ملامح حرب باردة وفتور في العلاقات بين رأسي التحالف: هل أدركت الرياض خطيئة التحالف مع أبوظبي في ملف اليمن؟

Editor25 فبراير 2021
ملامح حرب باردة وفتور في العلاقات بين رأسي التحالف: هل أدركت الرياض خطيئة التحالف مع أبوظبي في ملف اليمن؟

تعد الحرب اليمنية المندلعة في مارس 2015م أول تدشين رسمي للحلف العسكري المشترك بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويأتي بعد أول تحالف سياسي أقامه الطرفان في أعقاب ثورات الربيع العربي، وانطلق في الجغرافيا المصرية، مطيحاً بنظام الرئيس السابق محمد مرسي.

وإن كانت وجهات النظر مختلفة فيما حصل في مصر ومدى مصلحة الرياض من هذا التغيير السياسي العميق، إلا أن التحالف السعودي مع الإمارات فيما يتعلق بالملف اليمني قد خلق – وفق مراقبين – الكثير من الأزمات الجيوسياسية والاستراتيجية بالنسبة للرياض، بات التعامل معها أصعب بكثير مما كان عليه الوضع قبل ست سنوات، حينما أطلق الحلف الخليجي الناشئ أول غارة على العاصمة اليمنية صنعاء مستهدفاً مواقع جماعة الحوثيين بعد انقلابها على الرئيس اليمني المنتخب عبدربه منصور هادي.

وبدأ التصدع في التحالف السعودي الإماراتي في يوليو 2019م، عقب إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن. حينها كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن تصاعد الخلافات بشأن الاستراتيجية التي يجب اتباعها في اليمن، والتي تسبب الاختلاف السعودي-الإماراتي حولها في تعميق الأزمة بين البلدين، واعتبرت الرياض انسحاب الإمارات توريطاً متعمداُ للرياض في الحرب خاصة بعد تركها وحيدة في مواجهة تبعات الأخطاء الجسيمة التي أحدثتها أبوظبي وقوضت مسار الصراع لصالح الحوثيين.

وعلى عكس الرياض التي يبدو أنها تواجه الكثير من الأزمات والألغام في الملف اليمني، ابتداءَ من التعاظم الكبير في القدرات العسكرية لجماعة الحوثيين المتواجدة على الحدود الجنوبية للمملكة، وليس انتهاءً بأزمة انقلاب المشروع الإنفصالي على العاصمة المؤقتة عدن وتقويضه للحكومة الشرعية المدعومة من السعودية، تقف الإمارات في مأمن من الحرائق التي أشعلتها ف اليمن لعوامل عدة، فهي أولاً بعيدة جغرافياً عن هذه الدولة المنهارة وبالتالي فإن تأثير انهيار النظام في اليمن لن يمس إلا الدول المرتبطة حدودياً به (عمان والسعودية)، كما أن أبوظبي تسيطر بشكل مطلق على الشريط الساحلي الجنوبي لليمن وعلى النسبة الأكبر من الشريط الساحلي الغربي له، بالإضافة لسيطرته المطلقة على العاصمة المؤقتة عدن.

وبلغة الأرقام الجيوسياسية فإن أبوظبي تملك سيطرة مطلقة على جميع الموانئ والمنافذ اليمنية على البحر العربي والبحر الأحمر عدى مينائي الحديدة والصليف التي يسيطر الحوثي عليهما، كما تسيطر على أهم مطار في اليمن (مطار عدن) بينما لا تسيطر الرياض على شيء.

غضب سعودي وملامح حرب باردة:

ومؤخراً، ظهرت بعض الخلافات إلى العلن وتصاعدت بشكل كبير بين الدولتين، ما يشير إلى حدوث تغييرات جوهرية في التحالف بينهما؛ أبرزها التقارب مع قطر والخلافات داخل منظمة أوبك، والإعلان السعودي الأخير فيما يتعلق بالشركات الأجنبية، الذي يهدف إلى سحب البساط من تحت إمارة دبي الإماراتية.

وتشير هذه الخطوات إلى أن التحالف الاستراتيجي بين السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، والإمارات بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفكاك، ما قد يؤدي إلى حدوث تغييرات جوهرية في تحالفات المنطقة.

وعقب إعلان دولة الكويت، مطلع ديسمبر 2020، التوصل للمصالحة بين دول الخليج، سارعت السعودية وقطر للترحيب بالإعلان، فيما تجاهلت الإمارات وإلى جانبها البحرين ومصر الأمر عدة أيام، قبل أن ترحب لاحقاً، ما يشير إلى عدم رضاها عن ذلك الإعلان.

وكان لافتاً الاحتفاء السعودي الكبير من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال مشاركته في قمة العُلا مطلع 2021، بعد أكثر من ثلاث سنوات من قطع العلاقات، في حين أبدت الإمارات امتعاضها من المصالحة.

ورطة “بايدن” تفاقم أزمة الرياض

عقب أيام من تنصيبه رئيساً جديداً للبلاد، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 4 فبراير 2021، وقف دعم الولايات المتحدة للعمليات الحربية في اليمن. وفي خطوة لافتة أكدت سعي النظام الأمريكي الجديد لتحميل الرياض تبعات الملف اليمني تم الإعلان عن تعيين مبعوث أمريكي خاص باليمن (تيموثي ليندر كينغ).

كل هذه التطورات دقت ناقوس الخطر في السعودية، باعتبارها مقدمات لفرض حل سياسي في اليمن تصبح معه جماعة الحوثيين حاكمة على مناطق شمال البلاد، وإجهاض العملية العسكرية التي تقودها السعودية لإعادة الحكومة الشرعية.

وفي هذا السياق يقول السياسي اليمني فيصل علي إن الرياض استشعرت مخاطر التوجهات السياسية للحكومة الأمريكية الجديدة بالنسبة لليمن، كما أدركت حجم الورطة التي وقعت فيها بسبب 6 أعوام فاشلة في الحرب مارست فيها أبوظبي مختلف أنواع العربدة السياسية والعسكرية بغرض تحقيق مصلحتها الشخصية بعيداً عن المصلحة المشتركة الأهم: إسقاط الحوثيين.

 

الاقتصاد.. شرارة ستشعل فتيل الخلاف

كشفت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، في 19 فبراير 2021، عن وجود صراع اقتصادي يهدد التحالف والصداقة بين السعودية والإمارات، رغم مصالحهما المشتركة، متوقعةً ازدياد حدة المنافسة بينهما مع استنزافهما ثرواتهما من النفط والغاز.

ونشرت الوكالة مقالاً للكاتب والصحفي الأمريكي بوبي غوش، المختص بالشؤون الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا، يقول فيه إن البلدين يسعيان لتحقيق هدف مشترك وهو تقليل اعتماد الاقتصاد على صادرات النفط والغاز، وهو ما يضعهما في مسار تصادمي.

وتوقَّع ازدياد حدة المنافسة بين البلدين مع استنزافهما ثرواتهما من صادرات النفط والغاز، مشيراً إلى توقُّع البنك الدولي وصول الدولتين لتلك المرحلة بحلول عام 2034.

أما فيما يتعلق بسحب الشركات فتقول “بلومبيرغ” إنه على مدار العامين الماضيين كانت هناك منافسة شديدة على المواهب بين أبوظبي والرياض، حيث قدَّمت الأخيرة سوقاً أكبر لجذب الشركات الأجنبية بالإمارات.

وابتداء من عام 2024، سيُطلَب من الشركات الأجنبية التي تسعى للحصول على عقود من الحكومة ومؤسساتها إقامة مقارها الإقليمية في المملكة، بحسب الوكالة، وهو الأمر الذي اعتبره الكاتب “إشارة للشركات الموجودة حالياً في الإمارات للانتقال إلى السعودية، وإلا فستُفوّت فرصاً تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات في أكبر أسواق مجلس التعاون الخليجي”.

الحدود وحقول النفط.. مبتدأ الخلاف بين الجارتين الخليجيتين

الخلاف الحدودي بين الامارات والسعودية يعود ابتداءً الى الثلاثينيات من القرن الماضي حيث جرت مفاوضات بين السعودية وامارة إبوظبي وهكذا عمان وقطر، ولكنها لم يتوصل أي من الاطراف الى نتيجة حاسمة، فجرى تجميدها. وفي 21 أغسطس 1974 تم توقيع إتفاقية حدودية بين الامارات والسعودية لترسيم الحدود بحيث تكون منطقة العيديد الغنية بالنفط في الحدود السعودية.

الحقد الإماراتي الدفين على السعودية بسبب خور العيديد خرج للعلن مؤخراً بعد أن قام نجل رئيس دولة الإمارات الشيخ سلطان بن خليفة آل نهيان بنشر صورة لخريطة لدول الخليج العربي تظهر فيها العيديد داخل الحدود الإماراتية، ما أشعل الخلاف وأخرجه من القنوات الداخلية إلى العلن.

وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي الأردني سعيد القاسمي إن الإمارات تشعر بأنها باتت قوية وذات نفوذ في المنطقة، خاصة مع توغل نفوذها في اليمن وسيطرتها على منطقة باب المندب، وتريد أن تبتز الرياض بهذا الوضع الجيوسياسي الجديد. وعلى الجانب الآخر ترفض الرياض هذه المساومات وتعدها تجاوزاً خطيراً من قبل حليف انتهازي.

“إسبرطة” في الخليج

كتبت مراسلة صحيفة صانداي تايمز البريطانية لويز كالاهان تقريراً من اليمن عن القواعد العسكرية الإماراتية فيها وقالت إنه من نافذة المروحية التي تعبر مضيق باب المندب، يمكنك رؤية مساحة الثكنات الملونة بلون الطين والتي تحرسها أنظمة صواريخ باتريوت الأميركية.

وكتبت أن منطقة الخوخة كانت بمنزلة ركن هادئ في اليمن، شواطئها المليئة بالنخيل تصل إلى أميال. اليوم فيها عرض للقوة العسكرية المتزايدة للإمارات. هذا التحوّل قد جعل جنرالات الولايات المتحدة في أفغانستان يطلقون على الإمارات تسمية “إسبرطة الصغيرة”: قوة عسكرية مخصصة لإعادة رسم توازن القوة الدقيق في المنطقة.

هذا التوغل اللامسبوق في الدول العربية جعل القيادة الإماراتية تشعر بنشوة غامرة وبأنها أصبحت أقوى دولة عربية في المنطقة، مسقطة السعودية من هذه المكانة.

الشعور بهذه القوة الطاغية كان بارزاً في فلتات اللسان والتصريحات العنترية التي وردت عن قيادات إماراتية وازنة، كأمثال مستشار ولي عهد أبوظبي عبدالخالق عبدالله والذي قال في إحدى تصريحاته بخصوص المصالحة الخليجية: قطار المصالحة لم يمشي شبراً واحداً دون مباركة إماراتية، وقال في تصريح آخر بعد نجاح انقلاب الإنفصاليين في عدن: مجدداً يثبت الرمز الدولي 971 أنه إذا قال فعل.

تقسيم السعودية وتحجيم دورها خارجياً

أعلنت السعودية أن هناك مؤامرة لتقسيم المملكة إلى خمسة أقاليم، وكشفت أن هذا المخطط لتنظيم «داعش» الذى قسم البلاد السعودية إلى مناطق شمالية وجنوبية وشرقية وغربية ووسطى، وفى الحقيقة أن مخططات التقسيم ليست داعشية فحسب وإنما هى غربية – إماراتية.

وترى أبوظبي في الحوثيين فرصتها الثمينة لتقسيم المملكة السعودية أو على أقل تقدير إضعافها وإبقائها تحت طائلة التهديد المستمر للعصابة المليشياوية. ولهذا فقد عملت الإمارات على تمكين الحوثيين من السيطرة على العاصمة صنعاء، ثم حينما أرادت الرياض إخراجها بالقوة وإعادتها إلى صعدة دخلت أبوظبي المعركة وفخخت المشهد برمته وقوضت المساعي الرامية لحسم القتال مع الحوثيين عسكرياً.

https://www.youtube.com/watch?v=eO_ATplLXDo

وفي سبيل تحقيق مطامعها الكبيرة مدت أبوظبي جسور التواصل مع العدود اللدود للسعودية (النظام الإيراني) وأنشأت معه علاقات متينة خلال السنوات الماضية، توجتها بالتوقيع على اتفاق أمني مشترك بين البلدين.

كما حاولت أبوظبي تحجيم النفوذ السعودي الكبير في أروقة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية وضخت مبالغ مالية مهولة على مدى سنوات في سبيل إنشاء قنوات اتصال موازية مع صانع القرار الأمريكي، كما مولت العشرات من شبكات الضغط لتشويه الدور السعودي في المنطقة وإلصاق تهمة التخريب والإرهاب على الرياض.

علاقات دافئة مع إيران

في 10 نوفمبر 2019، وصفت إيران علاقاتها بدولة الإمارات بـ” القوية “، وذلك في ظل تقارب أبوظبي السياسي والتجاري مع طهران، ومطالبتها بضرورة اللجوء للحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد.

ويصف مراقبون العلاقات بين البلدين بالدافئة، على الرغم من احتلال طهران لثلاث جزر إماراتية، وعلى الرغم من كون جمهورية الخامنئي تعد أكبر تهديد للسعودية والدول العربية السنية في المنطقة.

ورغم جميع الظروف السياسية التي مرّت بها المنطقة فإن هاتين الدولتين حافظتا قدر الإمكان على طبيعة العلاقة والمصالح المشتركة بينهما على المستوى الاقتصادي.

ويشهد البلدان تعاملات تجارية تقدر بمليارات الدولارات، حيث ترتبط إيران منذ عقود بتعاملات وتبادلات تجارية ضخمة مع الإمارات، وتعود العلاقات بين البلدين إلى فترة استقلال دولة الإمارات، عام 1971.

 

وخلال العام 2018، بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس 2018، بارتفاع بلغ 21.18% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لإحصائيات إدارة الجمارك الإيرانية.

ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء فارس عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.

وهناك 4 جامعات إيرانية في الإمارات، وما يزيد عن 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم في الإمارات.

وتعتبر حركة الطيران بين البلدين نشطة جداً، إذ توجد 200 رحلة طيران أسبوعية بين الإمارات وإيران، منها 50 رحلة أسبوعية بين طهران ودبي، وفق إحصاءات وزارة الخارجية الإيرانية

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق