بقلم - أبو زين
يبدو أنه بات لزاماً على المملكة العربية السعودية التي تقود منظومة التحالف العربي في اليمن منذ أكثر من أربعة أعوام إعادة تقييم المخاطر التي تتهددها في الوقت الراهن، وأسباب الوهن الكبير الذي أصاب العمليات العسكرية ضد الحوثيين في مقتل منذ مدة طويلة.
ولعلي لا أكون قد بالغت إن قلت أن الحرب التي يقودها التحالف قد دخلت مرحلة “الموت السريري”، فالحوثيون أصبحوا أصحاب المبادرات العسكرية ضد المناطق والمواقع المحررة، بينما تحول الجيش الوطني من خانة “الهجوم” على “الدفاع”.
أما عن الحالة المعنوية لأفراد الجيش الوطني فحدّث ولا حرج، فلا تكاد تدخل في نقاش مع أي قائد أو مجند في الجيش الوطني عن الوضع العسكري وضرورة الحسم ضد الحوثيين إلا وأطلق تنهيدة عميقة، ثم يحدثك بعدها عن “الخذلان” الذي تعرض له مشروع الحسم ضد الحوثي.
ليست حالة إنهزامية، بل على العكس فكل من تحدثت إليهم مؤمنون بأن الحوثي هو أضعف الخصوم في الساحة المحلية، وكلهم ينتظر بلهفة طاغية القرار للانطلاق صوب المدن والمناطق الملوثة بالحوثيين.
أحد قيادات الجيش، أصر على عدم ذكر اسمه، حدثني قائلا: أغلب الجنود هنا لديهم عائلات تعيش في مناطق الحوثيين. في السنة الأولى من القتال مع المليشيات كان كل منهم يحلم بموعد تحرير صنعاء وعودة المقاتلين الفاتحين الى أهاليهم وديارهم، أما اليوم فقد تبدل المشهد تماماً، فالأعداء تكاثروا فلا تدري من تواجه، وعدن التي كنا نظنها قد تحررت من الحوثي سقطت بيد مستعمر آخر.
ويضيف: المقاتلون الذين كانوا ينطلقون صوب الشمال مؤمنين بأن ظهورهم محمية صاروا اليوم يفتحون عيناً على صنعاء وعيناً على عدن، لا يدرون من أين ستأتيهم الرصاصة القاتلة: من العدو الانقلابي أم من الحليف المتربص الغادر.
وفي لحظات من البوح يستطرد هذا القائد قائلا: أستغرب كثيراً من طول بال السعودية وتركها للإمارات تعيث الفساد وتنشر الخراب في مدننا المحررة. نعرف أن الإمارات تحمل أطماعاً في اليمن، لكن الإمارات تتعمد أصلاً أذية السعودية، فهي تنشئ العشرات من الفصائل والمليشيات المسلحة والمقسمة، ثم تفتعل حروباً مع السلطة الشرعية التي تحمل ذات الهم الذي يحمله السعوديون وهو القضاء التام على الحوثيين. بالله عليك، كيف يمكن لنا أن نحقق نحن والسعوديون حلم “الحسم” ضد الحوثي، والإمارات كل يوم تقاتلنا بفصائلها المدربة والمسلحة كلما أردنا التقدم.
ويتساءل: لماذا هذا الإصرار الإماراتي على إحياء مشروع الإنفصال وحشد كل الجهود لإنجاح هذا المشروع بالرغم من أن مثل هكذا مشروع يتصادم بشكل مباشر مع المصلحة السعودية قبل المصلحة اليمنية؟ ثم ألا تدرك السعودية الخطر الذي يداهمها جراء مواصلتها السكوت على كل هذه الفوضى التي خلقتها الإمارات، والتي قد تتسبب بخسارتنا جميعاً نحن والتحالف للحرب وانتصار المشاريع الملغومة التي تهدد أمن واستقرار المنطقة؟
قلت له: لعل مشروع الإنفصال لا يشكل خطراً على المملكة، فقال لي: بل هو بمثابة أكبر قنبلة موقوتة تهدد بقاء واستقرار دول جزيرة العرب وعلى رأسهم السعودية.
فأولاً: التلويح باستخدام ورقة الانفصال والبدء العملي على تهيئة الأجواء في المناطق الجنوبية لفرضه بالقوة يعطي الحوثيين في الشمال مشروعية وحاضنة شعبية لم يكن يحلم أن ينالها حتى بالرغم من سيطرته على تلك المناطق. خاصة في ظل عدم وجود أية سلطة في الشمال سوى سلطة الحوثي، وبالتالي فإننا بالإنفصال نشرعن سلطته في صنعاء باعتباره الحاكم للشمال، كما سنخلق حالة من الغليان الشعبي في الشمال ضد التحالف الذي أدى تدخله الى تقسيم اليمن، وسيستغل الحوثي ذلك الغليان مدعياً بأن التحالف إنما حاربه لأنه وقف ضد الانفصال، الأمر الذي سيخلق حاضنة شعبية بالملايين معه، وهذا يعني أنه بات سلطة أمر واقع ولم يعد هناك مع السعودية إلا الدخول في مفاوضات مباشرة معه.
وثانياً: بالإنفصال تسقط السلطة الشرعية بشكل فوري، فمشروعيتها تأتي في الأساس بأنها السلطة الشرعية لليمن الموحد، أما وقد تغير الوضع فقد صار الشمال تحت حكم الحوثي كسلطة أمر واقع، والجنوب تحت حكم المجلس الإنفصالي الموالي للإمارات. وبسقوط السلطة الشرعية يكون الغطاء القانوني لعمليات التحالف العربي في اليمن قد انكشف تماماً، ولم يعد للتحالف حينها أية حجة قانونية لمواصلة القتال ضد الحوثيين، فهم يستندون على خطاب وطلب من رئيس الجمهورية اليمنية الموحدة لخوض الحرب ضد الحوثيين، أما وقد سقط الرئيس وسقطت الدولة الواحدة فمبرر الحرب قد نسف. وهو ما يوصلنا الى استنتاجنا السابق: انتصار الحوثيين وبقاء تهديدهم المباشر للسعودية.
وثالثاً: انفصال اليمن إن حدث فسيعطي سمعة سيئة للغاية عن السعودية وعن مزاعم النصرة والتحالف العربي، فاليمن الذي كان واحداً قبل تدخل السعودية صار مفصلاً مقطع الأوصال، والمليشيا الواحدة صارت مئات المليشيات المتوزعة في كل سهل ووادي. ويوم السادس وعشرين من مارس (أول أيام عاصفة الحزم) لن يكون يوم عيد لليمنيين، بل سيتذكرونه على أنه يوم “النكبة”.
ثم قال لي معاتباً: قد أطلت نقاشي يا ولدي، وفتحت مواجعاً نحاول مواراتها كل يوم على أمل أن يتبدل الوضع وعلى أمل أن تتحرك السعودية لوقف كل هذا العبث، لنمضي معاً نحو يوم الفتح الأكبر ونقتلع الخنجر الإيراني المسموم في منطقتنا ونسف مشروع الولاية إلى الأبد.
بقلم/ أبو زين