المخا.. مدينة خارج سلطة الدولة اليمنية (استطلاع مصور) من داخلها يكشف كيف أصبحت الآن؟

محرر 28 يوليو 2017
[ تحول المخا الى ثكنة عسكرية ]
[ تحول المخا الى ثكنة عسكرية ]
استبشر المواطنين في مدينة المخا الساحلية التابعة لمحافظة تعز بعملية تحرير المدينة التي كانت تمثل قاعدة لعملية تهريب واسعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح طوال فترة حكمه، لكن علامات التفاؤل تلك تلاشت، وذابت بعد أيام قليلة من تحرير المدينة، التي تعد من أقدم الموانئ البحرية في اليمن.
 
تحولت المدينة ومينائها الى منطقة تسكنها الاشباح، ولم يقف الامر عند هذا الحد، فالجحيم –كما يصفه سكان هناك- يبدو التوصيف الأنسب عن الوضع الذي تعيشه بعد تحريرها، لدرجة ان بعضهم لم يعد يجد حرجا في نفسه من إطراء عهد سيطرة المليشيا الانقلابية على المدينة في العام 2014.
 
وفي محاولة كانت مليئة بالمخاوف والمحاذير، استطاع محرر “الموقع بوست” من الدخول لمدة ساعات بسيطة الى المدينة واستطلاع أوضاع الناس هناك، وتسجيل ما شاهده من انطباعات في هذه المادة.
 

نظرة تاريخية
 
المخا إحدى مدن محافظة تعز، وهي مركز مديرية المخا، وتقع غرب مدينة تعز على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عنها 94 كيلو متر.
 
اشتهرت المخا لأنها كانت السوق الرئيسية لتصدير القهوة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، وقد اشتهرت قهوة المخا التي تأخذ اسمها من هذا الميناء.
 
طبقا لرواية الرحالة جيرونيمو لوبو الذي أبحر في البحر الأحمر عام 1625 م كانت المخا مدينة صغيرة وذات شهرة ضيقة لكن منذ أن سيطر العثمانيون على معظم أجزاء الجزيرة العربية أصبحت المخا مدينة هامة بالرغم من أنها لم تكن مكان إقامة الباشا الذي يبعد عن المخاء مسيرة يومين وتحديدا في صنعاء، وقد اكتسبت أهميتها تلك من القانون العثماني الذي يطالب جميع السفن بأن ترسو فيها وتدفع ضريبة للمرور إلى البحر الأحمر.
 
وهي مدينة وميناء قديم مشهور، وهي من الموانئ القديمة التي ذكرتها النقوش الحميرية باسم (مخن) فقد قامت مدينة المَخا بأدوار تاريخية هامة قبل وبعد الإسلام، وقد سجل اسم المَخا في نقوش يمنية قديمة بخط المسند، مثل نقش للملك “يوسف أسار “المشهور” بذي نواس” يذكر النقش أن الملك “يوسف أسار”.
 
تعرضت مدينة المَخَا لعدة حملات عسكرية من قبل الطامعين في اليمن أهمها حملات البرتغاليين التي انتشرت في (أوائل القرن العاشر الهجري) على سواحل اليمن، وكانت هذه الحملات سبباً رئيسياً في تنافس الدولة العثمانية، والحكومة البريطانية على المنطقة، وفقا لويكيبيديا.
 

مديرية ذوباب المندب
 
في مديرية ذوباب المندب أصبح الوضع اشد من سابقه قساوة على المواطنين فيها، فبعد تحرير مركز المديرية لازال مغلق الى اليوم ولم يستطع الاهالي الرجوع الى منازلهم بسبب كثرة الالغام في المنطقة، اضافة الى تجاهل الهلال الأحمر الاماراتي وهو الذراع الإماراتية في العمل الإنساني الذي استلم الملف التحسين والاعمار لهذه المناطق بالقيام بواجبه، فمدينة ذوباب والتي كانت تستخدم وكر للمهربين ايام نظام المخلوع اصبحت منطقة اشباح اليوم لا يقطنها سوى جثث الانقلابين والبيوت المدمرة فيها.
 
اما قري المديرية كغريرة القريبة من جزيرة ميون عادت اليها الحركة بشكل طبيعي، وازداد النازحون اليها من مركز المديرية، ورغم هذا لكنها لم تحظى باهتمام حكومي واماراتي لإيواء النازحين، اضافة الي غياب الخدمات الاساسية عنها كالكهرباء والمياه، وهي كما يصفها كثيرون مناطق معزولة عن نطاق الجمهورية حتى بشبكات الاتصالات المحلية.
 
قري السويدة والعرضي والحريقية كلها مؤهلة بالسكان والنازحين، ووضعها يكاد يتفق مع غريره التي لا مجال للخدمات فيها، ومعاناة الناس التي تزداد بشكل يومي.
 
وهناك معلومات تتحدث عنها مصادر محلية من منطقة ذوباب الساحلية تؤكد قيام القوات الاماراتية في ردم ساحل المنطقة بالنيس والحجار في خطوة نحو انشاء قاعدة عسكرية على غرار ما حدث في المخا.
 
ميناء ومدينة المخا الساحلية
 
مجرد ان تطأ قدمك مدينة المخا الساحلية غرب تعز، فستجد نفسك عرضة للعديد من مظاهر الاستفزاز، سيكون عليك أولا ان تخضع لتفتيش نقاط الحزام الامني الذي شكلته القوات الاماراتية بتنسيق مع المقاومة الجنوبية التى تدير الوضع الاداري والامني في المنطقة، عقب عملية تحريرها من المليشيا الانقلابية.
 
وثمة مواقف مثيرة وغريبة تمارس في المخا تحت ذريعة الحزام الامني منها على سبيل المثال لا الحصر، منع الوافدين الى المخا من مدينة تعز بحجة عدم حملهم لتصاريح دخول للمخا، وهو مع حدث لكثيرين عندما ارادوا زيارة المخا ومعرفة الاوضاع فيها معيشا بعد التحرير، لكن ذلك يبدو سهلا مع حاملي الهوية (البطاقة الشخصية) من المحافظات الجنوبية، أو الصادرة من المخا سابقا، وبدون ذلك لن تستطيع دخول المدينة التي اصبحت تحت الوصاية الامارتية، كما يقول السكان هناك.
 
الميناء العسكري
 
إذا سمح لك زيارة المخا ومينائها الشهير (موكا) نسبة الى قهوة البن الشهيرة (كافي موكا) ستجد نفسك امام معسكر كبير فيه من التحصينات والمعدات العسكرية والقوارب الحربية الكثير، وفي مقابل ذلك ستجد ميناء خالي من الحركة، فلا اثار للصيانة والتأهيل، ولا يسمح حتى للصيادين بالعبور من امامه لممارسة أعمالهم.
 
هناك أربع بوابات مشددة في الميناء، اضافة الى كتائب كثيرة تحرسها القوات الجنوبية، وفي داخله تقع مساكن وملاجئ كثيرة للقوات الإماراتية، وملعب رياضي لهم، ناهيك عن رصيف مدمر، ومخازن جمعت محتوياتها، بما في ذلك قطع أبوابه الحديدة، وأصبح الميناء موقعا عسكريا من بداية رصيفه وحتى حرمه الداخلي في حارة العروك المحاذية له.
 
قبضة امنية قد توصلك الى السجون السرية
 
عند الحديث مع الاهالي في مدينة المخا الكل يرد عليك بالرفض عند طلب الحديث معه عن واقع المدينة الجديد، فهناك مخاوف من عمليات خطف وقتل جراء الخوض في مثل هذا الحديث وفقا للسكان، فهناك قوات منشرة في اوساط الناس، والجبهات، وأي حديث عن الأوضاع هناك سيكون سببا كافيا لاقتيادك الى سجون سرية بتهمة الانتماء لجماعة الحوثي، أو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
 
طرد الصيادين من اماكنهم
 
اعتاد ابناء المخا ابا عن جد ان يكون ساحل العروك اهم موقع بالنسبة لقواربهم التي يعملون فيها، ويضعون فيها قواربهم، ومنذ سيطرت القوات الاماراتية على الميناء تم تجميع القوارب ورميها بعيدا عن المكان المعتاد لدواعي امنية كما يصفها كما أبلغ الصيادون من القوات الإماراتية، ولذلك أفرغ ساحل العروك، واستبدلت جزء منه في التحصينات الكبيرة التي تم بنائها.
 
سعى الصيادون لمراجعة القوات الإماراتية، واقنعوا عاقل الصيادين (بمثابة رئيس نقابة) هاشم الرفاعي لمراجعة القوات الإماراتية، فذهب بملف الصيادين الى القوات الاماراتية شاكيا لهم اوضاع الناس هناك.
 
عند مقابلة الرفاعي للمسؤول الاماراتي الذي يدعى (أبو محمد) وهو الحاكم الفعلي للمخا، كان رده بأن يقنع الصيادين بوجود مكان اخر بعيدا عن العروك والمخا، وهو مكان يبعد حوالي سبعة كيلو متر تقريبا في منطقة تدعى (واحجة) جنوب الميناء، الامر الذي يضاعف معاناتهم في عملية الصيد، كما يرى صيادون في حديثهم مع “الموقع بوست”.
 
عملية الانتقال الى منطقة (واحجة) تكلف الصياد يوميا خمسة ألف ريال مقابل الانتقال إليها عبر السيارات، وممارسة عملية الصيد هناك، مع العلم ان هذه المنطقة كانت وكرا لعملية التهريب في السابق.
 

