بقلم - مأرب الورد
من اللحظات الصعبة في حياة الإنسان أن تجبره ظروف قاسية (كالحرب) على النزوح عن دياره مع أسرته إلى مكان بعيد ليس فيه الحد الأدنى مما يحتاجه الهارب بجلده من جحيم الحرب، فكيف عندما يكون الاستغلال والتعامل غير اللائق في انتظاره؟
هذا ما ينطبق على نازحي الحديدة البالغ عددهم 121 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة، والذين يواجهون جحيماً لا يقل سوءاً عن ذاك الذي هربوا منه، إذ لا سكن ولا غذاء ولا أمن ولا حتى أي تعامل لائق ممن يُفترض أنهم معنيون بأمرهم، إما بحكم الأمر الواقع كالحوثيين، أو بحكم الشرعية الدستورية كسلطة الرئيس هادي.
بدأت رحلة المعاناة من لحظة اتخاذ قرار النزوح، الذي كان صعباً عليهم، إذ إنه يعني ترك منازلهم وممتلكاتهم التي لا يستطيعون حملها، ويخافون عليها من الدمار أو السرقة، ناهيك عن أنه لا يوجد مكان يتوفر فيه الحد الأدنى مما يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة.
من المعروف أن سكان الحديدة فقراء، وهي مفارقة غريبة ومؤلمة، مع كون محافظتهم غنية وفيها موارد مالية كبيرة، أهمها الموانئ، ولكن من حكموهم بالماضي والحاضر نهبوا ثرواتهم، وبادلوهم الحرمان والتهميش، واليوم يجبرونهم على النزوح، ولا يجدون تكاليف المواصلات، فيضطرون إلى بيع مواشيهم أو مجوهراتهم إن وجدت.
بحكم القرب الجغرافي، تبدو صنعاء أكثر المحافظات استقبالاً للنازحين، يليها دون ترتيب إب وتعز، بيد أن عدداً قليلاً من النازحين اختار الذهاب إلى عدن، وهناك وجدوا قوات موالية للإمارات تمنعهم من الدخول إلا من كان محظوظاً بوسيط أو خلافه.
المشكلة الكبيرة تتمثل في عدم وجود خطة طوارئ لاستيعابهم في مخيمات مجهزة بما يوفر لهم احتياجاتهم الضرورية، كما يتم التعامل مع النازحين في مناطق النزاع، إذ لم يقم الحوثيون بواجبهم كسلطة أمر واقع بصنعاء، ولا المنظمات الدولية قامت بدورها، ولا الحكومة قادرة على فرض توجيهاتها على الأرض لدى القوى المتحكمة والموالية للإمارات.
بعض النازحين لم يجد غير السكن مع أقاربه في صنعاء أو غيرها، لكن هؤلاء بحاجة إلى المساعدة، خاصة في ظل انقطاع الرواتب، وتدهور الأوضاع المعيشية، وغلاء الأسعار، وبعضهم ليس أمامه من خيار غير التكدس وسط أعداد كبيرة في المدارس التي تفتقر إلى الصرف الصحي، ومياه الشرب، والمواد الغذائية، والبعض الآخر اختار العيش في خيمة بأرصفة الشوارع، من أجل لفت انتباه الناس إليه لمساعدته.
الميسورون -وهم قلة- واجهوا ثنائي الاستغلال والجشع عندما أرادوا استئجار سكن أو البقاء في فندق، بعدما ارتفع إيجار الشقة من 30 ألف ريال إلى 70 ألف ريال بصنعاء، أما الغرفة في الفندق فمن 5 آلاف باليوم إلى 10 آلاف ريال.
الأمم المتحدة اكتفت بإعلان أرقام النازحين، ومساعدة بعض الأسر بالغذاء ومستلزمات الطوارئ، وهو يعكس فشلها في هذه القضية مع انشغالها وغيرها من المنظمات الدولية بالمسارين السياسي والعسكري، والتركيز على وقف عملية الحديدة لوقف النزوح، لكن هذه الجهود غير مجدية مع استمرار القتال بريف المدينة.
وفي الواقع، فإن مأساة نازحي الحديدة جزء من مأساة مليوني نازح داخلياً لا أحد يكترث لهم، رغم مرور ثلاث سنوات ونصف على الحرب التي يبدو أنها ستطول مع تعثر المبادرات الدبلوماسية.
*العرب