بقلم - محمد علي محسن
ضاع الاستقلال الناجز يوم ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م وسيضيع التحرر من نظام عفاش وحليفه الحوثي ،وسيضيع الانتصار تلو الانتصار ما بقيت البيضة الرديئة من ذاك الغراب الرديء .
المسألة بديهية ومنطقية ولها صلة بالعقلية المسيطرة المهيمنة النافذة وان اعتدَّت هذه المرة بانتمائها لحقبة الألفية الثالثة ، أو تعاطت مع ادوات العصرنة والحداثة ..
في الأمس ، ضاع الجنوب ، بسبب دوامة العنف الرهيبة ،وبسبب تلك الشطحات والمزايدات والعنتريات الكاذبة ،وبدلاً من الاعتراف بها وتصويبها ، تجنباً للوقوع في ذات الأخطاء السالفة ؛ رحنا نبرر خيبة الآباء ، وذهبنا ننسف كل محاولات الانتقال السياسي السلمي المدني الديمقراطي الحضاري .
في الأمس وفي زخم الشعارات الثورية الديموغوجية اغلقت جغرافية الدولة الوليدة بقفل ومفتاح الانغلاق السياسي الاقتصادي ،والنتيجة توقف عجلة النهضة الصناعية والتجارية والعمرانية ، ما حرم الجنوبيين من أهم طفرة اقتصادية شهدتها دول المنطقة خلال حقبة الحرب الباردة ..
في ذروة الشعارات الثورية ، غرق الرعيل الأول في خضم معارك وحروب بلا منتهى ،فمن تحرير ظفار والجبل الاخضر شرقاً ،الى نجران وجيزان وعسير شمالا ً ، الى موزمبيق وغواتيمالا في أفريقيا وامريكا ، إلى صراعات قبائليتاريا في مساحة الجنوب ،الى اسقاط النظام الرجعي والامبريالي في صنعاء والخليج عموماً ..
في الأمس كانت روسيا أقرب لنا من الخليج وصنعاء وجيبوتي والقاهرة ، وفي الحاضر الإمارات حليفنا الأول والأخير ومجرد نقدها أو مطالبتها بتفسير أمر ما فانك هنا كمن يلج جهنم برجليه ..
في الأمس حفظنا اسماء عائلة فلاديمير اليتش اوليانوف ” لينين ” عن ظهر قلب ،وزعمنا كذباً وزوراً أن الجنوب ، كوبا العرب ، وان الساحة الحمراء ،اقرب لنا من مكة المكرمة، كما وزيارة جثمان لينين أجدى وانفع من زيارة مسجد ورمس الرسول ..
وفي الحاضر عليك أن تكون ملكياً أكثر من ملوك وامراء السعودية والإمارات ، وعليك فقط الإذعان والخضوع لأرباب العهد الثورجي ؛ فحتى وان رأيت وطنك تنهشه الكلاب والذئاب والفئران ؛ فعليك أن تصفق لوطن بناته الفاشلين والمعتوهين .
احلامك ان سرقت منك ،او كبريائك اذا ما انتهك واغتصب ؛ فيتوجب منك في هذه الحالة ، إما الموت كمدا ً وخجلاً ،واما مشاركة الموتى طريقة حياتهم البائسة ..
في الأمس ضاع الاستقلال المجيد في أتون ثورات وانتفاضات وحركات شعارها المفضل ” نحن ناضلنا وقاتلنا وعلى الأرض استولينا ” واليوم لا أرى غير صدى كئيب ممل سؤوم لذلك الصوت المجنون ولتلك الحقبة الزمنية ..
طبعاً ، لا اغفل هنا ،ان سنون ما بعد رحيل اخر جندي بريطاني يمايزها عن حقبة ما بعد تحرير الجنوب من قوات صالح والحوثي ؛ بكونها حملت لفكرة سياسية تقدمية ، فلا مقارنة بين رقي الأسلاف وتخلف الأبناء والأحفاد ..
ختاماً ، اذكر بوصية لويس الرابع عشر لحفيده : ” حذار أن تكون مولعاً بالأبنية والأبهة والحروب كما كنت مولعاً بها ، بل اعمل لتخفيف آلام الشعب إذ لو لم تنغمس فرنسا في تلك المآسي من الحروب لأصبحت أغنى وأرفه دولة في أوروبا “.
محمد علي محسن