الديمقراطية و الإرهاب كحالتي توظيف

عدن نيوز2 مارس 2019
الديمقراطية و الإرهاب كحالتي توظيف
احمد عبدالملك المقرمي
احمد عبدالملك المقرمي

بقلم - احمد عبدالملك المقرمي

قبل أن يتم توظيف الإرهاب من قِبَل الدوائر الاستعمارية كوسيلة استعمارية جديدة تمارس بأساليب بوليسية قهرية ضد الشعوب و البلاد المستهدفة؛ كانت تلك الدوائر قبل ذلك – و بالذات الأمريكية – تلوح بالديمقراطية و الترويج لها؛ ليس كقيمة حضارية، أو رغبة حقيقية لنشرها؛ و إنما كوسيلة لممارسة الضغط و الابتزاز السياسي لهذا النظام أو ذاك.

هذه السطور إنما تتحدث عن الديمقراطية الصنم التي كان ظاهرها التبشير بها، فيما كانت حقيقتها عدم التمكين لها !

كان الأمريكان و من يدور في فلكهم يلوحون بالديمقراطية تخويفا للحاكم المستبد، و مخادعة للشعوب بغرض كسب ودّها من خلال التظاهر بتبني تأييد انتشار الديمقراطية، و حقيقة الأمر أنهم يستميتون لإفشال أي نجاح للديمقراطية كقيمة شورية حضارية .

لم يقدم الغرب الديمقراطية كقيمة من قيم آليات التداول السلمي للسلطة، و إنما قدموها للعالم العربي و الإسلامي كوسيلة للابتزاز و السيطرة؛ فقدموها للأنظمة الحاكمة كبعبع يخوفون به أولياءهم من المستبدين، و خاطبوا بها الشعوب كحلم و أمنية، و هم يضمرون الخداع و التمويه.

أما أن الغرب كان يخوف الأنظمة بالبعبع، المسمى الديمقراطية فليدفعهم إلى مزيد من التقرب إليه، و السير في فلكه، و التمسح بأعتابه، رجاء حبس البعبع عنهم، و فرض القيود عليه، مقابل بذل المزيد من التبعية و العبودية للغرب، و كان الغرب دائم الحديث عن الديمقراطية البعبع؛ ليظل النظام في مسار التبعية، و تبقى المجتمعات المخدوعة تعيش على وَهْم الوصول إلى ديمقراطية بتأييد- ما يسمى كذبا وزورا- العالم الحر !!

و حتى حين كان يسمح للبعبع أن يتمشى في هامش من الأرض، فكان يسمح له في ذلك و هو تحت السيطرة الكاملة، موثوقا بالحبال، مقيدا بالأغلال، مفخخا بالتزوير و التشويه و الزيف، محكوما بألا يتجاوز المشي أقصر مسافة، و بمشية عرجاء مشوهة، و في صورة مزرية محبِطة.

كان الغرب يبارك دائما نتائج ديمقراطيات الزيف و التزوير، بل و يشارك في تشجيع و رعاية ذلك التزوير الذي تمنحه رسائل التهاني لتلك النتائج المسخ صك القبول و الاعتراف بالبعبع الديمقراطي الخِدَاج، أما إذا جاءت ديمقراطية حرة و نزيهة فسرعان ما يتم الغدر بها و الانقلاب عليها.

أما حين يتباكى الغرب على الديمقراطية و يلوح بها فذلك حين يحتاج لفرض أمر أو تمرير شيئ على هذا النظام المستبد أو ذاك.

هنا فقط يكرس الحديث عن الديمقراطية و ضرورة أن ينفتح ذلك النظام أو ذاك عليها و الأخذ بها، ثم يوحي إلى بعض أوليائه بلعب دورهم في الحديث عن الديمقراطية ، فينهض الجادون من الشعب للمطالبة بصدق بالديمقراطية و بعضهم مصدق أن العواصم الغربية فعلا تريد نشر الديمقراطية لكثرة ما تثرثر به دوائرهم عن أهمية نشرها!

الملاحظ أن الغرب منذ بضع سنوات خفت صوته فجأة عن الحديث عن الديمقراطية التي كان يقدم نفسه على أنه السادن و الراعي و الحامي الأوحد لها، إذ خفت الحديث كثيرا عنها – اليوم – حتى لا تكاد تسمع عنها إلا شيئا يسيرا.

ما الذي حدث؟ لقد ألّهت الدوائر الاستعمارية صنما جديدا، ترى فيه أنه الأكثر فائدة للابتزاز، و الأبلغ أثرا في التهديد، و الأسرع طريقا إلى تحقيق مآربها، إنها التهمة بالإرهاب؛ الذي فرضت أمريكا تأليهه و تقديسه على الدول و المجتمعات و الأفراد؛ فإن انصاع هؤلاء للعبودية، فذلك المراد، و إلا فعريضة الاتهام و قائمة الأدلة المختلقة بأن هذا الفرد، أو تلك الجماعة أو تلكم الحكومة .. أو غيرها إرهابي أو إرهابية!!

الديمقراطية كانت بالنسبة للأمريكان سلاح ذو حدين، فقد يفلت التحكم بها فتأتي النتيجة على غير ما يريدون، أما بالنسبة لصنم الارهاب فإنه – وبحسب تفسير السادن الأوحد – سلاح ذو حد واحد و مضمون النتائج، و لا يقوى أحد على رفضه أو التملص منه، فبمجرد صدور الفتوى من واشنطن بأن هذه الجهة أو تلك الدولة إرهابية تتحاماها كل الدول :

إلى أن تحامتني العشيرة كلها و أُفْرِدت إفراد البعير المُعبّد

و الواقع المعيش يثبت ذلك.

الجميع يتذكر العرض المسرحي للديمقراطية الذي قام به الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، حين خطابه في جامعة القاهرة سنة 2008م.و الذي كان من ضمن ما قاله تبنى نشر الديمقراطية مستخدما التبشير بها كزينة لتجميل سياسة الإدارة الأمريكية و كعصا يخوف بها الأتباع!

لا يعني هذا أن إيقاف العروض المسرحية للزيف الديمقراطى – في هذه الآونة – جاء عن توبة من الأمريكان، أبدا و حاشا !! و إنما لأن الامريكان اكتشفوا فاعلية صنم جديد اسمه الإرهاب، فتبنوه بدلا عن المغالطة بالديمقراطية التي ما عادت مضمونة النتائج في هذا الزمن الذي يشهد نزوعا شديدا نحو الحرية و الديمقراطية الحقة، فكان لابد من كابح أقوى يفرض سيطرة و تحكما أشد، و بالتحالف الوثيق مع الاستبداد و مختلف الأنظمة الديكتاتورية، و الهوس الاستعماري الجديد لدى الدول الاستعمارية قديمها و الجديد!

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق