“دولة الإمارات ستبذل كل جهدها من أجل استقرار محافظة شبوة والجنوب بشكل عام والذي يجب أن يديره أبناؤه سياسيًا واقتصاديًا، لقطع يد الفساد والإرهاب، بناء قوات النخبة يجب أن يكون من أبناء الجنوب فقط، الشكل الحالي لقوات النخبة في حضرموت مرحلة مؤقتة، وسيتم دمج جميع قوات النخبة مستقبلًا في عموم محافظات الجنوب”.
كلمات نقلها سالم العولقي المتحدث باسم ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” في اليمن، عن العميد الركن مسلم الراشدي قائد القوات الإماراتية في حضرموت، خلال لقاءات عدة مع شخصيات اجتماعية وقبلية في مديرية “بلحاف” لمناقشة أوضاع محافظة شبوة”، اتجهت على إثرها الأنظار الإماراتية صوب المحافظة الغنية بالثرواث النفطية، وبدأت من “هيئة الهلال الأحمر” إلى قوات “النخبة الشبوانية”.
تحت غطاء العمل الخيري.. عاصمة النفط اليمنية بيد الإمارات
منذ البداية، راحت الإمارات تروج لأنشطتها الإنسانية تحت غطاء عمل إغاثي وإنساني، يقوده مندوب الهلال الأحمر الإماراتي محمد المهيري، ويساعده فريق محلي يقوده مبارك حمام العولقي، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أهداف هذه التحركات الإماراتية وتداعياتها على الساحة اليمنية.
وتحت يافطة العمل الخيري أيضًا، سعت الإمارات إلى توثيق علاقاتها ببعض القبائل المحلية وشيوخها، متجاهلة دور الحكومة الشرعية اليمنية، وجعلت من “الهلال الأحمر” الإماراتي “ورقة إنسانية” تستخدمها في خطواتها العسكرية في اليمن، وفي خطوات السيطرة على حقول النفط والغاز في محافظة شبوة، كما هو الحال في محافظة المهرة، حيث تسعى الإمارات منذ أشهر إلى أن يكون لها وجود وحضور هناك عبر تدشين حملات إغاثة بين وقت وآخر.
الملفت أن التحركات العسكرية التي تقودها قوات “النخبة الشبوانية” ترافقها حملات تقديم مساعدات غذائية بشكل شبه يومي لكثير من المديريات الشبوانية من قِبل “الهلال الأحمر”، خصوصًا تلك التي تقرر اقتحامها ودخولها، وحدث ذلك في مديرية “دهر”، بالتزامن مع تحركات عسكرية واسعة من قبل قوات “النخبة” بهدف السيطرة عليها، الأمر الذي جعل التحركات الإماراتية تُقرأ في سياق أبعد ما يكون عن رغبتها في استقرار المناطق والمديريات التابعة لشبوة وحمايتها من “القاعدة”.
في الوقت نفسه، فإن المنظمات الإنسانية الإماراتية العاملة في اليمن يديرها ضباط يتبعون أجهزة استخباراتية إماراتية، وبات العمل الإنساني في مكاتب تلك المنظمات يستعمل للتغطية على الأنشطة الاستخباراتية الإماراتية بالتعاون مع الأمريكيين، بإشراف من ولي عهد أبو ظبي على تلك الأنشطة بنفسه.
محاربة “القاعدة”.. هكذا تمضي خطط الهيمنة
وبعد الأحاديث التي أثيرت عن الدور المشبوه للإمارات في اليمن، إضافة إلى ما نشرته منظمات حقوقية عن علاقتها بسجون سرية في حضرموت، أصبحت أبو ظبي بحاجة لذريعة لإرسال ونشر قوات موالية لها في “شبوة”، بعد أن أدركت جيدًا أن التنظيم سينفذ عمليات ضد تلك القوات، حيث سبق أن هدد باستهداف كل التشكيلات العسكرية والشخصيات المحسوبة عليها، قبل أن تترجم ذلك إلى واقع من خلال العمليات التي استهدفت قوات محسوبة على الإمارات في عدد من المحافظات اليمنية.
العمليات التي نفذها تنظيم “القاعدة”، قوت من شوكة الإمارات، فانتقلت على إثرها إلى الدور العسكري المباشر، وأرسلت إلى محافظة شبوة دفعات جديدة من “قوات النخبة” التي مولتها وأشرفت عليها بعيدًا عن وزارتي الدفاع والداخلية، وتحدثت وسائل الإعلام الإماراتية عن تلك التحركات بوصفها “عملية نوعية” ضد تنظيم القاعدة في شبوة، نفذتها قوات تتلقى أوامرها من ضباط إماراتيين، بإسناد من القوات الإماراتية والأمريكية، بينما تجنبت الحديث عن سقوط قتلى بسبب فرار عناصر التنظيم إلى محافظات أخرى.
وعلى خلاف ما نُشر، نفت مصادر يمنية محلية وجود أي عمل عسكري أو مواجهات بين القوات المحسوبة على الإمارات والتنظيم الذي ينشط في المحافظة النفطية، مضيفة أن “قوات النخبة” باشرت – فور وصولها إلى المحافظة بأرتال كبيرة خشية استهدافها – إطلاق النار في الهواء عند مفرق الحوطة ـ عزان، للإيهام بوجود مواجهات، خصوصًا أن مدينة عزان التابعة لمديرية ميفعة، تعد المعقل الأهم للتنظيم في المحافظة.
وبينما تدعي الإمارات محاربة الإرهاب متمثلاً في تنظيم القاعدة في اليمن، كشف تقرير لفريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية في اليمن عن دور الإمارات في انتشار تنظيم القاعدة في اليمن، حيث تقدم أبو ظبي تمويلاً لجماعات مسلحة مثل “جماعة أبو العباس” (السلفي) المتحالفة مع تنظيم القاعدة في تعز، فالمدعو “أبو العباس” سمح خلال صراعه مع الحوثيين بالحد من نفوذ حزب الإصلاح الذي تعاديه الإمارات بحكم أنه من جماعة الإخوان المسلمين، وانتشار عناصر تنظيم القاعدة داخل مدينة تعز بوصفهم عامل يضاعف من فاعلية قواته.
صراع ظاهره سياسي وباطنه نفطي
بين الحديث عن “محاربة الإرهاب” ودعمه في الوقت نفسه، حرصت الإمارات على التوغل في شبوة، أبرز المحافظات اليمنية على خارطة الأهمية الاقتصادية والسياسية، وثالث أكبر المحافظات اليمنية، وتتوزع مساحتها في 17 مديرية، تقع في وسط الجزء الجنوبي من البلاد – تطل على بحر العرب – وتشهد المحافظة أعمالاً واسعة للتنقيب عن النفط والغاز من شركات عالمية، كما يوجد بها وفرة من المعادن كالزنك والفضة والرصاص والملح الصخري.
ويتهم مراقبون أبو ظبي بوضع يدها على منابع النفط بشكل أساسي، حيث أجبرت أفراد الحماية السابقة التابعة لعلي محسن الأحمر والموالية للسعودية على مغادرة حقول النفط والغاز، وحلت مكانها القوات الإماراتية وحلفاؤها، كما أكد مهندسون أيضًا يعملون في حقل “بلحاف” لتصدير الغاز -أكبر منشآت نفطية في اليمن- أن الإمارات تسيطر الآن بشكل كامل على المنشأة بعدما أرسلت كتيبة من نحو ثلاثمئة جندي تابعين لها لتولي السيطرة على الحقل النفطي.
وتبين من توغل الإمارات في شبوة أن جميع المعسكرات الرئيسية تقع بالقرب من منابع النفط وموانيه، حيث تسيطر قوات “النخبة الشبوانية” على معسكران رئيسيان أهمهما يقع في ميناء بلحاف الاستراتيجي المخصص لتصدير الغاز المسال والذي بات منطقة عسكرية مغلقة يديرها ضباط إماراتيون وقوات النخبة التي يشتبه في تسهيلها مرور أسلحة لقوات صالح والحوثيين عبر الميناء بالتنسيق الكامل مع الإمارات.
ويعكس الهدف الرئيسي من عملية نشر الإمارات قوات “النخبة” خطط أبو ظبي للاعتماد على الغاز الطبيعي اليمني لسد حاجتها من الغاز دون تنسيق مع الحكومة الشرعية في اليمن، وكانت شركة توتال الفرنسية التي تمتلك حق التنقيب وتصدير الغاز المسال باليمن قد أعلنت خلال الأسابيع الماضية استئناف عملها لتصدير الغاز بعد أن تلقت ضمانات من الإمارات بتأمين العمل والإنتاج.
كما تبين من سعي أبو ظبي لحصر مجنديها في مديريات المحافظة أنها تسعى لتحقيق عدة مكاسب، أهمها التحكم في الخط الدولي الرابط بين شبوة والسعودية، لإضعاف الدور السعودي في المحافظة بسبب تحالف الرياض مع الحكومة اليمنية الشرعية، وتجاهلت بذلك قبيلة العوالق واكتفت بالتنسيق مع قوات النخبة والمشايخ الموالين لها.
وأثارت تحركات الإمارات المنفردة للسيطرة على الحقول النفطية في شبوة حفيظة السعودية، وهو ما يفسر مسارعة الأخيرة للحديث عن توقيع عقود بين شركة أرامكو السعودية وحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لتعزيز التعاون بين الجانبين بما ينمّي فرص المصالح المشتركة والاستثمار المستقبلي في مجال النفط والغاز.
وزادت ممارسات الإمارات من وتيرة الصراع السعودي الإماراتي على ثروات اليمن، إذ يحشد كل طرف القوات الموالية له من أجل السيطرة عليها، فالسعودية قامت بتغيير محافظ شبوة المحسوب على أبو ظبي، فيما قامت الإمارات بتشكيل ما يُعرف بـ”قوات النخبة الشبوانية” للسيطرة على الأرض، والاستحواذ على النفط والغاز الموجود في تلك المحافظة الاستراتيجية.
ما هو أبعد من القاعدة
على نحو يناقض كل الأهداف التي جاء من أجلها التحالف العربي، يبدو جليًا أن الإمارات تنجر وراء أجندتها المشبوهة في اليمن، فالانتشار العسكري في محافظة شبوة يكرس غايات أخرى غير التي أُعلنت، وترسم عدة خطوط عريضة حقيقة الصراع الجديد في شبوة، وحقيقة المساعي التي تقوم بها الإمارات هناك، ومنها:
– السيطرة على الجنوب اليمني: بعد أن أصبحت كل منابع النفط اليمنية في جنوب البلاد بيد الإماراتيين تسعى أبو ظبي لإتمام السيطرة الكاملة على المحافظات الجنوبية عبر محافظة شبوة الغنية بالثروات الطبيعية، فهي من أنشأ قواعد عسكرية لها في كل من عدن وحضرموت وأكبر قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية يجري العمل على إكمالها، بهدف تعزيز النفوذ العسكري في باب المندب والسيطرة على المواني اليمنية.
– تركيع الاقتصاد: حرصت الإمارات أكثر على تجريد الحكومة الشرعية من أهم الموارد الاقتصادية التي تشكل قوام نفوذها وتأثيرها في الجغرافيا اليمنية، وبدا ذلك واضحًا من خلال وضع قوات موالية لها في مناطق بعيدة عن أي مركز إمداد، كمفرق عين بامعبد في مديرية رضوم، وكمديرية عرماء الحدودية مع وادي حضرموت.
– البحث عن بديل للغاز القطري: بعد إحكام سيطرتها على كل حقول النفط والغاز في جنوب البلاد، تخطط دولة الإمارات للاستيلاء على غاز محطة بلحاف في محافظة شبوة جنوب اليمن ليحل محل بعض كميات الغاز القطري الذي تسعى أبو ظبي للاستغناء عنه، في ظل استمرار حصار الدول الأربعة لقطر.
– استهداف الإسلام السياسي: وتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي تناصبه أبو ظبي سياسية العداء بدعم قوات مناوئة له، للسيطرة على نفط وغاز ومواني شبوة، وفي سياق حربها المعلنة عملت الإمارات على استمرار انحسار نفوذ الحزب في اليمن، فقد أشرفت على إخراجه من حضرموت وإضعافه في عدن، واليوم تسعى لطرده من شبوة.
قوات يمنية بصناعة إماراتية
أنشأت الإمارات من قبل القوات المعروفة باسم “الحزام الأمني” والمرابطة في عدن ولحج وأبين ومحافظات جنوبية أخرى، و”قوات النخبة الحضرمية” في حضرموت، وكلها تشكيلات لا تخضع لمؤسسات الدولة الشرعية، سواء المدنية أو العسكرية، مما أدى إلى ارتكابها انتهاكات وثقتها منظمات حقوقية، منها “هيومن رايتس ووتش” التي قالت إن الإمارات العربية المتحدة تقدم الدعم لقوات يمنية احتجزت تعسفًا وأخفت قسرًا عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية.
ومنذ ثلاثة أشهر، واصلت عزفها المنفرد، وراحت تنسق مع كيانات قبلية دون غيرها، لتجنيد أبنائها ضمن ما بات يعرف مؤخرًا بـ”النخبة الشبوانية”، التي أصبحت ذراعها العسكري لحماية نفوذها وأطماعها التوسعية في النطاق الجغرافي لمراكز الثروة النفطية في شبوة.
واعترفت أبو ظبي بعلاقتها بتلك القوات خلال الحديث عن عملياتها العسكرية في اليمن، وقالت إنها عملت على تدريب وتأهيل قوات من قبائل محافظة شبوة (الواحدي، بلعبيد، بني هلال، بلحارث)، بينما استثنت أبناء مديريات العوالق الثلاث (الصعيد، نصاب، حطيب)، وكذلك مديريات المصعبين في بيحان (بيحان العليا، عين)، بالإضافة إلى مديرية مرخة العليا، ولجأت إلى تشويه ممنهج ضد تلك المديريات واتهمتهم بالوقوف مع الحوثي وصالح، وعمدت إلى توظيف ذلك، بما يضمن لها نفوذًا مبدئيًا هناك.
وسبق للإمارات أن صرحت أنها بصدد تكرار نموذج قوات النخبة الحضرمية في جميع محافظات الجنوب كما تسعى لإنشاء قوات حزام أمني في تعز على غرار ما هو حاصل في عدن، مما يكشف عن أطماع هذه الدولة ورغبتها في النفوذ والسيطرة على مقدرات اليمن من سقطرى حتى المهرة.
ما قامت به الإمارات لم يلق قبولًا لدى الشارع اليمني، لكنه عزز الانقسام الداخلي في اليمن، فضلًا عن مدى الكراهية التي يحظى بها الحوثيون وصالح والموالون لهم، الذين تصدروا المشهد في شبوة من قبل، فيما يتوقع البعض أن جماعة “الإصلاح” وعلي محسن الأحمر ستحاول عدم تسليم المواقع لقوات “النخبة”، الأمر الذي قد يدفعهما للصدام والمواجهة.
*نون بوست