بقلم - عبدالعزيز غالب
34 عاما مضت على نكبة 13 يناير الأسود اليوم الذي حول عدن عاصمة اليمن الاقتصادية بعد الوحدة المباركة إلى ساحة حرب دموية بين الاخوة والرفقاء في النضال والتضحية في مجزرة أقل ما يقال عنها بانها أبشع مجزرة شهدتها الجزيرة العربية آنذاك، حيث تحدثت الاحصاءات عن سقوط أكثر من 13 ألف قتيل في أيام معدودة فضلاً عن نزوح عشرات الالاف نحو المناطق والحدود الشمالية باتجاه الشطر الشمالي من اليمن “الجمهورية العربية اليمنية” سابقاً.
13 يناير تاريخ أسود لا يتذكره أي يمني إلا وقفزت أمام عينيه مظاهر الوحشية وانهار الدماء الناتجة عن معركة شاركت فيها كافة الاسلحة المتاحة بما في ذلك سلاح الجو والبحرية، وتحولت معه المدينة الهادئة إلى كتلة من الخراب والدمار وأصبحت عدن المدينة الوادعة وثغر اليمن الباسم خلال ساعات معدودة إلى كرة نار ملتهبة وساحة اعدامات وتصفيات وقتل بصورة لا يمكن تصورها ولا يستوعبها عقل.
خلافات سياسية وصراعات حزبية بين ابناء الوطن الواحد كانت وراء احداث 13 يناير افرزتها تراكمات سابقة وتباينات في وجهات النظر بين اجنحة الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يطبق سيطرته آنذاك على مفاصل الدولة ويفرض قبضة أمنية مشددة تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الحزب”.
انقسم الرفقاء وتحولوا إلى فرقاء، كل منهما يعد العدة للانقضاض على الاخر، وانقسم الحزب الواحد إلى جناحين وفصيلين “الزمرة والطغمة” يسيران في خطى متسارعة نحو التصادم في لحظة ينتظرها كل طرف ليستأثر بالكعكة ويستولي على كل شئ.
وبين “الزمرة” التي مثلها جناح الرئيس السابق علي ناصر محمد وتنحدر من أبين وشبوة و”الطغمة” التي مثلها جناح على سالم البيض وتنحدر من الضالع ويافع ولحج -وهي مسميات حزبية ما زالت متداولة حتى اليوم-، شبت نار الخلافات والمماحكات السياسية والحزبية بين الطرفين حتى بلغت ذروتها وبدأت كل جهة تعد عدتها لتصفية الأخرى في مسرحية اكتملت فصولها المأساوية يوم الاثنين 13 يناير 1986م، اليوم الأسود الذي دفع فيه أبناء الوطن في الجنوب ثمناً باهظاً جداً، وخسروا خلاله خيرة القيادات الوطنية التي كان لها باع طويل في النضال والتضحية من أجل الحرية والاستقلال ابان الاستعمار البريطاني، فضلاً عن اسهاماتها في مسيرة النضال من اجل اعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي تكللت بجهودهم في 22 مايو 1990م.
اليوم تتشابه الرجال والصفات وتعود المسميات القديمة تبرز على السطح من جديد في محاولة لاستنساخ الماضي الأليم بكل تجلياته، ولكن هذه المرة بمؤثر خارجي، وعامل اقليمي، يسعى إلى عكس ما سعى إليه السلف، وهو فصل جنوب اليمن عن شماله، ويعود اصحاب مصطلح “الطغمة ” ولكن تحت مسمى جديد هو “اصحاب القرية” بأجندة جديدة يدفعون من خلالها بأبناء الجنوب إلى الاقتتال من جديد وتكرار سيناريو يناير الدامي، الذي ما زال الجميع يدفع ضريبته إلى اليوم رغم الشعارات الفضفاضة عن التصالح والتسامح بين ابناء الجنوب.
ما زال البعض لم يستفد من الدرس ولم يستخلص العبرة من كل تلك الاحداث التي مثلت ذروة المآسي والمحن التي عاشها اهلنا في جنوب الوطن وتأثر بها الشمال كثيراً والتي كانت أيضاً نتاجاً طبيعياً لمواقف خاطئة تماماً في معالجه الاوضاع في الجنوب والتعاطي مع الشأن الوطني العام حينها، لتأتي اليوم قلة لا تغادر حقيقتها ولا تخفي طبيعتها شديدة التخلف ولا تمثل إلا نفسها لتعيد عجلة الزمن وتفرض على الجنوب والجنوبيين بسلوكياتها القذرة والمرفوضة والمستنكرة أجندة ملغومة تقضي على ما تبقى من أمل لليمنيين في وطن آمن ومستقر في ظل يمن أتحادي قوي.
فلم يكن الدكتور أحمد عبيد بن دغر مبالغاً عندما حذر في يناير 2018 من محاولة تكرار مذبحة 13 يناير 1986 الدموية في عدن، وعندما قارن تمخضات تلك الاحداث في هذه المحافظات نفسها بتلك التي حدثت قبيل المجزرة والتي لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم، فالصورة لم تنمحي من الذاكرة، وهو ايضاً يدرك تماماً أن مجزرة 13 يناير ستظل واحدة من أبشع صور المآسي التي مر بها اليمنيين بل وأعنفها وأكثرها وحشية وانها ستظل أيضاً وصمة عار في جبين السياسيين الذين جعلوا من المناطقية والتعصب الأعمى لهذا التوجه السياسي أو ذاك خندقا للتمترس وراء القتل والاعتقال من أبناء وطنهم طمعا في كرسي حكم انتهى في الغالب بمحارق ومقابر جماعية وتهجير واخفاء قسري.
واليوم تطل علينا الذكرى الـ 34 لمذبحة 13 يناير في عدن ونحن نترقب مرور هذ الشهر على عدن بسلام فلم تعد هذه المدينة تحتمل اكثر من ما أصبحت عليه اليوم وما آلت إليه احوالها على أيدي العابثين والغوغائيين القادمين من خارجها.