جاء إعلان الحوثيين عن أسباب عدم قصفهم للإمارات كما يفعلون مع السعودية ليلقي الضوء على أسباب تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين، وتأثير ذلك على وضع السعودية في حرب اليمن.
فقد كشف القيادي في مليشيات الحوثي الإيرانية محمد علي الحوثي، الخميس 18 مارس/آذار 2021، عن سبب استثناء الإمارات من هجمات الجماعة، وتركيزها فقط على السعودية، قائلاً إن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي أرسل إلى أبوظبي رسالة نصحهم فيها بالتوقف عن حرب اليمن، مشيراً إلى أن الإمارات أعلنت انسحابها رسمياً من الحرب في اليمن، وعلى إثر ذلك توقف استهدافها.
ومن المعروف أن الإمارات كانت قد سحبت بعض قواتها من بعض المناطق، لكنها لا تزال تحتفظ بنفوذها في مناطق محددة، وتؤكد أنها متمسكة بالتزاماتها تجاه حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً.
هجمات نادرة حتى في ذروة مشاركة الإمارات في حرب اليمن
حتى قبل إعلان الإمارات انسحابها الشكلي من اليمن، فإنه نادراً ما استهدف الحوثيون الأراضي الإماراتية بهجماتهم، الأمر الذي يؤشر إلى أن تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين سابق على انسحاب أبوظبي من اليمن.
ورغم أن الحوثيين نجحوا في إجراء تجربة صاروخية تصل إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي فإن مليشيا الحوثي لم تطلق أي صاروخ منذ منتصف عام 2019 باتجاه الإمارات، وقبل ذلك نفذوا هجمات محدودة، ولكن ذات تأثير معنوي كبير على الإمارات منها هجوم على مطار أبوظبي في عام 2018، كما سبق أن أعلن الحوثيون عام 2017 أنهم قصفوا مفاعل براكة النووي بالإمارات بصاروخ كروز.
في المقابل، قصف الحوثيون الأراضي السعودية بمئات من الصواريخ والطائرات المسيرة على مدار سنوات الحرب اليمنية.
وسبق أن طرح ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، تساؤلاً عن سر استمرار الهجمات ضد السعودية وتوقف الحوثيين عن مهاجمة الإمارات، ملمحاً إلى تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين أو وجود تفاهمات بينهما.
وقال “أقطاي” في مقال نشره في صحيفة “يني شفق” التركية، منتصف أغسطس/ آب 2020: إن “الحوثيين في اليمن المدعومين من طهران مباشرة يوجهون صواريخهم نحو العاصمة السعودية الرياض، بيما لم نشهد صاروخاً واحداً حوثياً يوجه صوب الإمارات”، حسب تعبيره.
كما أن حجم الاشتباكات بين الحوثيين وبين الإمارات وحلفائها اليمنيين كان ضئيلاً جداً بالمقارنة مع معارك الحوثيين مع السعودية وحلفائها واليمنيين، الذين تحملوا العبء الأكبر من القتال.
وسبق أن ألمحت الإمارات إلى توصلها إلى تفاهمات مع جماعة الحوثيين، حيث اعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية السابق، أنور قرقاش، أن للحوثيين دوراً في مستقبل اليمن.
في يوليو/تموز 2019، كشف نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم، عن وجود قنوات تواصل سرية بين الحوثيين والإمارات عبر إيران.
وقال “نعيم” في حوار مع قناة “الميادين” المقرب لحزب الله ولإيران: إن “هناك لقاءات تحدث بين مسؤولين من الإمارات ومسؤولين من الحوثيين لتنظيم خطوات عملية الانسحاب الإماراتي من اليمن”.
والواقع أن أسباب تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين، أكبر من مدى مشاركة أبوظبي في الحرب في اليمن، بل أكبر من اليمن نفسه، وهي ترتبط بنظرة الإمارات إلى المنطقة برمتها وشبكة علاقتها الكامنة وغير الظاهرة بالقوى الفاعلة فيها.
أسباب تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين
كلاهما يؤيد الانفصال ويعادي الحكومة الشرعية
الإمارات تنزع لتأييد انفصال الجنوب عن الشمال، حتى لو تعلن ذلك، ولكن دعمها للانفصاليين الذين يجاهرون بهذا المطلب معروف.
وهو أمر يعزز مصالح الحوثيين الذين يسيطرون فعلياً على شمال اليمن وليس لديهم نفوذ أو وجود يذكر في الجنوب.
ورغم أن الحوثيين لم يعلنوا تأييدهم لانفصال الجنوب أو عزمهم إقامة دولة مستقلة في الشمال، إلى أن واقع سياستهم يشير إلى أنهم يريدون الانفصال بالشمال أو الاستئثار به في أفضل الأحوال، وبالتالي تحول الجنوب إلى دولة أو دولية يعزز مشروعهم، ويؤدي إلى تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين.
كما أن الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والمدعومة من السعودية والتي تتخذ من عدن عاصمة الجنوب مقراً مؤقتاً، هي بمثابة عدو مشترك لكل من الإمارات والحوثيين وكذلك لأتباع أبوظبي من الانفصاليين الجنوبيين.
فممارسات الإمارات والانفصاليين الجنوبيين تجاه هذه الحكومة من هجمات واعتقالات لأعضائها، قد أضعفتها في مواجهة الحوثيين وساعدهم على تحقيق انتصارات في جبهة الشمال.
ويعتقد الدكتور عبدالباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، بوجود تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين، حيث يرى أن استراتيجية الحوثيين حتى قبل إعلان انسحاب أبوظبي تقوم على استنزاف السعودية والحكومة الشرعية باليمن، مقابل استثناء الإمارات من أي استهداف عسكري حتى داخل الأراضي اليمنية.
ونقل موقع “الخليج أونلاين”عن شمسان قولة : “مشروع الإمارات في المناطق الجنوبية في اليمن يخدم المشروع الحوثي، نظراً لأن استهداف الإمارات وحلفائها للسلطة الشرعية اليمنية يؤدي إلى إيجاد أحزمة وبؤر صراع في الجنوب، وترك الحوثيين لتأسيس سلطتهم في المناطق الشمالية”.
العداء لحزب الإصلاح
العنصر الثاني وراء تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين هو عداء الطرفين لحزب الإصلاح اليمني الإسلامي.
فهذا الحزب هو العدو الأول للحوثيين لأنه يمثل أكبر مكون شعبي مناهض لمشروع الحوثيين في اليمن الشمالي، والداعم الأكبر للحكومة الشرعية في اليمن بشماله وجنوبه.
كما أن حزب الإصلاح له وجود كبير في الجنوب (فعلياً هو الحزب الوحيد الكبير الذي له وجود مؤثر في الشمال والجنوب)، ويلعب الحزب دوراً في التصدي لمشروع الانفصال في الجنوب، وكذلك تقوية موقف الحكومة الشرعية في مواجهة اعتداءات الانفصاليين.
ولا تخفي الإمارات وحلفاؤها الانفصاليون عداءهم للإصلاح في الجنوب، بل إنهم استهدفوا رموزه أو المقربين له، إضافة إلى التحالف مع قيادات سلفية متطرفة في مواجهته.
المنافسة مع الحليف السعودي
رغم أن الإمارات يفترض أنها دخلت اليمن لدعم السعودية بالأساس، فإن الواقع يشي بأمر مختلف.
فأولاً حجم التدخل الإماراتي الواسع في اليمن وتكلفته المادية والبشرية لا يمكن أن تكون لمجرد مساعدة السعودية، مهما كانت العلاقة وثيقة بين البلدين.
الأمر الثاني أن نهج الإمارات في اليمن بعد دخولها إليه كان هدفه خلق مناطق نفوذ خاصة بها، وإضعاف الحكومة الشرعية المدعومة من الرياض، والبحث عن أتباع للإمارات بعيداً عن النفوذ السعودي، مثل الانفصاليين أو بعض المجموعات السلفية أو نجل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح.
وفعلياً كان أغلب الجهد العسكري الإماراتي مخصصاً لإيجاد مناطق نفوذ خاصة بها، سواء عن طريق الاستيلاء على مناطق محتلة من قبل الحوثيين مثلما حدث في عدن وبعض المحاولات في الحديدة، أو التوغل في مناطق لم يصل لها الحوثيون مع استغلال انشغال السعوديين لملء الفراغ بها.
ولكن الأسوأ كان طرد قوات الحكومة الشرعية الحليفة للرياض من بعض المناطق وتسليمها للحراك الجنوبي.
فعلاقة الإمارات بالسعودية كانت خليطاً من التعاون والتنافس مع غلبة الأخير، خاصة بعد فشل الإماراتيين في مشروعهم لطرد الحوثيين من مدينة الحديدة.
وفعلياً الوقت والجهد الذي بذله الإماراتيون وحلفاؤهم في محاربة حلفاء السعودية في اليمن لاسيما في الجنوب، أكبر من الذي خصصوه لمحاربة الحوثيين بكثير.
فتش عن المصالح الإماراتية المشتركة مع إيران
الدافع الرابع وراء تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين، (الذي يلعب دوراً في سياسة الإمارات كلها بالمنطقة)، هو العلاقة الإماراتية الملتبسة مع إيران داعم الحوثيين الأول (والوحيد تقريباً)، وكذلك المصالح الإيرانية مع الإمارات مثل وجود جالية إيرانية كبيرة هناك، وكون الإمارات وخاصة دبي موطناً لاستثمارات إيرانية كبيرة، ونقطة تواصل بين طهران المحاصرة والعالم.
إضافة إلى ذلك هنالك العلاقات التجارية الوثيقة بين البلدين، إذ تعتبر الإمارات أكبر شريك تجاري عربي لطهران، حيث بلغ التبادل التجاري بينهما 13 مليار دولار عام 2017.
فرغم أن الإمارات هي الدول العربية الوحيدة التي تحتل إيران جزءاً من أراضيها، وتحديداً الجزر الإماراتية الثلاث الواقعة في أحد أهم الممرات المائية في العالم، ورغم أن الإمارات جزء من التحالف الخليجي الذي يخشى إيران سواء لأسباب قومية أو مذهبية أو سياسية ويتهمها بالتدخل في شؤون الخليج الداخلية، وتهديد وحدة أقطار المنطقة.
فإن الواقع أن سياسة الإمارات يغلب عليها التفاهم والتنسيق مع إيران، حتى بعد أن ضربت طهران أهدافاً إماراتية في عمليات تبدو غامضة ولكن الجميع يعرف مصدرها، مثلما حدث في هجوم الفجيرة في عام 2019.
ولكن الإمارات أرسلت بعد هذه الهجمات وفي ذروة التوتر السعودي الأمريكي مع إيران وفوداً أمنية لطهران.
عملية الفجيرة نقطة فاصلة في العلاقة مع المحور الإيراني
“المشروعان الإماراتي والإيراني في المنطقة متوازيان، وهو ما يؤدي إلى تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين”، حسبما يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني عادل دشيلة.
ولفت في هذا الصدد إلى أن الحوار الذي حدث بين الإماراتيين والإيرانيين عقب تفجيرات الفجيرة في مايو/آيار 2019، “كان بداية لإنهاء أي توتر بين الإمارات والحوثيين، حيث لم تتعرض أبوظبي لأي هجمات منذ ذلك الوقت حتى على قواتها داخل الأراضي اليمنية”.
ويؤكد لـ”الخليج أونلاين” أن التفاهمات بين إيران والإمارات “ضغطت على الحركة الحوثية بحيث باتت لا تستهدف إلا السعودية”.
غير أن مظهر التقارب الأكبر والأغرب بين الدولتين يظهر في سوريا، حيث لم تعد تخفي الإمارات دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي هو جزء من التحالف الشيعي الذي تقوده إيران، رغم علاقة الأسد الوثيقة مع حزب الله الذي يستهدف السعودية وغيرها من دول الخليج.
ولقد بدا الدعم الإماراتي واضحاً في الاتصال الهاتفي الذي أجراه الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، مع الأسد العام الماضي، وأعلن أن هدفه مساعدة سوريا على مكافحة جائحة كورونا، (رغم أن دمشق كانت تقول في ذلك الوقت إن انتشار الفيروس لديها محدود).
ولكن تبين أن هدف الاتصال هو عرض الإمارات على الأسد تقديم 3 مليارات دولار مقابل إفساد وقف إطلاق النار الذي أبرم بوساطة روسية مع تركيا في إدلب، حسبما كشف موقع Middle East Eye البريطاني في أبريل/نيسان 2020.
ويظهر هذا الموقف أن الإمارات تتجاهل تناقضها الأساسي مع إيران التي تحتل أرضاً إماراتياً وتنفذ عبر حلفائها في العراق وسوريا واليمن تطهيراً طائفياً ضد ملايين العرب (أدى فعلياً لتغيير التوازن الديموغرافي لسوريا).
في المقابل فإن الإمارات لديها استعداد للتفاهم مع إيران وحلفائها لأن الأولوية لديها هي العداء للربيع العربي والديمقراطية وتيار الإسلام السياسي المعتدل والمحور التركي القطري، علماً بأنها لا تظهر نفس الحساسية مع السلفيين، وهي أمور تبدو واضحة تماماً في حالة اليمن، وساعدت على تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين هناك.
ولكن الإشكالية الكبرى أن هذا النهج الإماراتي في اليمن، قد أضر بشدة بأكبر وأقرب حلفاء الإمارات وهي المملكة العربية السعودية، التي ما زالت تتعثر في حسم الحرب، وتتعرض أراضيها لهجمات صواريخ ومسيرات الحوثيين التي قد لا تكون مؤثرة عسكرياً ولكنها محرجة سياسياً.
في المقابل، فإن الإمارات ما زالت تحافظ على نفوذها في اليمن بعيداً عن المعركة مع الحوثيين، وباتت بمنأى عن هجماتهم وعن السمعة السلبية لهذه الحرب المدمرة التي تؤذي الرياض وحدها.