يمكن وصف 2018، بأنه عام سباق التسلح بامتياز، ففيه هبت رياح حرب باردة جديدة، مع تتالي إعلان الدول الكبرى عن امتلاك أحدث الأسلحة المدمرة، الأمر الذي قد ينذر بحرب مستعرة، تستنزف خزائن تلك البلدان في سباق لا تبدو له نهاية.
واقترح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاثنين، إجراء محادثات مستقبلية مع الرئيسين الصيني والروسي بهدف وقف ما وصفه بـ”سباق تسلح كبير وخارج عن السيطرة”.
وكتب ترامب في تغريدة على تويتر: “الولايات المتحدة أنفقت 716 مليار دولار هذا العام. هذا جنون!”، مضيفا “أنا متأكد أنه في وقت ما في المستقبل، الرئيس شي جين بينغ وأنا إضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، سنبدأ الحديث عن وقف جدي لما أصبح سباق تسلح كبير وخارج عن السيطرة”، وفق ما نقلت “فرانس برس”.
وكان ترامب نفسه هو من قاد سباق التسلح في أكتوبر الماضي إلى مرحلة خطيرة، عندما أعلن اعتزامه الانسحاب من معاهدة “ستارت” النووية المبرمة في ديسمبر 1987، بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، الأمر الذي أثار قلقا عالميا.
اتهامات متبادلة:
ومنذ عام 2014، تتهم الولايات المتحدة روسيا بانتهاك المعاهدة لكن روسيا تنفي هذه الاتهامات، وتقول إن واشنطن هي التي تنتهكها، وذلك عبر نشر نظام دفاع صاروخي في رومانيا.
وتؤكد موسكو أن هذا النظام قادر على إطلاق صواريخ باليستية من طراز كروز تهدد الأراضي الروسية.
كلمة السر في النفقات:
لكن الأعباء المالية الضخمة التي أشار إليها ترامب، ربما تجبره على التريث في أمر الانسحاب من المعاهدة، التي لعبت دورا أساسيا في انهاء سباق التسلح بالحرب الباردة، علما أن أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي كانت دخوله في سباق تسلح تكاليفه مرهقة للجمهورية المنهارة.
وقدمت مؤخرا، مجموعة من أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، مشاريع قوانين من شأنها أن تمنع دخول واشنطن في سباق تسلح، وذلك عبر حظر تمويل الصواريخ المتوسط والبعيدة المدى، إلا عبر شروط صارمة.
وقال السيناتور جيف ميركلي: “إن الانسحاب من الاتفاق النووي، سيدخل واشنطن في سباق التسلح النووي الجديد، سيكون مكلفا بالنسبة لخزينتنا”.
وبدوره، قال بوتن كلاما مشابها في نوفمبر الماضي، إذ شدد على التزام بلاده بتطوير أسلحتها دون الانزلاق إلى سباق تسلح، يرهق الميزانية الروسية.
وشهد العام 2017، زيادة في الانفاق العسكري لكل من الولايات المتحدة والصين لكنه انخفض قليلا لدى روسيا، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وأنفقت روسيا في 2017، 66 مليار دولار، في حين بلغت نفقات الولايات المتحدة 600 مليار دولار، وصرفت الصين على نشاطها العسكري 228 مليار دولار.
المصطلح والبداية:
ويعني مصطلح سباق التسلح التنافس الشديد بين دولتين أو أكثر في حالة صراع، للحصول على أفضل الأسلحة وأكثرها تطورا، بما يجعلها تتفوق على منافسيها.
وظهر هذا المصطلح قبل سنوات من اندلاع الحرب العالمية الأولى، عندما حدث تنافس شديد في مجال القوة البحرية بين بريطانيا وألمانيا، وبدأ الأمر بقلق لندن من تنامي قوة الأساطيل الألمانية، واستمر هذا السباق حتى اندلاع الحرب.
ويرتبط المصطلح بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي سابقا والولايات المتحدة الأميركية طوال عقود من الزمن، لكن الدولتين اتفقتا في المعاهدة على خفض ترسانتهما من الأسلحة النووية المتوسطة والقصيرة.
وأجبرت المعاهدة أو هكذا يفترض، الطرفين على سحب أكثر من 2600 صاروخا نوويا تقليديا، من الأنواع القصيرة ومتوسطة المدى، وما تزال هذه المعاهدة سارية حتى يومنا هذا، بين روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
تداعيات الانسحاب المتوقع:
وسيؤدي انسحاب أميركا من اتفاقية 1987، إلى نشر الصواريخ الأميركية بآسيا والمحيط الهادئ، وهو ما يعرض الأمن الصيني للخطر، مما قد يدفع بكين، في حال حدوث الأمر إلى زيادة الإنفاق على برنامجها الصاروخي.
ومن ناحيتها، هددت روسيا بالرد في حال أعلنت واشنطن انسحابها من المعاهدة النوية.
وقال الناطق باسم الكرملين إن موسكو سترد بالمثل، أي ستعمل على تطوير صواريخ في حال بدأت الولايات المتحدة تطوير صواريخ جديدة، مما يعني أن العالم قد يدخل سباق تسلح لا يعرف متى ينتهي.
خطوات متسارعة:
وتسابقت كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا على الكشف عن أحدث الأسلحة، بعضها نووي وقسم منها تقليدي.
وفي مارس، استعرض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، عددا من الأسلحة النووية الجديدة، التي قال إنه لا يمكن اعتراضها.
وشملت الأسلحة صاروخا من طراز كروز يعمل بالطاقة النووية وطائرة غير مأهولة تعمل بالطاقة النووية تحت الماء وصاروخا أسرع من الصوت جديد لا يوجد مثيل له في العالم، وفق بوتن.
بكين تدخل على الخط:
وفي أبريل الماضي، عرضت الصين أحدث صواريخها النووية العابرة للقارات، وتحدثت تقارير محلية عن قدرات خارقة لهذه الصواريخ.
وتقول تقارير غربية إن هذه الصواريخ، القادرة على حمل رؤوس نووية، من نوع طرازDF-26، تفوق سرعتها سرعة الصوت.
وبوسع هذه الصواريخ ضرب قاعدة غوام الأميركية في المحيط الهادئ، أي على بعد 3200 كيلومتر من الشواطئ الصينية، كما أن بمقدورها تدمير حاملات طائرات وقواعد تحت الأرض.
كما استعرضت الصين هذا العام العديد من الأسلحة التقليدية المتطورة، مثل مقاتلة الشبح، التي كشفت عنها في أكتوبر الماضي.
أسلحة أميركية:
ومن بين الأسلحة الجديدة التي اختبرها الجيش الأميركي في 2018، قنبلة نووية قادرة على اختراق التحصينات وضرب أهداف في أعماق الأرض، علما أنه يمكن إلقاء هذه القنبلة النووية من القاذفة الاستراتيجية “بي 2”.
واختبرت واشنطن أيضا، صاروخ “مينوتمان 3” البالستي في أبريل، وذلك في إطار تحديث برنامج الصواريخ الأميركية.