يصطاد علي محمد الأسماك قبالة شاطئ الحديدة منذ صغره، لكن للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود، يبدو الأب اليمني عاجزا عن اصطياد ما يكفي لإطعام أطفاله الثمانية بعد وصول الحرب الدائرة في البلد الفقير إلى مدينته الواقعة في غرب البلاد.
على حافة مرفأ الصيادين في المدينة المطلة على البحر الأحمر، يتحدّث محمد، وهو يفرغ الاسماك من شباك الصيد، عن خشيته من الإبحار بقاربه الخشبي الصغير إلى مسافات بعيدة خوفا من التعرض لإطلاق نار أو للتوقيف.
ويقول لوكالة فرانس برس “نحن في مأساة في ظل هذا الوضع. أًصبحنا نخاف جدا من الخروج إلى البحر. حتى عندما نغادر البيت، فنحن نقوم بتوديع أطفالنا لأننا لا نعلم إن كنا سنعود أم لا”.
وقطاع الصيد مهم في اقتصاد الحديدة التي تشهد منذ فترة معارك ضارية حينا ومتقطعة أحيانا. وتشير دراسة للبنك الدولي إلى وجود 10 آلاف صياد في الحديدة قبل الحرب اليمنية.
ويبعد مرفأ الصيادين نحو ثلاثة كيلومترات عن ميناء الحديدة الواقع في شمال المدينة، ويفصله كيلومتر واحد فقط عن جبهة قتال بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا والمتمردين الحوثيين عند مدخلها الجنوبي.
وكانت القوات الحكومية نجحت في دخول المدينة من جهتي الجنوب والشرق في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الحالي في محاولة جديدة للسيطرة عليها. واندلعت معارك عنيفة، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من السكان إلى تجنب سوق السمك.
وإلى جانب قلة الزبائن، يعاني الصيادون في المرفأ من خطر التعرض للتوقيف في البحر عن طريق سفن التحالف العسكري بقيادة السعودية الداعم للقوات الحكومية والذي يتحكم بالحركة في مياه وأجواء اليمن.
ويجبر هذا الأمر الصيادين على الاصطياد في مناطق قريبة من المرفأ وعدم الابتعاد عنه كما كانوا يفعلون طوال سنوات.
ويقول محمد “المخاطر لا تعد ولا تحصى، أوّلها الطائرة والبارجة، فقد (…) ينزل عليك صاروخ أو ضربة لا تعلم من أين أتى. هناك صيادون مفقودون في البحر، دخلوا ولم يخرجوا”.
شاحنة أو عربة:
في سوق السمك التابع للمرفأ، تبدو الأحواض البيضاء المصنوعة من البلاط فارغة إلا من عدد قليل من الأسماك المعروضة في سوق كان يعج يوميا بالناس قبل اشتداد المعارك في المدينة بداية الشهر الماضي.
وعند مدخل السوق، يهرول قلة من الزبائن وراء أي صيّاد ينجح في الاصطياد ما أن يصل إلى المرفأ حاملا بيديه صيد اليوم. وبين الصيادين من كان أكثر حظا من غيره، إذ حصّل صيدا كبيرا وضعه في مؤخرة شاحنة مكشوفة أو في عربة حديدية.
ويتذكر الصياد محمد سالم عدوين أن الانتاج “كان كثيرا في السابق، لأننا كنا نخرج أبعد من المسافة التي نخرجها الآن”.
ويضيف “الآن نخرج إلى 20 – 25 ميلا بحريا ونكون خائفين جدا. أما قبل الحرب كنا نخرج إلى 50 أو 60 ميلا بحريا وحتى 100 ميل بحري. ولكن هذا الآن أصبح من المستحيلات”.
ويتابع “كلما اشتدت المعركة تضرّر الصيادون”.
وفي بداية آب/أغسطس الماضي، أدّت أعمال قصف على سوق السمك ومستشفى الثورة القريب منه إلى مقتل 55 مدنيا وإصابة 170 آخرين بجروح، بحسب الصليب الاحمر. وقال المتمردون إن القصف سببه ضربة جوية للتحالف، بينما اتهم الأخير الحوثيين بقصف السوق والمستشفى.
ولا تزال آثار القصف واضحة في بعض أجزاء السوق، وبينها جدار تضرّر بشظايا القصف التي اخترقت شعارين للمتمردين رسما على الجدار.
في البيت أو في البحر:
في المياه، تبحر القوارب الخشبية الملونة محمّلة بالصيادين، المركب تلو الآخر. وما أن يعود إحداها حتى يقفز ستة صيادين على الأقل على متنها ويقومون معا بإخراج الاسماك من ثنايا الشباك.
وكتب على أحد هذه المراكب “المؤمن كالورقة الخضراء، لا يسقط مهما هبّت العواصف”.
وتعكس أوضاع السوق الظروف التي تمر بها مدينة الحديدة نفسها. فمنذ اشتداد المواجهات، أصبح سكان المناطق القريبة من جبهات القتال في الجنوب والشرق يخشون الخروج إلى الشارع، بينما لم تتأثر الحركة في المناطق البعيدة عن المعارك.
لكن الخوف نفسه يعتري كل سكان المدينة، من المناطق قريبة من الاشتباكات، الى المناطق البعيدة عنها. إذ يخشون تعرض الحديدة لحصار شامل بحري وبري وجوي.
وتهدّد المعارك في الحديدة إمدادات الغذاء التي تأتي عبر ميناء المدينة ويعتمد عليها ملايين السكان للبقاء على قيد الحياة في بلد فقير تهدّد المجاعة نحو 14 مليونا من سكانه، نصفهم من الأطفال، بحسب الأمم المتحدة.
ولا يفكر الصياد علي محمد في الانتقال الى مهنة أخرى في بلد غارق في نزاع مسلح قتل فيه نحو عشرة آلاف شخص منذ بداية عمليات التحالف في 2015.
ويقول “أين ستعمل وأنت لا تملك قوت يومين لأولادك حتى تذهب للبحث عن مهنة أخرى؟”، مضيفا “العمل كله متوقف والناس تعبوا، وأنا كذلك. أقسم بالله أنني لا أملك حبة أرز في البيت”.
ويشير طور العامر، الموظف في مرفأ الصيادين، إلى بلاغات عديدة تأتي من الصيادين نتيجة “القصف الذي يتعرض له الصياد من البارجات ومن الطيران”.
ويقول “الصياد إذا جلس في البيت مات من الجوع، وإن خرج للبحر مات قصفا”.