بقلم - انور الصوفي
يظن بعض الناس أن هادي يعتمد على شخص ما، أو يركن إلى جماعة معينة، وأنه لو تخلفت عنه جماعة، أو حزب، فأنه سيخسر الكثير، هادي لا تنقصه الرجال، ولا تنقصه الحكمة، فرجال هادي كثير، والواحد منهم كالصخر، وحكمته لا تحتاج لشهادتي، ولكنه يعمل ألف حل، وحل، لو سمع أنها ستراق قطرة دم واحدة، وفي أي مكان من ربوع وطنه، فدماء اليمنيين عند هادي محرم سفكها، وإن رأى في حقنها تقديم التنازلات، فليلين الجانب كل طرف للطرف الآخر لتحقن الدماء.
هادي لديه جيش جرار، ولديه شرعية دولية، ويستطيع أن يسيطر على كل اليمن، ولكن الضريبة ستكون دماء اليمنيين، وهذا في أجندة هادي ممنوع، بل غير مسموح حتى مجرد النقاش فيه فالدماء معصومة.
لا يصل العظماء لمنزلة العظمة، ولا يبلغ الحكماء هذه المنزلة إلا بالتواضع، وحب الجميع، ووضع حدود لكل شيء، ففي سياسة هادي للخصومة حدود، ولا يمكن أن تصل خصومته إلى حد الفجور، فلو خاصم سامح، وكان كبيراً في نظر قومه، ولو عاهد أوفى، ولهذا اكتملت عنده صفة المصداقية، وبها ساد قومه، ورضي به الكل حاكماً لهم.
هادي يصنع الحلول من بين ركام المشاكل، ومن بين نيران الحروب، وينبش من بين كل الأحقاد عن السلام، فهاجسه السلام، وديدنه السلام، فبفضله بعد الله جنب اليمن حروباً كانت ستفتك به، وتنبأ بها غيره، ولكنه جعل من تخرصاتهم هباءً منثوراً، فجنب صنعاء الدمار، وحافظ على عدن، فكلما استقوت الأطراف العسكرية بشيء، نثر هادي في وجوههم السلام، فقاعدته: (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك، وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
لن ترَ في تاريخ هادي دعوة للحرب، ولا دعوة لسفك الدم، ولهذا كان مقبولاً من الجميع، وباركه الداخل، والخارج، فهادي رجل سلام، ورجل حزم، وعزم، ولهذا كلما رأيتم الطرق قد سدت في طريق السلام، فتح هادي طرقاً للسلام كثيرة، فعندما ظن الجميع أن الحرب ستلتهم عدن، صب عليها هادي سلاماً، فذهب الإخوة ليتحاوروا في مملكة الخير، مملكة الحرمين، فخرجوا بصيغة لحفظ الأنفس، وصيانة الأعراض، وحفظ الدماء، فالله، الله يا رئيسنا كم أنت كبير، وعظيم.
مهما تحارب الإخوة، فمصيرهم إلى طاولة الحوار، ولهذا قطع هادي الطريق على من يفكر في القوة كسلاح حاسم لمعركته مع الطرف الآخر، ووضع السلام طريقاً ليسلكه الكل، فأخرج البلاد والعباد من فوضى عارمة كادت تفتك به، فالله الله عليك يا رئيسنا، وزعيمنا، وقائدنا، الله عليك ما أعظمك! وما أحلمك!