بقلم - زايد جابر
لم يكن قتل وسحل الحوثيين للشيخ مجاهد قشيرة الذي كان معهم منذ سنوات بتلك الطريقة الوحشية مفاجئاً أوغريباً إلا عند من لم يعرفوا الحوثيين ومنهجهم الفكري وتاريخ الائمة حتى اليوم، فالإنتقام من الخصوم والتمثيل بجثثهم منهج ديني لدى الحوثيين والأئمة مارسوه عبر التاريخ وأصلوا له، ولهم في ذلك فتاوى تزخر بها كتبهم العقدية وسير أئمتهم.
من جرائم الحوثيين
ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يقوم فيها الحوثيون بمثل هذه الجرائم، فقد قتلوا معارضيهم بطريقة وحشية، ثم حاصروا جثثهم ومنعوا أهلها من أن يتسلموها ليواروها الثرى، منذ أن بدأو تمردهم ضد الدولة في 2004 وأثناء الحروب الست التي زعموا وجاراهم الكثير للأسف بأنهم كانوا فيها مظلومين، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ارتكبوا مثل هذه الجريمة في صعدة مع عوض مسفر شداد ورفاقه، حيث كان الحوثيون قد قتلوا والده مسفر شداد عرقم الذي كان لديه مزرعة يعمل فيها ويعول أسرته، وكان الحوثيون يخوضون حربهم الخامسة مع الدولة، فهرب مجموعة من مسلحي الحوثي إلى مزرعته، وبدأوا يطلقون النار منها، طالبهم بالكف عن ذلك حتى لا تتعرض مزرعته لضرب الطيران الحربي اليمني.
ظن الرجل أن بإمكانه أن يطلب منهم ذلك ما دام أنها مزرعته!، لم يلتفت إليه “المجاهدون”، غير لهجة الخطاب وبدأ يتوسل اليهم ويترجاهم، أن يكفوا عن إطلاق النار من مزرعته حرصاً على حياته وحياتهم، لم يستمعوا إليه، ثم ضجروا من توسلاته، واعتبروه جباناً يخاف من الموت، صوبوا إلى رأسه رصاصاتهم ليردوه قتيلاً كي يصمت الى الأبد، وصمت مسفر شداد عرقم فعلاً إلى الأبد! كان ذلك في 4/5/2007م.
بعد يومين من هذه الفاجعة، وفي الوقت الذي كان ابن الشهيد واسمه عوض، يتلقى العزاء من بعض أصدقائه وأصدقاء والده في منزله، فوجئ الجميع بمسلحي الحوثي وهم يحاصرون المنزل، ثم قاموا بتفجيره وهم يرددون الصرخة ” الموت لأمريكا… الموت لإسرائيل … اللعنة على اليهود، النصر للإسلام “، قتل الإبن ولحق بوالده ومعه حسين عبد الله قشاقش، وجميل عيضة علي دعبش، وأحمد يحيى لعموم الحفنة، وزاهر حنتر قشاقش، قتلوا جميعاً، وتركوا تحت الأنقاض، وقد رفض الحوثي أن يسمح لذويهم بإخراج جثثهم ودفنها لمدة شهرين كاملين!!، حتى توقفت الحرب كسابقاتها، وبدأت لجان الوساطة عملها، بعد حوارات ومفاوضات مع “السيد” قائد المجاهدين، تكرم بالسماح بإخراج الجثث ودفنها، وقد قامت لجنة الوساطة بالفعل بإخراج الجثامين المتعفنة ودفنها!!
بل وأكثر من ذلك قام الحوثيون بتلغيم الجثث، حدث ذلك في مديرية كشر محافظة حجة، في 2012 التي لم يتقبل أبناؤها فتح بلادهم لمجاهدي الحوثي كما توقعوا، لقد قاومهم الأهالي بقوة وانتهى الأمر بصلح بين الطرفين، أجبر الحوثيين على مغادرة “كشر” الأمر الذي جعلهم يحقدون على الأهالي ويفكرون بالانتقام منهم بأقسى صورة ممكنة، فكان أن لجأوا إلى الألغام المصنوعة محلياً ليزرعوها في قرى مديرية كشر ويوزعوا الموت المجاني على كل ذي نفس في المنطقة، وقد تفننوا في ارتكاب جرائم القتل عن طريق الألغام وذلك بزرعها في أماكن لا تخطر على بال من لديه ذرة من ضمير.
