بقلم - أبو زين
لم تكن العلاقة يوماً أشد توتراً ولا اضطراباً بين الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي مما هي عليه في هذه الأيام التي تشهد فيه الحكومة تمرداً عسكرياً في الجنوب، أدخل معه البلاد في نفق مظلم لا يعلم أحد كيف ومتى وعلى أي شاكلة سينتهي.
والآن وقد انقلبت الأوضاع واختار الحلفاء الأعداء أن يكشفوا عن حقيقة أجنداتهم واللعب على المكشوف في هذا البلد الذي تمزقه الحروب والصراعات منذ عقود، تجد الحكومة الشرعية نفسها أمام واقع بالغ الصعوبة وأمام طريق ملغوم ومحفوف بالقنابل الموقوتة، وتخوض – مجبرة ونيابة عن اليمنيين بكل انتماءاتهم – أهم وأصعب تحدي للعبور بسفينة الدولة خلال هذا الموج المتلاطم بسلام، أو الإنكسار الذي لن يكون بعده قائمة أبداً.
ولنا مع الشرعية تجارب مريرة صقلتها السنون الخمس الماضية، لكن الوضع السياسي الاستثنائي للبلاد – فالرئيس مؤقت والدستور مؤقت والبرلمان مؤقت ونصف البلاد تحت الاحتلال الحوثي – يجبرنا كيمنيين على التشبث بهذه الحكومة بشدة باعتبارها الركن الشرعي والوحيد الذي لا يزال قائماً ولا يزال متمسكاً بخياراتنا الوطنية: الجمهورية – الوحدة – دولة القانون.
إننا ندرك حجم التحدي الذي ينتظر الحكومة، خاصة وأنها تخوض معركة مع “حلفائها” خارج أراضيها وداخل أراضيهم، وهي معادلة بالغة القسوة والمرارة في آن، فكيف لك أن تمارس الفعل المقاوم وأنت في موضع الرهينة؛ متى شاءوا أطبقوا عليك بعسسهم ومتى شاءوا حظروا عليك حتى حق الظهور والكلام.
إلا أن هذا كله مجرد هباء إن كان في الشرعية رجال لا يقبلون الضيم ولا يرتضون لبلدهم أن تكون ألعوبة بيد “أصحاب النعمة الحديثة والطموحات المتورّمة”.
لسنا هنا في معرض تقريع الحكومة جراء أخطاءها الكارثية طوال أعوام، ولا للتطبيل لها وهي في الأصل لم تجلب معها إلا الهزائم والنكسات. ذلك كله هراء وعبث لا فسحة للخوض فيه، وما يهم الآن هو إسنادها بالموقف أولاً ثم باستثارتها على التحرك والمقاومة، ثم برفع الصوت الرافض في كل الأرجاء بوجه كل كتائب الإرتزاق وقياداتها.
كم نفتقر في هذه اللحظات الى اصطفاف سياسي واجتماعي جامع يلم شتاتنا ويقوي جبهتنا المستباحة ويملأ فراغنا السياسي والعسكري المريع. اصطفاف كذاك الذي انبثق في صنعاء قبيل اجتياح صنعاء وحجّ إليه اليمنيون من كل حدب وصوب. صحيح أن ذاك الاصطفاف تعرّض للخذلان من الحكومة الشرعية ومن الرئيس هادي نفسه في معركتنا المصيرية أمام حشود الكهنوت التي غزت صنعاء، لكنه على الأقل كان صيحتنا الأخيرة.. لاؤنا المدوّي.. زفرتنا الرافضة للخنوع أمام كتائب الجراد.
الخواء فادح والعدو يحد شفرته، والأحزاب السياسية متمرسة في خذلاننا مع كل منعطف تاريخي. لم يبق إلا نحن ولن نقف مكتوفي الأيدي. هذه هي آخر المعارك، والهزيمة ليست خياراً أبداً.