ماذا بعد انتصار “شبوة”؟

27 أغسطس 2019
ماذا بعد انتصار “شبوة”؟
أبو زين
أبو زين

بقلم - أبو زين

يمكن القول أن معركة “شبوة” قد قلبت موازين القوى على الأرض بشكل جذري لصالح الدولة والسلطة الشرعية، بعد أيام مريرة بلغت فيها “القلوب الحناجر” وكاد الجسد اليمني الواحد يتشظى إلى دويلات شتى.

وبالرغم من الأهمية التي اكتسبتها هذه المعركة الفاصلة بين مشروع الدولة واللادولة، فإن الأهم هو عدم التوقف عند هذا النصر الكبير، أو الركون إلى الطمأنينة القاتلة بعد أن صارت الأوضاع تحت سيطرة الجيش والحكومة في ظل هذا التقدم السريع على الأرض والهزائم المتوالية التي مني بها المعسكر الإنتقالي الإماراتي.

الاستمرارية والحركية والتقدم لدحر المليشيات الإنفصالية من بقية المدن، وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن، هي من أوجب الواجبات في الفترة الراهنة، ومهمة التحرير في هذه المرحلة لم تعد واجبة بل مقدسة. لذا فإن أي تقصير في إكمال هذه المهمة المقدسة يعد بمثابة “خيانة” ترتكب بحق أحلام اليمنيين وأمانيّهم، وستكون بمثابة “قبلة” الحياة للفصائل المسلحة والمليشيات المتمردة على الدولة كي تعود من جديد، وهذا ما لن يغفره اليمنيون.

وبالتوازي مع التصعيد العسكري على الأرض يتوجب على الدولة أن تبدأ بتطبيع الحياة في المدن المحررة مؤخراً من الدنس الإماراتي، وفي المقدمة شبوة. ولا أبالغ إن قلت أن على الدولة أن تولي محافظة شبوة اهتماماً استثنائياً ورعاية خاصة، فهي من أعادت رجحان كفة الدولة وأسقطت مخطط الإمارات الذي دام أربعة أعوام في غضون أيام فقط.

ومن المتوقع هنا أن تشهد شبوة حراكاً تنموياً متصاعداً وفي كل المجالات، بإشراف وإدارة من قبل الأجهزة الشرعية في المحافظة. من المهم بمكان أن تتقدم شبوة عمرانياً وتجارياً وحضرياً، وأن تتوفر فيها مختلف الخدمات. فهذا سيشكل علامة فارقة في الصراع مع المشاريع التخريبية، وسيوصل رسالة بالغة الوضوح للجميع بأن مشروع الدولة هو الخيار الأسلم والأفضل، وأن المليشيات لا تجلب للمدن معها سوى الدم والنار.

وهنا لابد من الإشادة بقرار رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، باعتماد مخصصات استثنائية للتنمية بمحافظة شبوة، والذي جاء بعد أقل من 24 ساعة على النصر على مليشيات الانفصال في مدينة عتق. والمسئولية الآن ملقاة على عاتق الحكومة والسلطة المحلية بشبوة لبدء مشروع التنمية في المحافظة التي وضعت نفسها في المكان الصحيح كقائدة للمشروع اليمني الوطني.

وعلى الدولة أيضاً أن تولي عناية فائقة بإصلاح الخلل العميق في مؤسساتها، وبتجفيف منابع الفساد المتوغل في كل المصالح الحكومية، وإعادة الاعتبار للدولة كسلطة تحفظ وتصون مصالح اليمنيين.

أما على الصعيد الاجتماعي فيتعين على الحكومة أن تولي أهمية بالغة لهذا الملف الحساس؛ ذلك أن الصراعات التي تفجرّت مؤخراً في مدن الجنوب اليمني قد ألهبت المشاعر ورفعت منسوب الكراهية بين أبناء الشعب الواحد. على الحكومة أن تعمل على إنعاش الوشائج وروابط الأخوة وعلى دفن كل بؤر الفتنة والتحشيد المناطقي أينما وجدت.

المصالحة المجتمعية هي الخيار الأمثل هنا. الطرف المنتصر ملزم بالتواضع وبالتسامي فوق الجراح، وبتطمين مناصري المعسكر الآخر بأنهم آمنون وحقوقهم مكفولة غير منقوصة. بهذا فقط يمكن للمجتمع أن يتشافى من كل هذه التراكمات السلبية، وأن يعود متوحداً قوياً أمام كل الفتن والمؤامرات.

وما لا يجب إغفاله في غمرة هذه الاحتفالات بأن العدو الحوثي لا يزال متربصاً في الشمال وينتظر الفرصة لاجتياح المحافظات المحررة مرة أخرى. في الواقع، لقد استفادت جماعة الحوثي في السنوات الأخيرة من حالة اللاحرب، فشددت قبضتها وطورت ترسانتها الحربية بشكل غير مسبوق، مستغلة الصراعات والعقبات التي أغرقت بها الإمارات الحكومة الشرعية منذ دخولها عدن.

والآن باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لإعادة تفعيل ملف الحسم العسكري، وإنعاش كافة الجبهات التي دخلت فترة سبات منذ وقت طويل.

وهنا لابد من التوقف ملياً عند تغريدة عضو مجلس النواب اليمني، شوقي القاضي، والذي كتب في صفحته: بعد الذي أنجزه أبطال شبوة وأحرارها ضد الخارجين عن القانون، ها هم أحرار اليمن وقواتهم المسلحة تعود إليهم الثقة، وتفتح أمامهم شهية تحرير الحديدة وصنعاء وكل المحافظات من قبضة مليشيا الحوثي الإرهابية الانقلابية السلالية الطائفية. فلا تفوتكم هذه الفرصة.

  • تصحيح العلاقة مع التحالف

يمكن القول أن الوضع في اليمن لم يكن ليهوي الى لحظة النكسة الكبرى، مع إعلان مليشيات المجلس الانفصالي الانقلاب على الحكومة الشرعية في العاشر من أغسطس الجاري، لولا العلاقة الغير متزنة بين السلطة الشرعية من جهة والتحالف العربي من جهة أخرى.

المؤشرات كانت تؤكد بأن العلاقة بين الحكومة الشرعية والتحالف وصلت إلى طريق مسدود. إلا أن النصر العسكري الجاري يحمل معه بشارات غير مؤكدة التحالف العربي، وتحديداً السعودية، أصبحت أكثر وعياً بضرورة تصحيح هذا الحلف المختل مع الحكومة اليمنية.

وبعد أن أثبتت الحكومة بأنها الأقوى على الأرض ومع كل هذه النجاحات التي تحققت لها أمام مشاريع التشرذم التي كانت تهدد اليمن والسعودية معاً، بات من الواجب على الحكومة أن تعيد تقييم هذا الحلف وأن تعيد بوصلة العلاقة من التبعية المطلقة إلى الندية المطلقة.

على حكومة الشرعية أن تدرك بأن تكرار الخطأ وإحناء الرأس بات محرماً، كما يتوجب على السعودية أن تدرك بأن حليفها اليمني قوي وصادق ويعمل بإخلاص لتحرير البلد من كافة مشاريع الملشنة شمالا وجنوباً، وهو هدف مشترك لحماية الأمن القومي في كلا البلدين الشقيقين.

يمكن هنا استثمار حالة التعاضد بين الشعبين والتي ظهرت بشكل جلي في الأزمة الأخيرة بعد الانقلاب الاماراتي في عدن.

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق