على الرغم من اكتمال خطة بناء مصنع للبتروكيماويات بالقرب من مدينة فيروز أباد الإيرانية، ووجود كل المقومات اللازمة في العادة لانطلاق أي مشروع من موافقة السلطة العليا في البلاد وتمويل الحرس الثوري وتوافر الغاز اللازم، إلا أن عشرة أعوام انقضت ولم يكتمل سوى 10 في المائة من الأعمال في موقع المشروع بسبب خلاف على عنصر تتزايد ندرته في إيران ويعد حيويا للتبريد في المنشأة الصناعية ألا وهو الماء.
وبحسب “رويترز”، قال حامد نجاد أحد مديري المشروع إنه “في دراسات المشروع الأولية حدثت بعض الأخطاء في كمية المياه التي سيحتاج إليها المصنع. واكتشفوا أن المصنع يحتاج كثيرا من المياه لكن المنطقة لا يتوافر فيها ذلك”.
ولا يعد مصير مصنع فيروز أباد حالة فريدة في إيران، حيث كشفت الاستقصاءات أن ما لا يقل عن عشرة مشاريع في مجال البتروكيماويات والأسمدة والتكرير تتجاوز طاقتها الإنتاجية المجمعة خمسة ملايين طن سنويا تواجه صعوبات شديدة أو تأجلت بسبب مشكلات تتعلق بإمدادات المياه والعقوبات الأمريكية على النظام الإيراني.
وأكد اثنان من المسؤولين، أن نقص المياه يمثل مشكلة كبيرة، بينما نفى أحدهم وجود أي مشكلة بالرغم من أن متعاملا على صلة وثيقة بالمشروع تحدث عن نقص إمدادات المياه باعتباره عاملا شديد الأهمية.
وقال رضا بني مهد وهو من رجال الأعمال في إيران ويعمل في مشاريع التكرير “كثير من هذه المشاريع اقترحها نواب يحاولون إيجاد وظائف في دوائرهم. ومع الأسف تعرضت الدراسات التقنية للتجاهل على نطاق واسع”.
ويعد نقص المياه واحدا من التحديات العديدة التي تواجه طهران التي تئن تحت وطأة عقوبات أمريكية على قطاعها للطاقة، حيث انخفضت صادرات النفط بنسبة 80 في المائة. وتحتاج مصافي تكرير النفط وغيرها من مصانع المعالجة إلى المياه بغرض التبريد في الأساس، ويتطلب إنتاج جالون واحد من البنزين بين 0.61 و0.71 جالون من المياه.
غير أن تحويل الموارد المحدودة بعيدا عن الزراعة لاستخدامات صناعية يحمل في طياته مخاطر سياسية. وتسبب الجفاف وإمدادات المياه المتناقصة في إثارة القلاقل، فقد نظم مزارعون في المنطقة الوسطى في إيران احتجاجات في عدة مدن خلال 2018 بسبب سوء إدارة المياه مع انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 25 في المائة عن المتوسط المعتاد. ويهدف مشروع المصنع في فيروز أباد، الواقعة في منطقة داخلية في جنوب البلاد الذي يفتقر للمياه، إلى إنتاج مليون طن من الإيثيلين سنويا.
وبناء على أرقام لمشروع مماثل في القدرة الإنتاجية سيحتاج المشروع إلى استخدام أكثر من مليوني طن سنويا من المياه.
وتريد الحكومة، التي تخشى تناقص مستويات المياه الجوفية على مستوى البلاد، نقل المصنع الذي تبلغ تكاليفه 500 مليون دولار إلى الساحل حيث يمكن استخدام مياه البحر بعد تحليتها، غير أن مسؤولين محليين وأحد كبار رجال الدين اعترضوا على ذلك وتوقف المشروع.
ففي حزيران (يونيو)، ذكر عزيز الله هاشمي زادة إمام صلاة الجمعة في فيروز أباد والمسؤول مباشرة، أن المشروع سيجلب الرخاء للمنطقة ولا يمكن نقله.
وعلى الرغم من أن للمرشد الإيراني علي خامنئي القول الفصل في أمور الدولة فثمة عدد من المؤسسات المتوازية تحته التي تتنافس في كثير من الأحيان على النفوذ، فعلى سبيل المثال يوجد هيكل قيادة منفصل عن الجيش النظامي للحرس الثوري الذي يملك استثمارات في مصنع فيروز أباد، كما أن للحرس الثوري مصالح صناعية واسعة.
