أنا أمام موت محقق وكذلك معظم النازحين من الحديدة.
لم يعد لديّ ريال واحد لأن الحرب استهلكت كل مدخراتي وحتى الآن أنا في صنعاء لم أستطع إيجاد سكن منذ نزحت بعائلتي إليها مؤخراً».
هكذا يقول الكاتب محي الدين سعيد متحدثاً لـ «القدس العربي» عن وضع مأساوي يعيشه أعداد كبيرة من نازحي الحديدة منذ وصولهم صنعاء هرباً من حرب تستعر في أطراف المدينة منذ مستهل حزيران/ يونيو حيث يشهد القتال هناك تصعيداً يقترب من أحياء المدينة.
وصنعاء قد تكون أكثر محافظات البلاد استقبالا للنازحين من الحديدة إلا أن النازحين فيها يعيشون وضعاً ضاعف من معاناتهم نتيجة عدم استيعابهم في مخيمات توفر لهم الرعاية والحماية من الأمراض والاستغلال حسب مصادر حقوقية محلية».
كثير من العائلات باعت مصوغاتها من أجل النزوح من المدينة مخلفين ورائهم كل شيء والميسورون مع من باع ما بقي من مدخراته هم اليوم عالقون في الفنادق هنا حتى يحصلوا على بيت للإيجار في صنعاء ولا يعرفوا كيف ستكون أيامهم المقبلة» يقول محي الدين سعيد.
إلى ذلك قالت الناشطة غادة الحداد لـ «القدس العربي» أن عائلات من نازحي الحديدة من الفقراء مازالت تفترش أرصفة في شارع «الزبيري» وسط صنعاء ونصبوا هناك خياماً بسيطة لنسائهم وأطفالهم بسبب فقرهم الشديد وعجزهم عن استئجار سكن أو البقاء في فندق بل إنهم لا يجدون ما يقتاتون منه.«
لقد تركتُ الحديدة وهي تغتلي بالنار فيما الناس في وضع اقتصادي في غاية القسوة فالناس هناك فقراء لا يهتمون بالوجبة التالية».
يضيف النازح محي الدين موضحاً إن مأساة أبناء الحديدة سواء الذين مازالوا في المدينة أو النازحين منها تتضخم يوماً بعد آخر لاسيما مع فقرهم واقحام منطقهم في معركة لا يبدو إنها ستحسم سريعاً وبالتالي فتركهم هكذا ولفترة مفتوحة سيضاعف من معاناتهم الإنسانية على حد قوله.
صعوبة استئجار سكن:
وقال سعيد «إن كثير من النازحين غير قادرين على استئجار سكن فأنا لم أجد سكنا حتى الآن وكل الزملاء خذلونا وانقطاع المرتبات دمر حياتنا».
وأوضحت الناشطة الحداد «إن المؤجرين في صنعاء رفعوا إيجارات البيوت منذ نزوح أبناء الحديدة مستغلين وضع النزوح بينما أبناء الحديدة وتهامة فقراء».
وأضافت « ايجار الشقة الذي كان ثلاثين ألف ريال ارتفع إلى سبعين ألف ريال بصنعاء أما الغرفة في الفندق فالتي كانت أجرتها اليومية خمسة آلاف فقد أصبحت بعشرة آلاف ولهذا فنازحو الحديدة بين نارين: ناز العوز والنزوح ونار الفقر والاستغلال».
النازح في صنعاء يتعرض لكافة أنواع الانتهاكات يقول محي الدين مؤكداً «غياب واضح لكافة أشكال المساعدات والإغاثة».
مخيمات:
رئيس مؤسسة «وجوه للإعلام والتنمية» منصور الجرادي قال لـ «القدس العربي» إن ما يضاعف من معاناة هؤلاء النازحين في صنعاء يتمثل في عدم وجود خطة طوارئ لاستيعابهم في مخيمات مجهزة بما يوفر لهم احتياجاتهم الضرورية كما يتم التعامل مع النازحين في مناطق النزاع.«
ثمة غياب واضح لجهود المنظمات الدولية والمحلية في التعامل مع مأساة النازحين من الحديدة في صنعاء» مطالبا سلطة الأمر الواقع في صنعاء وسلطة عدن بسرعة التعامل المسؤول مع مأساة النازحين في المحافظات كلا حسب سلطته لأن استمرار الوضع دون معالجات مسؤولة سيفاقم مع المأساة الإنسانية وسيخلق مشكلات صحية واجتماعية وقد يذهب بأعداد كبيرة من الأطفال للحرب.
وانتقد رئيس مؤسسة «وجوه» ما تقوم به سلطة صنعاء من استيعاب لبعض النازحين في بعض المدارس وقال» من غير المعقول أن يتم حشر عائلة بكاملة في غرفة واحدة» مشيراً إلى ما بات يظهر من ملامح مجاعة تدق أجراس الأسر حد قوله.
مطالباً المنظمات الإغاثية الدولية والمحلية بسرعة التفاعل المسؤول مع الوضع الإنساني للنازحين وبخاصة النازحين من الحديدة لأنهم يعانون من الفقر والمجاعة والأمراض ومعها النزوح ما يجعل من نزوحهما مضاعفة لمعاناتهم وتهديداً لهم ولبيئة النزوح في حال تركهم بدون رعاية وحماية كاملة.
ويعاني 18 مليون نسمة من أصل 27 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي ويشمل هذا الرقم 8.4 مليون شخص يعتبرون «ممنوعون من انعدام الأمن الغذائي بشكل خطير ويواجهون خطر المجاعة» بزيادة تقارب 24 في المائة عن عام 2017 وذلك وفقاً لمؤشرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
الجدير بالإشارة إلى أنه لا توجد حتى الآن أرقام مؤكدة ودقيقة لأعداد من نزحوا من الحديدة إلى خارجها إلا أن معظم النازحين توزعوا بين: أرياف الحديدة – امانة العاصمة صنعاء – محافظة إب – محافظة حجة وترجّح مصادر حقوقية محلية ارتفاع اعداد النازحين إلى مئات الآلاف.
واعتبارا من أوائل عام 2018 كان في اليمن ما يقرب من 2 مليون شخص من النازحين داخلياً وهو العدد الذي سيزداد مع استعار المعركة في الحديدة.
ويحتاج معظم الأشخاص النازحين داخليا إلى مساعدات غذائية عاجلة ويضيفون عبئاً على المجتمعات المضيفة التي تكافح للتعامل مع الموارد المحدودة أصلاً وفق الأمم المتحدة.