بقلم - محمد الصهباني
ما من ثورة في اليمن، إلا وتتكالب عليها قوى الشر، داخليا وخارجياً. لا يوجد مثال واحد لنجاح ثورة في اليمن، ثورة نقلت البلد إلى مستوى نهضوي وسياسي واجتماعي، وتحرر من الوصاية الخارجية، باستثناء ثورة 14 من أكتوبر/ تشرين الأول 1963 التي نجحت في قهر الاحتلال البريطاني، لكنها لم تنتصر للإنسان اليمني وجغرافيته.
بعد مرور أربع سنوات من الثورة الأكتوبرية “الثانية”، رحل آخر محتل بريطاني في 30 نوفمبر/ تشرين الأول1967، لتبدأ الصراعات السياسية بين الفصائل والقوى الداخلية، والتي أثرت سلباً على مواصلة بناء الجنوب، إذ بدأت القوى الدولية في نسج التحالفات مع الفصائل والقوى السياسية، كالاتحاد السوفياتي الذي استطاع فرض وصايته على الجنوب اليمني.
ينطبق الحال على الثورة السبتمبرية في “الشمال”، أو ما بات يحلو تسميتها “الثورة الأم” التي واجهت المؤامرات من القوى الداخلية والدولية والإقليمية، إذ خاضت القوى الجمهورية مع القوى الملكية حرباً دامت ثماني سنوات، بدأت في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 حتى 7 فبراير/ شباط 1968، لتنتهي تلك الحرب بتسوية سياسية، رعتها السعودية التي وقفت آنذاك داعمة للقوى الملكية.
صحيح أن إنجازات كبرى تحققت، ولا يمكن لمنصفٍ الانتقاص منها، منها مثلا اتجاه الحكومات المتعاقبة إلى بناء منشآت كلفت الخزينة العامة ملايين الدولارات، لكن ظلت تلك المنشآت، وما تزال وكرا لتصدير الفساد، مثل وزارة النفط والمعادن، حيث تجري مئات من عمليات النهب في أروقتها.
لا يشع الصباح في أرياف البلاد، إلا بمشاهدتك مئات الأطفال في عمر الزهور، وهم يتوجهون على متن الدراجات النارية إلى مزارع القات. آلمتنا هذه المشاهد كثيراً، ما يكشف عن واقع فاضح أكثر إيلاماً، واقع يقضم مستقبل الطفولة والتعليم بضراوة.
إجمالا، اليمن اليوم محكوم من عصابات محاطة بجيش أسري، كُرس لقمع الشعب منذ زمن بعيد، إذ تتفاوت حالة الفساد في الدول العربية، لكن أينما وجد هذا الفساد وجد معه، أو بجانبه، ما يُجَمِّل البلد من خدمات راقية، ويكون لسلطة الدولة حضور وهيبة، في حين أن الأمر عكس ذلك في اليمن.
يتألم الشاعر اليمني عبد الحكيم الصبري، إذ يقول: “حشدٌ من الجند من خلفهم ألف شيخ وشيخ يديرونهم والبلاد إلى الخلف نحو المكان السحيق. على بعد حلم أنخت ارتحالي ويمّمت وجهي إيابا، فتاهت دروبي وضاعت علامات رشدي، وحتى أنا ضعت مني، فناديتني في قفار الضياع الصدى عاد ينعي ضياعي وصوتي كما ضاعت الأمنيات”.
ستة عقود، واليمنيون يعيشون عصور التخلف الممنهج في بلد اليمن السعيد الذي لم يكن سعيداً، إذ لطالما أنهكته الظلامية الناتجة عن السياسيات العشوائية التي ولَّدت الكوارث والأزمات بشكل متصاعد.
وصف الباحث والمفكر الأميركي، روبرت بوروس، نظام الحكم في اليمن بأنه “نظام حكم اللصوص باللصوص ومن أجل اللصوص”. هذا الوصف الدقيق جاء خلاصة لدراسته ومتابعته للشأن اليمني منذ العام 1957. ويعلق الكاتب اليمني، عبدالسميع شريح: “اللصوص في بلدنا طائفة مجتمعية أفسدت محيطها وأرهقت شعباً، وأقعدت وطن عن الحركة والنهوض، تدعي الأحقية في الحكم والولاية والنسب الأصيل، وشعارها الخفي دوما “الحكم للصوص”.
أحد عشر رئيسا و45 حكومة، أدارت البلد تحت رحمة قوى الهضبة الزيدية، من دون هدى أو حكمة، باستثناء عهد فترة الرئيس إبراهيم الحمدي، ثلاث سنوات، لتدفن المرحلة الذهبية في حياة اليمنيين، بمقتل رمز التقدم والرخاء. عدا ذلك لم يكن سوى المقابر لليمنيين، ما دفع الشاعر، عبد الحكيم الفقيه، للقول:
بكينا دماً
والسماوات نفس السماوات
والأرض مكتظة بالقبور.