ففي عاهم سقط المواطن محمد سبتان المقري قتيلاً بنيران الحوثيين، حاول المواطنون القريبون منه أخذ جثته فمنعتهم نيران مقاتلي الحوثي المتمركزين فوق منطقة الجرابي من أخذ الجثة، وحين أقبل الليل ودخل الظلام انطلق فريق زرع الألغام من مقاتلي الحوثي نحو الجثة ولغموا وفخخوا جثة الشاب محمد سبتان المقري، وهي سابقة لم يبتكرها أحد من قبل، وفي 20/2/2012م أخلى الحوثيون المواقع المتمركزة فوق الجثة، إيهاماً للمواطنين أنهم عملوا ذلك من أجل إتاحة المجال لهم لأخذ الجثة فانطلق المواطنون لأخذ الجثة وهم أحمد قاسم المقري، محمد هادي واقد، أحمد هادي واقد، هايل جبهان وعلي عبد الله جبهان، وما إن وصلوا إلى الجثة وحاولوا أخذها حتى أنفجرت الألغام المزروعة بالجثة فسقطوا جميعاً جثثاً هامدة إلى جانب جثة رفيقهم محمد سبتان المقري!!
على خطى الأئمة
إن الحوثيين وهم يعبثون بجثث خصومهم بكل هذا الحقد، إنما كانوا يعيدون إلى الأذهان سيرة الائمة ، وخاصة سيرة الإمام المؤسس الاول يحيى بن الحسين الرسي، ولا شك أن عبد الملك الحوثي وبعض ذويه وأتباعه المتعصبين، قد شعروا وهم يمنعون خصومهم (النواصب أعداء آل البيت كما يسمونهم) من أخذ جثث ذويهم، ثم وهم يتوسلون به ليسمح لهم بأخذها، ثم وهو يأذن لهم بدفنها، أن عبد الملك قد اصبح كالإمام الهادي، ولعله كان يعيد تجربته في هذه القضية بحذافيرها:
الامام الهادي وجثث بني الحارث
عندما فتح عمر بن الخطاب العراق جاءه أهله يشكون قالوا علمنا أنكم ستأخذون أرضنا غنيمة، فرق عمر لحالهم وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله سأنظر لكم، ثم اجتهد اجتهاده العظيم عندما أبقى الأرض تحت أيدي أصحابها، مقابل جزء بسيط يدفعونه (خراج) لبيت المال”. تعالوا لنرى ماذا كان يطالب اليمنيون المسلمون من الهادي بعد أن فتح بجهاده المقدس بلادهم!!
يقول ابن عم الهادي وراوي سيرته واصفاً معركته مع بني الحارث: “وانهزم القوم.. ووضع السيف فقتل من القوم (بني الحارث) خلق عظيم، وقتل الهادي في ذلك اليوم بيده جماعة كثيرة لم يثبت عدده هو ولا غيره، إنه كسر ثلاثة رماح في القوم، ثم ضرب بسيفه حتى امتلأ قائم سيفه علقاً وامتلأت أنامله على قائم سيفه بالدم، وفي ذلك يقول شعراً.. الخ.
حسنا، تلك معارك وبطولات قرأنا مثلها عن الزير سالم وعنترة بن شداد، فماذا بعد؟ قال الراوي: “فلما صارت منهزمة بني الحارث إلى جبل الأخدود وتعلقت به وطرحت السلاح والثياب وأخذ الناس لهم من كل جانب ومضى الهادي (صلوات الله عليه) إلى حصن لهم يقال له ثلاء، وكان حواليه مخازن من طعام، فأمر العسكر بنهبه وهدم الحصن وحرقه.
ولقد كان هذا ديدنه، ومعاذ الله أن يكون هذا فعل الفرسان النبلاء حتى في الجاهلية فضلاً عن الإسلام، ولكن ماذا بعد؟ يقول الراوي – وهو ابن عم الهادي وقائد جيشه – مفتخراً “ثم انصرف –أي الهادي- إلى القرية في آخر النهار، فأمر بالقتلى فجمعت ثم أمر بتعليقها في الشجر، فعلقت منكسة، في كل شجرة جماعة مؤزرين بالخرق والشمال، وأقام بالقرية ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتناً شديداً حتى لم يقدر أحد على أن يأكل لحماً، فأتت بنو الحارث إلى الهادي إلى الحق فقبلوا رأسه ورجليه ويديه وسألوه أن يهب لهم جيف إخوانهم فيدفنوها في الآبار والحفر، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى أجابهم، وذكرهم بما كان قال لهم، وطرحت الجيف في بئار خراب وحفر كانت خارجة عن القرية”.
تأمل ما فعله ابن رسول الله كما كان يسمي نفسه مع مخالفيه من المسلمين، لقد كان أقصى غايتهم أن يهب لهم جيف إخوانهم ليدفنوها. ورغم أنهم قبلوا رأسه ورجليه وليس ركبتيه، فقد ظل يأبى عليهم حتى أنتنت القرية فسلمهم الجيف المنتنة ولو أنه كان يملك ألغاماً كما يمتلكه أحفاده وأتباعه اليوم في حجة، لتسلموا الجثث ملغمة!! ومع ذلك يقولون لماذا تخشون إن أحيا الحوثيون اليوم شعيرة الجهاد كما أحياها الأئمة من قبلهم.
وقد مضى الائمة على منوال الهادي في قتل خصومهم بوحشية والتمثيل بجثثهم، وسيرهم تمتلئ بقصص مروعة في هذا الباب، بل إن كتاب سيرهم قد عدوا أعمالهم الوحشية في الإنتقام من الخصوم حتى بعد قتلهم من فضائلهم (عليهم السلام)!! كما فعل مؤلف سيرة أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات، المعروف بالإمام أحمد أبي طير،(612ــــ 656هـ) حيث عقد فصلاً بعنوان “في ذكر جمل من عيون فضائله بعد قيامه عليه السلام”. ثم ذكر بعضاً من الخرافات التي كان مؤرخو الائمة يحرصون على إيرادها لإثبات فضل الأئمة ” ومن فضائله عليه السلام الريح التي أنشأها الله تعالى يوم وقعة حضور وذلك أن السلطان لمّا أمر جنوده وحشد عساكره فتلاحم القتال واشتد الوطيس وكان المسلمون يومئذٍ فئة قليلة في مقدار القوم، وأمير المؤمنين في موضع فئة لهم ومعه من عيون الفضلاء وغيرهم وهو يبتهل إلى الله بالدعاء ويستمطر سحاب النصر إذ أنشأ الله ريحاً كالإعصار تحمل تربة إلى الحمرة ما هي، ثم عندها شد المسلمون على أعداء الله فولوهم الأدبار لا يلوي أحد منهم على صاحبه، فكم من صريع تنوشه السيوف وتحوم عليه طيور الحتوف، حتى قتل منهم طائفة ليست بالقليل، وفاز المسلمون بالغنائم الجزيلة من سيوف الحلي والحياصات والمناطق من الذهب والفضة والدروع والخوذ والسيوف والخيل والبغال والملابس النفيسة، وحمل روؤس القوم حائط مدينة ثلاء والحمد لله رب العالمين، وذلك من أعظم الآيات، وهي أول باكورة وقعت في أعداء الله، وذلك من بركاته عليه السلام.
الاقتداء بسنة الامام الهادي
لقد جعل الأئمة من جرائم الهادي سنة يجب اتباعها، لقد حكم الإمام عبد الله بن حمزة على من ادعى الإمامة وليس من آل البيت أن يقتل ويمثل بجثته، فقال معرضاً بنشوان الحميري:
أمَّا الذي عِنْدَ جُدُودِي فِيْهِ … فيَنْزَعُونَ لِسْنَهُ مِنْ فِيهِ
ويُؤْتِمُونَ جَهْرَةً بَنِيْهِ … إذْ صارَ حقَّ الغيرِ يدَّعِيهِ
ثم حاول حشد أدلة شرعية ـــ زعم ـــ لهذا الحكم، لكنه لم يجد سوى سنة الإمام الهادي، والتي جعلها بمثابة الدليل الشرعي، في الحكم الذي أصدره على نشوان بالقتل وقطع اللسان، حيث قال في شرحه للبيت السابق ما نصه: “ولما فرغ من الإلزام المتقدم المعرض بجواب المخالف، إمَّا بالرجوع إلى الحق، أو التمادي في الباطل، ذكر الذي عند أجداده -عَلَيْه السَّلام- ؛ لأنهم قدوة أهل الإسلام، وسادة الأنام، وصفوة الله -تعالى- من الخاص والعام، وسفينة النجا، وأقمار الدجى، وغاية الأمل بعد الله -تعالى- والرجا، وهم الذابون عن الدين، والمجاهدون للمعادين والمعاندين، فمن إدعى الإمامة لنفسه من غيرهم فقد اعتدى، وفارق أهل الهدى، وحل لقائم آل محمد – صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قتاله وقتله، ومن حل قتله جازت المثلة به إذا رأى الإمام ذلك صلاحاً، كما فعل الهادي -عليه السلام- ذلك في قتلى بني الحارث بن كعب إذ قتلهم في مدينة الهِجَر من نَجرَان، وعلقهم بعراقيبهم في الأشجار.
الاستناد الى فتوى الامام عبدالله بن حمزة
تأمل كيف أصبحت افعال الائمة – التي لا تختلف عن أفعال يزيد ـ أحكام شرعية واجبة الاتباع، وهذه إحدى نتائج نظرية التفضيل التي تبناها الأئمة، فالأئمة من ذ رية البطنين أصطفاهم الله وأختارهم، كما أصطفى وأختار جدهم محمد (ص) للنبوة، وعلياً للوصية والإمامة، وبالتالي فان أفعال وأقوال “أئمة الهدى ومصابيح الدجى” أحكام شرعية لا ينبغي االتشكك بها!، أو حتى محاكمتها لسنة النبي * أو الإمام علي، فالأئمة أولاً أدرى بسنة جدهم!، ثم إن سنتهم واجبة الاتباع كسنة جدهم، والمفرق بين الأئمة أو بينهم وبين جدهم كالمفرق بين الأنبياء!، هكذا يقول معظم علماء وأئمة الهادوية بدءاً من الإمام الهادي وحتى مجدالدين المؤيدي وآل الحوثي، ويكفي أن نتأمل في النص الذي أوردناه آنفاً لعبد الله بن حمزة، لنرى كيف اعتبر ما فعله الإمام الهادي بمعارضيه من بني الحارث سنة يجب اتباعها، ومبرراً شرعياً لحكمه الوحشي والعنصري على نشوان الحميري، ثم جاء الأئمة المتأخرون واعتبروا ما قاله عبدالله بن حمزة والحكم الذي أصدره على نشوان الحميري، حكماً شرعياً ليس فقط على كل من ادعى الإمامة وليس من البطنين، كما فعل نشوان، وإنما على كل من صوب نشوان في أقواله التي تؤكد على المساواة، وأن لا فضل لأحد إلا بالتقوى، فقد جاء الإمام الهادي ابراهيم الوزير(758ــــ822 هـ) فأيد ما قاله عبدالله بن حمزة، حيث قال:
وهم صوبوا نشوان في هذيانه … على أنه فيما هذى فيه آثم
وسادتنا نصت بقطع لسانه … رواه لنا المنصور إذ هو ناظم
ثم انتقل لشرح البيتين كما فعل عبد الله بن حمزة، والذي استشهد به في إصدار فتوى جديدة، فيما يلي نصها: ”
– المسألة العاشرة: ما تراه العترة الطاهرة فيمن صوّب نشوان بن سعيد في هذيانه، وما أطلق به أسلّة لسانه، من الأكاليم المعوجة، السالك بها في غير محجة، المدلي بها من دون دلالة ولا حجة، وكان من كلام هذا المنتصر لمذهب نشوان: هذا هو الصحيح الذي لا ينبغي خلافه – يعني مساواة نشوان بأهل البيت غيرهم – ما يكون حكم صاحب هذه المقالة؟ الجواب والله الهادي إلى نهج الصواب: أن حكم المائل إلى مذهب نشوان حكم نشوان، وقد حكم عليه المنصور بالله بقطع لسانه وقتله.
قال عليه السلام في أرجوزته المعروفة:
أما الذي نصت جدودي فيه *** فيقطعون لسنَه من فيه
ويؤتمون ضحـــوةً بنيه*** إذ صار حق الغير يدعيه
وهذه رواية المنصور بالله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، ولا أصدق منه راوياً، ولا أفضل هادياً، رضينا بحكمه وروايته، واكتفينا بهديه وهدايته. وعلى هذا المنوال سار كل الائمة عبر تاريخ اليمن ولو استرسلنا في ذكر جرائمهم في هذا الباب فقط لما وسعتنا مجلدات.
- المقال خاص بموقع “المصدر أونلاين”