعقاب مقتل عمه على يد الحوثيين في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، صدرت تقارير تفيد بمصرع طارق أيضاً. بيد أنَّه فرَّ وظهر بعد أسابيع في محافظة شبوة، حيث نشر رسالة فيديوفي 11 يناير/كانون الثاني يدعو فيها إلى وضع حد للحرب.
ثم اتجه إلى الجنوب اليمني وسعى للحصول على ملجأ لدى الإمارات العربية المتحدة التي تسيطر على أغلب المحافظات الجنوبية ومدينة المخا، إحدى مدن محافظة تعز (محافظة شمالية)، وترى أبو ظبي في طارق صالح أيضاً حليفاً لمواجهة الحوثيين في الشمال.
أقامت الإمارات معسكراً ضخماً لطارق صالح في المخا، وتساعده كذلك على إعادة بناء قوات الحرس الجمهوري عن طريق إمداده بالأسلحة والأموال. بالتالي، يمتلك طارق الآن آلافاً من الجنود من الشمال والجنوب تحت إمرته.
محافظ تعز يتهم المحتجين بخدمة الحوثيين.. مدد بالمال والرجال
عقب اندلاع الاحتجاجات في تعز يوم السبت، أشاد محافظ المدينة أمين محمود في بيانٍ بالعلاقات بين تعز والتحالف الذي تقوده السعودية.
وقال إنَّ المحافظة تشارك التحالف، الذي أثنى عليه لإمداده تعز بالأموال والمقاتلين، في مواجهة نفس المصير ويجب ألا يُحقّر أي أحد من ذلك.
وأكمل: “من المعيب أن نسكت عن بعض الأصوات المأجورة التي تحاول الاصطياد في المياه العكرة. وإنَّه لخطأ جسيم، بل جريمة نرتكبها في حق أنفسنا ووطننا ومستقبلنا، أن نسمح لأيٍ كان أن يشق صفوفنا ويسيء لتحالفنا مع أشقائنا”.
واتَّهم منظمو الاحتجاج أيضاً بأنَّهم “طابور خامس” يحاول خلق الفوضى لخدمة الحوثيين.
من يقود المعترضين؟.. القصاص يوحدهم
حالة من القلق أثارها عودة عفاش، والآن تحوَّلت إلى احتجاجات، لأنَّ القوات الموالية للحكومة وكذلك أعضاء الحراك الجنوبي، الذي يطالب باستقلال جنوب اليمن، يدينون صالح باعتباره قاتلاً تَحالَف مع أعدائهم الحوثيين لسنوات قبل أن يُبدِّل ولاءه.
كما أعرب سكان مدينة تعز، وخاصة أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن والذي يُشكِّل أنصاره نسبة كبيرة بين سكان المدينة، عن استيائهم بشكل خاص لأنَّ الإمارات هي عدوهم الرئيسي.
وفي يوم السبت 14 أبريل/نيسان، رفع المتظاهرون لافتات كُتِب عليها عبارات “قاتل أبنائنا لن يحكمنا”، و”طارق عفاش شريك رئيسي في قتل المدنيين وتدمير تعز حتى الآن”.
كيف نجحت الإمارات في الاقتراب من معقل الإخوان!؟
أغلق الصليوي، الذي يعمل كنجار، ورشته يوم السبت للانضمام إلى الاحتجاجات المندلعة في الشوارع. وقال إنَّه من المهم أن يُكرِّم سكان تعز أصدقاء وعائلات مَن لقوا حتفهم إثر انتفاضات عام 2011، مع استمرار طلب مثول كل المتورطين في ذلك للمحاكمة، بمَن فيهم طارق صالح.
وأضاف: “تتطاول الإمارات على تعز بإمدادها طارق صالح بالأموال والأسلحة وترك قوات المقاومة تعاني للحصول على الطعام لمقاتليها. أعتقد أنَّ الإمارات لا ترغب في تحرير تعز، بل تريد خلق المزيد من الفوضى في المدينة”.
