بقلم - أحمد صالح التوي
باستقراء بسيط لما حصل من انقلاب على سلطة الرئيس هادي بعدن؛ نلحظ أن الأمور تم ترتيبها بين شريكي التحالف (السعودية والإمارات) لاستكمال اخضاع السلطة الشرعية لتقديم تنازلات كبيرة، وذلك بتوجيه المجلس الإنتقالي لتنفيذ عملية الإنقلاب على الشرعية، وضرورة أن يكون ذلك بسرعة فائقة، وتمكينه من الضغط اكثر عليها، وتجريدها من كل الألوية التي تساندها في عدن من الحماية الرئاسية، وبقية الألوية الأخرى، وبإشراف إماراتي خالص، وصمت سعودي مريب.
لم تنجح الوحدات العسكرية التابعة لما يسمى بالمجلس الإنتقالي مطلقًا في تنفيذ هذه الخطوة، وتعثرت خطتهم، وانتكست وحداتهم في كل موقع يقدمون اليه، حتى لم يتبقَ الا مديريتي المعلا والتواهي، وقد حددت عملية اقتحامها، ما يعني نجاح ذلك هو سقوط مشروع الإنتقالي الى الأبد، وبالتالي سقوط الإمارات، ومخططاتها.
تحركت الإمارات بقوة فائقة لإنقاذ الموقف ليلة 9/8، مهددة بقصف طائراتها جميع المعسكرات ما لم يتم تسليمها للإنتقالي، وجاءت التوجيهات السعودية (ضعيفة) بضرورة التسليم منعًا للحرب الأهلية، على أن يتم التفاهم مع الإمارات لأجل ترتيب الوضع لاحقًا، وكان الهدف السعودي يتمثل أن تخرج المعركة بلا غالب ولا مغلوب، وأن يأتي الطرفان اليها منكسرين يخطبون ودها، وتملي عليهم شروطها، لكن كان الهدف الإماراتي أبعد من ذلك، خلافًا للخطة البينية، وذلك بأن يسيطر الإنتقالي، ويحقق مطامحه الكبرى ضمن مشروعه الخاص معه بعيدًا عن السعودية، والتي للأسف لم تدرك البعد الآخر للإنقلاب المشؤوم.
السعودية أوقعت نفسها للمرة الألف، ولم تدرك اللعب الإماراتي الخبيث من هذه اللعبة، وبقية الألاعيب الشيطانية الأخرى، فالإمارات تخطط وتدرك أبعاد ما تريد، وتنفذه بدقة وفقًا لأجنداتها بحسبة تاجر شاطر وسافل أيضًا لا يحترم معاملاته التجارية، وهدفه تحقيق أرباحه دون مراعاة الشريك معه، وبالتالي فالسعودية دخلت اللعبة ابتداءً لغرض معين، لكن الأمر تجاوزها الى ما هو أبعد، مثلما فعلت في صنعاء، وتجاوز الحوثيون الخطوط الحمراء، وتمكنوا من كل شيء، وتوسعوا شمالا الى الحدود السعودية، وجنوبًا، وغربًا، وشرقًا.
السعودية الآن في مأزق كبير على المستوى الدولي، والخصوم، والمتربصون، والمبتزون لها كثر، وأهم هذه المآزق أن وجودها أصبح غير شرعي مطلقًا إن سقطت شرعية الرئيس هادي، وبالتالي فالمطالبة ستكون لها بالرحيل من المشهد اليمني، الا من الدفاع عن حدودها، لكن الإمارات ما زالت باقية في المشهد، – وإن رحلت رسميًا – بواسطة عملائها من الإنتقالي، وقد رسمت منذ دخولها التحالف العربي في مارس 2015م ما تريد أن تحققه الآن، والى سنوات طويلة قادمة أيضًا، وهي بالتالي ستتمكن من السيطرة، والإستثمار في كل المناطق الجنوبية بكل أريحية دون مضائقة الشريك السعودي الذي خرج من المولد بلا حمص، والذي له مطامع استثمارية ايضًا في اليمن، واهمها مد أنبوب النفط من أراضيها عبر المهرة الى البحر العربي، وغيرها من الإستثمارات الأخرى، وكذلك تأمين حدودها الجنوبية من التمدد الإيراني الحوثي، والذي لم يتم تحقيقه حتى الآن.
أما الإمارات؛ فستسعى الى استكمال اللمسات الأخيرة من الترتيبات السابقة بين الإنتقالي مع الحوثيين، وكلاهما يدينان بالولاء لإيران، ولن يكون هناك أية مضايقات لاحقة، ولذلك فالإنتقالي أعلن في بيانه الأخير، أن سينظم العلاقة بين الشمال والجنوب، ولم يعد يهم الإمارات حينذاك أمن السعودية القومي، ولا دفع ضررها القادم من إيران، والذي زاد تفوقها الكبير بضرب المصالح السعودية، ولم تنفعها كل قواتها من تأمينها.
الإنتقالي حاليًا، وبأمر إماراتي لا يمكن أن يسلّم المعسكرات والمواقع التي اسقطها لأية لجنة سعودية ابتداءً، لأن عملية التسليم ستسقط مشروعه الخاص، ومشروع الإمارات العام، ولذلك فالإنتقالي سيطالب سحب المعسكرات الى خارج عدن، مع بقاء الأمن العام، وقوات الحزام الأمني – كما اعلن في بيانه الأخير، وستبقي كل مواقع المعسكرات التي كانت سندًا لشرعية الرئيس هادي ضمن مشاريع استثمارية اقتصادية، وتحت مبرر سحب المعسكرات من عدن، لضمان سلامة أهلها من المعارك، لكن في نفس الوقت فالإنتقالي ابقى مليشياته كلها تحت هذا المبرر، ما يعني أن قوته ما زالت مسيطرة على الوضع في عدن، والمسألة هي تكتيكات لعينة رسمتها الإمارات، وأوقعت فيها السعودية، والسلطة الشرعية معًا.
الخيارات المتاحة لتلافي انهيار الوضع في عدن واليمن في الوقت الحالي صعبة جدًا جدًا، وعمل اللجنة السعودية لن يقدّم أو يؤخر، ما يضع السعودية للأسف في ورطة، فالسعودية دومًا وأبدًا تحت غفلة راسمي سياستها السياسية والعسكرية، لأسباب أنهم لم يدركوا بَعد البعد الآخر لما يرسمه شياطين الإمارات في المشهد اليمني، وغير اليمني.