وبالإضافة الى غلاء اسعار المشتقات النفطية كونها تتواجد بشكل كبير في السوق السوداء، تضيف عملية ايجار السيارات معاناة جديدة فوق الى حياة الصيادين، ويضاعف ذلك عدم وجود مشترين والاكتفاء بحراج السمك والذي من خلاله تتم المنافسة على بيع السمك بكميات كبيرة تسد حاجة الصياد واسرته. 
 
شريحة كبيرة من ابناء المخا يعملون في مجال الاصطياد في البحر منذ ان توقفت الحركة الكبيرة في الميناء بداية 2000م، ما دفعهم أكثر للعمل في صيد الأسماك والاحياء البحرية، والتي كانت خيارهم الوحيد.
 
يقول أحد الصيادين: عندما بسط الانقلابيون سيطرتهم على المخا (المدينة والميناء) لم يتعرض الصيادون للمضايقة مثلما فعلت القوات الاماراتية بالتنسيق مع القوات الجنوبية التي جاءت لتحرير المخا من الانقلابيين.
 

غياب السلطة المحلية وخدماتها
 
اصبحت الدولة ومكاتبها في المخا منعدمة كليا، وجميع الاعمال الإدارية تتم عن طريق القوات الاماراتية وممثلها هناك، وهي التي تعين وتغير من تريد من الموظفين العاملين في مختلف الأجهزة الحكومية، وجرى استبدال كثير منهم من افراد ما يسمى بالمقاومة الجنوبية التي جيشتها الامارات لتحرير المخا، بينما تغيب السلطة المحلية بشكل تام، ما زاد من سخط الناس وغضبهم، فاختفت الخدمات ولم يبقى سوى مشاريع بسيطة يطلق عليها أعمال اغاثية.
 
الحرمان من الكهرباء
 
توجد في المخا المحطة البخارية والتي انشئت في السبعينيات من القرن الماضي، إبان حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي (1974-1977م) فعمرها الافتراضي بحسب عاملين فيها انتهي، ومنذ ذلك الحين لازالت تنتج الميجاواط من الكهرباء، لكن الانقلاب واثاره جعل المحطة أحد الضحايا، حيث تمركزت مليشيا الحوثي والمخلوع الانقلابية في محيطها، وتم قصف مجمعها السكني من قبل طيران التحالف العربي، وسقط ذلك قتلى وجرحي من مهندسي المحطة وابنائهم. 
 
ومع دخول قوات الشرعية مسنودة بالتحالف العربي تم التوقيع على صيانة ما تبقي من المحطة من وحداتها الاربع خلال خمسون يوما، حيث وقعها الهلال الاحمر الاماراتي مع محافظ تعز علي المعمري قبل زيارته الاولي الذي منع خلالها من دخول الميناء. 
 
بعد عملية صيانة الكهرباء تحسن وضع الشبكة الداخلية للمدينة عبر شركة الفيصل التي وقعت العقد مع الهلال الاماراتي، وفرح الأهالي هناك، وتسابقوا لالتقاط الصور التذكارية جوار المحطة، لكن ذلك لم يدم سوى أسبوع، وانتكس الوضع من جديد.
 
لعل من اهم الاسباب التي وصلت الينا من مصادر متخصصة في الكهرباء عند الحديث معهم هي عدم تلبية الهلال الاماراتي لمطالب ادارة المحطة في ايجاد الوقود الرئيسي للمحطة، مما جعلها تنفذ في ايام قليلة جدا، ومنها ايضا عدم قيام شركة الفيصل بواجباتها في ايجاد اسلاك كهربائية تناسب مع مناخ المنطقة، ما جعل الانفجار المتكرر يحدث في اغلب حارات المدينة.
 

مختصون مقربون من القوات الإماراتية أكدوا في حديث لهم مع لـ”الموقع بوست” بأن توفير مادة المازوت شرط إلتزمت به قيادة محافظة تعز، لكنها لم تفي بذلك، مما أثر على وضع المحطة.
 
لكن موظفون في السلطة المحلية بتعز أفادوا لـ”الموقع بوست” بإن انتكاسة الكهرباء جاءت بعد سحب الهلال الأحمر الاماراتي للدعم الذي كان يقدمه، مطالبا السلطة المحلية بتوفير مادة المازوت.
 
ساعات داخل مدينة وميناء المخا تشعرك بحجم الكارثة والفجيعة داخل هذه المدينة التي تعيش حاليا بين نارين، هيمنة القوات الإماراتية، وغياب الحكومة اليمنية بمؤسساتها المختلفة، ووحدهم المواطنون هناك من يدفعون الثمن.
 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق