بقلم - فتحي بن لزرق
قال لي لماذا تكتب عن “احداث” عدن الأخيرة باستفاضة ، اشعر انك تشعر بالقلق مما يجري ولاتستطيع ان تقول الحقيقة.
قلت له :” للحقيقة ثمن باهظ في وطني ، فعناوين الصراع مختلفة وجوهرها مختلف والامان غائب .
قال :” هل ستكتب ؟
احتجت لعشرة أيام كاملة حتى قررت ان اكتب مقالي هذا الذي يأتي تتمة لمقال سابق كتبته قبل اشهر وكان عنوانه #التهاوشعلىالصيدة وثمة مخاوف كثيرة تراودني.
ربما يغضب الجميع من مقال كهذا لكنها الحقيقة التي يجب ان تقال،ففي زحمةالعناوين وتداخلاتها تاهت الحقيقة، الحقيقة التي يجب ان تقال..
مساء الـ 20 من أغسطس قررت ان اكتب شيء من الحقيقة وليس كلها، الشي ءالذي يستطيع ان يقوله “فتحي بن لزرق”..
توصيف الصراع الدائر في عدن ومحافظات جنوبية أخرى بأنه صراع بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية تحت يافطة صراع الانتقالي مع حزب الإصلاح توصيف “خاطئ” وغير واقعي، بل ان الحديث عن الانفصال مدعاة للضحك.
صحيح ان الصراع الدائر يتم من قبل الانتقالي تحت هذه اليافطة لكن المتابع للأمر سيدرك ان الصراع اكبر واعمق وصراع اقليمي أكثر منه صراع مكونات يمنية .
بعد اربع سنوات من اندلاع الحرب في اليمن وصعوبة الحسم شمالا ،قررت المملكة العربية السعودية ان تدير ظهرها جنوبا كان هذا قبل اشهر من اليوم حينما شكلت قوات مشتركة وبدأت بتسلم مهام الإدارة والحضور في الساحل الغربي.
طول الاربع السنوات الماضية ايضا كانت “الإمارات” قد ابلت بلاء حسنا في ايجاد موطئ قدم لها في عدن ومحافظات الجنوب ودربت فصائل الحزام الأمني استعدادا للحظة الوصول إلى تسوية سياسية للملف اليمني على اعتبار ان الإمارات باتت قوة دولية شريكة وندية للمملكة العربية السعودية .
– بدأت المملكة العربية بالتوجه جنوبا وتحديدا مدينة “عدن” وفي الـ17 من يوليو 2019 وصل وزير الداخلية الميسري إلى الرياض والتقى بالأمير فهد بن تركي وهو قائد القوات البرية السعودية.
-جلس الميسري بحضرة “تركي”،فرد الاخير خارطة صغيرة كانت على الطاولة واشار الى موقع عدن على الخارطة وقال:” نريد ان نكون هنا،قبلها كان السعوديون قد عززوا حضورهم في مطار عدن وباتت قوتهم تعد بالمئات.
– ابلغ السعوديون “الميسري” أنهم بصدد تسجيل الحضور في عدن وتوطيد أقدامهم هناك وطلبوا منه خطة عاجلة لدعم قوات الحكومة الشرعية في عدن ولحج وابين وشبوة والضالع.
اخرج الميسري ملفا حوى قوام قوات الشرعية في عدن واحتياجاتها،على الفور وافق السعوديون وبدون اي تردد.
– كانت الخطة السعودية تقضي بإن تعيد المملكة تأهيل القوات الحكومية الشرعية تأهيلا كاملا ودفع مرتب اضافي لهذه القوات وتجهيزها التجهيز الكامل الأمر الذي يعني تهديدا وجوديا لاوراق القوة التي تتمتع بها الإمارات في عدن .
-عقب ساعات من عودة الميسري إلى عدن ارسل السعوديون معدات عسكرية إلى عدن وطلبوا من فريق عسكري خاص بهم في عدن بتجهيز دراسة متكاملة لانشاء قاعدتين في عدن شرقا وغربا.
– أدرك الإماراتيون خطورة التحرك العسكري السعودي في عدن ، ففي حاله نجاحه فإن قدراتهم العسكرية ربما يتم ازاحتها وفق ابسط تفاهم سعودي حكومي يمني يطالب بتوطيد نشاط القوات العسكرية الحكومية.
– امتلكت الحكومة الشرعية اليمنية عدد من القوات العسكرية الهزيلة التي تعاني ضعفا في التسليح وهشاشة في البناء وفسادا كبيرا في الإدارة .
– ظلت هذه القوات لسنوات طويلة لاتشكل أي خطر على أي حضور منافس لكن مع التوجه السعودي الاخير لتعزيز الحضور في عدن بدأ واضحا ان هذه القوات ستنتقل من مرحلة اللاخطر إلى الخطر .
– حار الاماراتيون في طريقة التعامل مع الوضع الراهن فالسعوديون الغائبون عن مشهد عدن لاربع سنوات يريدون حصد المكاسب دفعة واحدة والسماح بعودة السعوديين إلى عدن وبسط السيطرة تعني خروجا لهم بكل الاحوال والقفز في مغامرة غير محسوبة العواقب يمكن لها ان تنجح أو تفشل امرا بالغ صعب ايضا.
– وبين الامرين اجتهد الاماراتيون في التفكير وقرروا القفز إلى الامام ، وقد تنجح هذه القفزة وقد تفشل ويعتمد نجاحها وفشلها على ديناميكة التعامل السعودي معها.
– تميزت الإمارات خلال السنوات الماضية بشيء من الطموح واجتهد عسكرييها في ايجاد موطئ قدم حقيقي لهم داخل اليمن ، نجحوا في إدارة ملف الإرهاب باقتدار في محافظات كثيرة وبعد 4سنوات يجدون انه من الاجحاف ان تتم ازاحتهم بجرة قلم.
-وجد الاماراتيون انه من الخسارة بمكان التفريط بحضورهم العسكري في عدن لصالح السعودية الغائبة منذ اربع سنوات .
– كان وصول الوزير الميسري إلى الرياض وعودته وتبشيره بحضور سعودي كبير قادم في عدن القشة التي قصمت ظهر البعير واربكت كافة الحسابات داخل اجندة التحالف ذاته .
– حار الاماراتيون فالسعوديون قادمون بقوة واي محاولة لاعادة ترتيب صفوف قوات الشرعية يعني عودة إلى نقطة الصفر.
– حدث الانفجار الكبير داخل مقر اللواء الاول دعم واسناد بعدن واستشهد “ابو اليمامة” وهنا تسارعت الاحداث.
– اعلن الحوثيون مسئوليتهم عن الهجوم وانهمكوا في شرح احداثياته ، في عدن كانت ثمة خطط أخرى متسارعة للحسم خصوصا بعد الحدث الجسيم هذا.
– قرر “الاماراتيون” ان اللحظة مواتية لتسوية معسكرات الحكومة الشرعية بالارض استنادا لماحدث وقطع الطريق أمام أي حضور سعودي في عدن، لن يستطيع السعوديون فعل شيء فالجميع في حالة ارباك سريعة.
وتسارعت الازمة سريعا، من تشييع إلى اشتباك مسلح ، الى نفير عام كانت الاشتباكات شبيهه إلى حد كبير باشتباكات 28 يناير 2018 .
ظن السعوديون ان الاشتباكات ربما تكون محدودة وقد تنتهي بنفس سيناريو يناير 2018 ، كان الاماراتيون قد حسموا امرهم وجود الحكومة الشرعية انتهى في عدن.
– وضعت على الطاولة ملفات كثيرة بينها من سيدير الدولة في عدن مؤسساتها ، الكهرباء الخدمات وخلافها ورغم أهمية هذه الملفات الان انجاز الملف الأكبر كانت المهمة الاساسية .
– انطلقت الاحداث وتوسعت الاشتباكات بين الطرفين ، راقب السعوديون ماحدث بانشداه كبير ، كرر الاماراتيون مواقفا علنية رافضة لما يحدث وعلى الأرض كانت الامور تتسارع بشدة، اراد الاماراتيون الانتهاء من كل شيء على وجه السرعة .
لاك العامة شعارات فضفاضة للصراع، الاصلاح، الانفصال، تساقطت المواقع العسكرية التابعة للحكومة الشرعية واحدا تلو الاخر ، هدد السعوديون بقصف القوات لكن احد من قادة القوات المهاجمة لم يكن يأبه لما يحدث كان كل شيء مخطط له بعناية .
– استنجدت قيادات الحكومة الشرعية بالسعودية ، بثقة قال السعوديون ان كل شيء سيتوقف يدرك السعوديون ان لا احد في عدن يملك قراره وان التحالف بشقيه يملك وحيدا مفاتيح اللعبة.
بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات اضطر السعوديون لإخراج الوزير الميسري ورفاق له وسقطت جميع المواقع العسكرية التابعة للحكومة الشرعية واحدا تلو الاخر ..
كسبت الإمارات معركتها في عدن لكنها قفزت الى المجهول،بات السعوديون امام خيارات كثيرة اغلبها مر واما السكوت عن خسارة عدن او الدخول في التحدي وخسارة الحليف الاخير في الحرب اليمنية.
لم يترك الاماراتيون خيارا يمكن المناورة فيه للسعودية، ساووا المعسكرات بالارض وانهوا قدرات الحكومة العسكرية بشكل كامل.
بعد 10ايام التقط السعوديون انفاسهم وحاولوا ترتيب صفوفهم وحاولوا فهم ماحدث.
بدات وسائل الاعلام السعودية بالتعرض للمجلس الانتقالي صراحة ووصفته بالميليشيات…
في يوم الازمة التاسع منح السعوديون الاذن لهادي،خرج الرجل واعلن رفضه لما حدث،طوال الايام السابقة رفض السعوديون اي حديث لهادي قبلها.
جاء الرد سريعا للغاية اُسقطت زنجبار،رد السعوديون باجتماع للحكومة حمل الإمارات المسؤولية.
بدات لعبة عض الاصابع..!
اتخذ انقلاب عدن عناوين معارك لاوجود لها من قبيل معركة ضد الاصلاح والقاعدة وتحقيق الانفصال والتمكين بينما في حقيقة الامر ان الكبار يتصارعون لا اكثر وبادوات محلية.
ادمى الجنوبيون بعضهم في معركة البيادق الكبيرة واظهرت النفوس ماتكمن من شر لبعضها وبدأ المشهد مفزعا.
وسط مستنقع عدن غرق الجميع، السعودية والامارات والشرعية والانتقالي.
غرق السعوديون فحلم تواجدهم في عدن تبدد وغرق الاماراتيون فتحمل مهام الحكومة وادارة عدن والمناطق المرتبطة بها امر بالغ الصعوبة وغرقت الشرعية فالانكسار الذي حدث لها في عدن كبير للغاية وغرق الانتقالي فقد وعد انصاره ان لا تراجع عن السيطرة على مناطق الجنوب كافة.
توجه الانتقالي الى جدة للتفاوض مع الشرعية.
ما الذي ستفضي له مفاوضات كهذه؟.
اما ان يتقاسم الانتقالي المناصب مع الشرعية ويفسح المجال لعودتها ومعها ستعاود السعودية حضورها في عدن لكن الامارات ستكون شريكا في منظومة الشرعية التي ظلت سعودية صرفة لاربع سنوات خذ هذا وهات هذا.
اما ان تفشل المفاوضات ليواجه السعوديون احتمال فشل حربهم في اليمن وانكفاء الامارات جنوبا،لكل شيء ثمن!.
سيحتاج السعوديون وقتا طويلا لاعادة اعمار ماتدمر قبل ان يفكروا بإرسال جندي واحد الى عدن.
هذه قصة ماحدث في عدن.. القصة بأختصار شديد التهاوش على الصيدة.. العناوين مختلفة والواقع مختلف