بقلم - محمد دبوان المياحي
ما يزال الإصلاحي يثبت تفوقه الأخلاقي على خصومه في كثير من المواقف الكاشفة.
لم يتساءل الإصلاحيون عن انتماء الحمادي الحزبي، قربه أو بعده من هذا الطرف أو ذاك، لم يفتشوا في توجهه السياسي أو ضميره المخفي، لم يلتفتوا لحساسياتهم الصغيرة تجاهه حين تعلق الأمر بمقتله، تناسوا كل توجساتهم العامة وتدافعوا للتعبير عن فاجعتهم برحيله وبموقف موحد وثابت.
لم يتذكروا سوى شيء واحد هو أن الراحل ضابط دافع عن مدينتهم وحرس الحلم في لحظة تهاوى فيها كل شيء. تذكروا أنه قائد في الجيش وجوده عامل قوة للبلاد وفقدانه خسارة لنا جميعًا، كان هذا معيارهم ومنطلقهم الأخلاقي المجرد، وهو معيار يسري على جل مواقفهم إزاء الأحداث المشابهة بصرف النظر عن أي مشرب ينتمي له الضحية وما إذا كان قريب منهم أم بعيد.
صحيح أن البعض توجس من الرجل حين أثيرت أخبارًا حول تنسيق من نوع ما مع دولة تناصب بلادهم العداء، وهذا توجس مشروع؛ لكنهم لم يغرقوا في الخصومة معه ولم يبخسوه حقه، وحين تعرض للغدر قذفوا كل الحسابات خلف ظهورهم وتجلت حقيقة موقفهم الأخلاقي المتجاوز لكل الأحقاد، وحرصهم العام على كل من يقاسمهم المشتركات الوطنية العامة . قد ينتقدك الإصلاحي يعاديك أو يخاصمك لكنه لا يمكن أن يتقبل قمعك أو الغدر بك ومصادرة حقك في الحياة.
هذا الموقف الجماعي النبيل، يكشف رسوخ الخلفية الأخلاقية لدى هذا القطاع الكبير من اليمنيين ومدى التزامهم بشرف الخصومة وحدود الاتفاق والاختلاف مع الأخرين، نحن أمام درس أخلاقي يسقط دعاوى خصومهم بأنهم جماعة حادة تتحكم بانفعالاتها نزعة الأيديولوجيا وبشكل عصبي متجاوز للمنطق.
على العكس من هذا بدأ خصومهم أكثر تعصبًا وبشكل مثير للقرف، فمهما تجلى الإصلاحي أمامهم وهو يقف على أرضية أخلاقية صلبة ومتسامية، يتداعى الأخرون للتشكيك بمصداقيته، ويواجهونه بموقف معلب وصورة ذهنية محنطة، في الحقيقة يربكهم موقفه الشفاف ويجدون صعوبة في تقبله، فيلجأون للتشكيك به حتى لو تعلق الأمر بتنصيب أنفسهم كلجان تفتيش على مشاعر الأخرين والتشكيك بأشد الأمور باطنية، وتلك الدوافع السرية التي لا يعلمها سوى الله.
بربكم من هو المصاب بداء الأيديولوجيا، من هو الطرف الذي يملك تعريف للأخلاق وفقًا للهوية والفرز الحزبي، أهو الذي يتوجع لكل فاجعة تصيب أي شخصية وطنية ومن أي واد كانت، أم ذلك الذي تستحكم به عقد الخصومة ومنطق العصبية ولا يجد مشكلة في تعرض خصمه للخطر حتى ولو كان يدافع عن دولته ويقدم أثمن ما لديه للدفاع عن مستقبل يتسع له ولهم ولنا جميعًا..؟
هنا يتأكد لنا أن العصبية المرضية ليست صفة حتمية على أبناء الجماعات المؤدلجة، هي مشكلة نفسية قبل كل شيء، فقد تجد أناسًا يعرفون أنفسهم بأنهم ينتمون لزمن ما بعد الأيديولوجيا، عدميين وحداثيين أو حتى ملحدين لا يعترفون بالإله؛ لكنهم مصابين بتشوهات نفسية تدفعهم لاحتكار الأخلاق وبذل كل جهدهم لنفيها عن خصومهم، بل لا يجدون مانعًا أن يرسلوهم للجحيم ولا يشعرون بحماسة للدفاع عنهم حين يتعرضوت للاغتيال أو حتى الابادة، يفعلون كل هذا ولا يتناسون التشدق بالإيمان بالأخر المختلف وحقه في الحياة وضرورة الدفاع عنه، فيما سلوكهم العملي ينسف كل هذا.
مرة أخرى، ما يزال جمهور الإصلاح يقدمون درسًا في الأخلاق، يصدرون أحكامهم بناء على ثوابت قيمية صارمة، وكل من ينتهج سلوكًا متسقًا مع أحلامهم وأحلامنا بدولة، ينال ذات الحظوة ونفس التمجيد، أكان ممن يقوم الليل أو ينام حتى الشروق.