بقلم - يسلم البابكري
الكلام العمومي الذي أورده ياسين، ليس جديدًا، وهو في حقيقته تكرارًا لشائعات شعبوية ضد الاصلاح تتردد منذ فترة، الجديد أنها جاءت على لسان ياسين هذه المرة، وحتى مع كونها شائعات متهافتة يمكن تفهمها من ناشطي الفيسبوك إلا أنها تبدو صادمة حين تصدر عن شخصية سياسية يفترض بها التعامل مع الأحزاب كمؤسسات مدنية رسمية لا يمكن بناء مواقف تجاهها إلا بما يصدر عنها وبما تعبر عنه مواقفها الرسمية وبقنواتها الناطقة باسمها.
أستشعر الخجل وأنا أشعر بالحاجة للتأكيد على هذه البديهية في معرض الرد على قامة سياسية يفترض أنها تجاوزت الوقوع في مزالق بدائية كهذه حين تتعامل مع الأخر أو تسعى لنقده .
حسنًا، لم يقل لنا ياسين، أين ومتى شاهد الإصلاح وهو يقف بقدم خارج الشرعية وقدم داخلها، لم يستشهد بمثال عملي يمكن المحاججة بناء عليه، لم يأت بتصريح لقيادي يحرجنا فيه، ولم يُشر لسلوك سياسي أو واقعة واحدة تسند التهمة التي أوردها في معرض استجراره للشائعة المذكورة ضد الحزب.
لربما بني ياسين فكرته على منشور لعنصر في الإصلاح قال كلامًا يعبر فيه عن ضجره من الواقع، ولربما نسي ياسين أن الإصلاح حزبًا سياسيًّا ديمقراطيًا له مؤسساته المعبرة عنه وليس شركة تأميمية مهمتها تذويب كل جماهيرها في بوتقة واحدة، وصهر مواقفهم الصغيرة والكبيرة؛ ليصبحوا نسخًا متماثلة و دمى متحركة تتخذ ذات الشكل والوجهة في كل شاردة وواردة.
في هذه الحالة إذا كانت التهمة مبنية على أمر كهذا، فالإصلاح يعترف بأنه لا يجرؤ على ممارسة وصاية أبوية شاملة على أعضاءه، ويشعر بالخجل من التعامل مع جمهوره كما لو أنهم أفراد بلا هوية شخصية أو تفكير حر لهم تقديراتهم الخاصة تجاه الأحداث_ وحتى تجاه الحزب ذاته وبشكل أكثر حدة_ وهي حالة صحية يتوجب قرأتها كمؤشر إيجابي على إرتفاع منسوب الديمقراطية داخل الأحزاب بدلًا من النظر لها من زواية الريبة والتفسيرات التآمرية المضحكة. خصوصًا أنها لا تعدو كونها آراء نقدية فردية تصدر من أشخاص يتموضعون عمليًا داخل جمهور الشرعية وليس خارجه بما يسقط تهمة الاشتغال ضدها، ولست أدري كيف يجرؤ البعض على تفسير مواقف كهذه من أفراد عاديين بأنها عمل ضد الشرعية، ويتجاهل مواقف قيادات كثيرة من نفس الطرف الذي ينتمي إليه هو يقفون ضد الشرعية قولا وفعلا ويشتغلون ليل نهار لتفكيك الدولة وإضعاف المؤسسات الشرعية منذ زمن.
أما بالنسبة للإصلاح فلا أحد يمكنه المزايدة عليه في مواقفه الثابتة من الشرعية طيلة مراحل نضالها الوطني، ولسنا هنا في معرض المن أو التباهي لكن الواقع يقول أنه الحزب الوحيد الذي وقف بقضه وقضيضه في صف الشرعية ودفع القسط الأكبر من الضريبة الوطنية التي دفعتها الأحزاب جراء مواقفها، بل إن موقفه الصلب من الشرعية أضحى تهمة، فهو متهم بالشيء ونقيضه، متهم حين يدعمها ومتهم بأنه يعارضها، متهم حين يفعل ومتهم حين لا يفعل، مدان حين يؤيد ومدان حين يعترض، وحين لا يجد خصومه موقف يمكنهم إدانته به يستدعون مواقف شخصية لأفراد من هنا وهناك ولا يتورعون عن اتخاذها حجة لاسناد تهمتهم المعلبة والجاهزة.
جاء كلام ياسين بعد حديثه عن موضوع المناصب وقضية الوظائف الحكومية ومراكز القرار، وكالعادة تحدث عنها بلغة الوصيّ المغبون وبحنق الشريك الباحث عن حصة أكبر، مستخدمًا أسلوبه المعتاد في همز الإصلاح كما لو أنه الحزب الوحيد المشارك في السلطة وكما لو أن مشاركته مبعث للإدانة واستحقاقه السياسي هبة غير مستحقه أو كما هي الفكرة التي تردد دومًا وبطرق مضمرة أن تواجده أكبر مما يستحق، دونما أي تفصيل دقيق يوضح فيه حجم هذا التواجد مقارنة بالأخرين؛ كي تكون الشبهة منطقية ويمكن للناس الجدل حولها، بدلًا من إعادة تكرار لتهمة فضفاضة حتى تبدو كما لو أنها حقيقة راسخة في حين أن الأمر لا يتجاوز التعميمات الغوغائية المغرضة والتي لا يمكنها الصمود أمام أي نقاش توثيقي معتبر .
على أن فكرة مشاركة الحزب في السلطة ليست هي مما يغضب الإصلاح ولا هي من الأسرار التي يخشى مناقشتها، كما أن حنق ياسين هنا وربما رغبته بمزيد من المكاسب ليست مشكلة لدينا ايضا ولا اعتراض ، بل تكمن المشكلة في اختزاله قضية الدولة لموضوع المحاصصة الحزبية وبالشكل الذي يفقد الوظيفة العامة معاييرها النزيهة ويرسخ هذا الأسلوب كمنهج إداري يعيق عملية تحرير الوظيفة العامة من التقاسم ويبقينا لزمن طويل أسرى لأساليب الإدارة التطبيبة والسلوك السياسي المحكوم بموروث “الكعكة والسكين” والشركاء اللاهثين على مذبح السلطة والوطن الممزق.