وكثيرا ما يؤدي هيكل مراكز القوى المتنافسة إلى صعوبة شديدة في عملية صنع القرار ويمكن أن يفضي إلى التغاضي عن العوامل التجارية والبيئية.
وقال كاوة مدني النائب السابق للرئيس الإيراني لشؤون البيئة والأستاذ الزائر حاليا لدى إمبيريال كوليدج في لندن “ثمة مشكلة في التنسيق بين الوزارات فيما يتعلق بخطط التنمية”، مضيفا أن العقوبات دفعت الحكومة لتقديم الوظائف على المياه والبيئة.
وكان لتأخر مشروع فيروز أباد تداعياته، إذ أدى إلى تعثر أربعة مشاريع أخرى تهدف إلى استخدام إنتاج المصنع من الإيثيلين وهي مادة تدخل في صناعة راتنجات البوليستر والمنتجات اللاصقة، وهذه المصانع ستؤثر بدورها في احتياطيات المياه الضئيلة في المنطقة.
وأفاد مدير آخر في مشروع فيروز أباد، “تأخر ليست كلمة منطقية. فنحن عمليا وبعد 12 عاما أمام مشروع فاشل”.
وقال طالبا عدم الكشف عن هويته إن الموقع الساحلي المقترح للمشروع مجرد أرض فضاء مستوية ولم يتم بناء شيء فيها بعد.
وعلى الرغم من التحديات فقد رفعت إيران قدرتها التكريرية وأعلنت في شباط (فبراير) أنها أصبحت مكتفية ذاتيا من البنزين.
وتبلغ القدرة الإنتاجية لمصانع البتروكيماويات في إيران نحو 65 مليون طن سنويا يتم تصدير نحو 22.5 مليون طن منها للخارج.
وتهدف الحكومة إلى زيادة الإنتاج إلى 91 مليون طن خلال عامين وإلى 130 طنا خلال خمسة أعوام، وتبلغ القدرة التكريرية نحو 2.23 مليون برميل يوميا.
وكشفت شركة الضمان الاجتماعي الإيرانية للاستثمار التابعة للدولة التي تملك استثمارات في 200 شركة تابعة واستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة عن مشكلات تواجه الصناعة في تقرير صدر عام 2018 بما في ذلك العقوبات و”الجفاف ونقص المياه لمصافي التكرير الداخلية” البعيدة عن السواحل.
وذكرت الشركة أن بعض المشروعات “ليست مجدية اقتصاديا لأنها بدأت بغرض إيجاد وظائف في مواقع غير مناسبة”.
وفي شمال شرق إيران، واجهت شركة خراسان للبتروكيماويات صعوبات في بدء مصنع للأسمدة الزراعية يهدف لإنتاج 660 ألف طن من اليوريا باستخدام الغاز كمادة لقيم، وبعد خمسة أعوام لا يزال المشروع متوقفا رغم تدبير تمويل من الدولة قيمته 700 مليون دولار.
وأشارت شركة تأمين للاستثمار البترولي والبتروكيماويات وهي من كبار المساهمين، إلى أن “موارد المياه للمشروع لم تتوافر ولا تزال غير واضحة”.
وتعد الزراعة مصدرا رئيسا لفرص العمل في إيران وتستهلك نحو 90 في المائة من استخدامات إيران من المياه مقابل 10 في المائة للصناعة، غير أن أي طلب إضافي يفرض ضغوطا على احتياطيات إيران المتناقصة.
وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن طهران تستخدم 3.8 مليار متر مكعب من المياه سنويا أكثر ما يتم تعويضه الأمر الذي يؤدي إلى تناقص سريع في الكميات المتاحة.
ومع ذلك فلا تزال بعض المشاريع تمضي قدما حتى في مناطق تشتد فيها الضغوط.
وأوردت وكالة الأنباء الإيرانية في 2018، أن مصفاة شازاند لتكرير النفط في وسط إيران اضطرت لحفر آبار عميقة لاستخراج المياه الجوفية الأمر الذي أثار انزعاج دعاة الحفاظ على البيئة وأضعف إمدادات المزارعين.
وذكرت شركة شازاند للبتروكيماويات في بيان “لتقليل استهلاك المياه الجوفية خططت الشركة لاستخدام خزان سد كمال صالح عندما يمتلئ ومياه الصرف من المدن المجاورة”، وتبحث الشركة عن مقاول لمشروع معالجة المياه.