أثناء المظاهرة، هتف المتظاهرون بشعارات مناهضة للإمارات والتحالف الذي تقوده السعودية، مُتهِمين القوة التي تقودها السعودية بخيانة تعز ورفضوا أي وجود إماراتي بالمدينة، سواء لدعم طارق أو جعل قواتهم تتولى مسؤولية الأمن عند مدخل المدينة.
يقول عبد الرحمن غانم: “إنَّه على نطاق أوسع، بدأ الوجود الإماراتي في محافظة تعز عندما حرَّرت القوات الموالية للحكومة والتي دعمها التحالف بقيادة السعودية مدينة المخا من قبضة الحوثيين في يناير/كانون الثاني 2017، بيد أنَّ هذا التدخل الإماراتي لم يساهم في مساعدة مدينة تعز على الإطلاق، حسب قوله.
وأضاف: “أنا لا أقبل أي صنيع جيد من الإمارات، وأتمنى أن تكف عن دعم النظام السابق ضد القوات الموالية للحكومة في تعز”.
أنتم حزب مفلس.. فلتحاربوا بدلاً من الشكوى
ويعتقد الكثيرون أنَّ حزب الإصلاح -الذي شجَّع دعاته وقادته الأنصار على التظاهر أثناء صلوات الجمعة- كان هو القوة الرئيسة وراء الاحتجاجات، وهو الادعاء الذي نفاه قيادي بالحزب لموقع Middle East Eye.
وانتقد بعض المحللين السياسيين الحزب، بمن فيهم فتحي بن لزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد ومقرها عدن (التي تتمتع فيها الإمارات بنفوذ قوي).
فكتب الجمعة 13 أبريل/نيسان: “دعوة حزب الإصلاح للاحتجاجات ضد طارق صالح تظهر إفلاس الحزب”.
وقال إنَّه بدلاً من الاحتجاج، يجب على قادة الحزب أن يطلبوا من أعضائه الذهاب إلى الجبهة لتحرير تعز من الحوثيين، لكنَّهم لن يفعلوا ذلك لأنَّهم لا يريدون خسارة مؤيديهم.
وقال لزرق: “يريدون أن يضحي الناس بأنفسهم وأن يحكمهم الإصلاح دون تضحية”.
الإصلاحيون يردون: نحن على الجبهة والقاتل لا يمكن أن يكون قائداً
لكنَّ أحد أعضاء حزب الإصلاح، وهو أحد قادة القوات الموالية للحكومة في تعز، رفض كلام لزرق، قائلاً إنَّ أعضاء الإصلاح وقادته يقاتلون على الخطوط الأمامية لتعز وغيرها.
وقال إنَّ المسألة لا تتمثل في أين يقاتل الإصلاحيون، بل في قيادة شخص يُنظَر إليه باعتباره قاتلاً.
وقال العضو الذي تحدث للموقع البريطاني شريطة عدم الإفصاح عن هويته لأنَّه ليس مُخوَّلاً الحديث لوسائل الإعلام: “لا نريد شخصاً مثل طارق صالح ليقودنا، فقلد قاتل أعضاء الإصلاح قوات طارق في السنوات الثلاث الأخيرة وأبعدوها من عدة مناطق في تعز، لذا من العيب سماع أحدهم يقول إنَّنا لا نقاتل”.
وأضاف أنَّ الإصلاح يعمل عن كثب مع الحكومة والمحافظ، وأنَّه لا توجد خلافات بينهم، لكنَّ وجود طارق صالح تجاوز خطاً أحمر بالنسبة لسكان تعز.
وتابع: “لا يشارك أعضاء الإصلاح في الاحتجاجات بصفتهم أعضاء في حزب الإصلاح، بل بصفتهم سكاناً في مدينة تعز، وكان المحتجون من كل الأطراف والأحزاب السياسية، ولم يكن ذلك احتجاج الإصلاح”.
وأضاف أنَّ وجود طارق في تعز لن يُحرِّر اليمن وسيؤدي فقط لخلق نزاعات داخل القوى الموالية للحكومة، لذا من الأفضل للتحالف الذي تقوده السعودية أن يكبح دور طارق في الحرب.