هكذا تقاوم صنعاء هويتها من بطش الحوثيين بالنكتة!

محرر 27 أبريل 2018
هكذا تقاوم صنعاء هويتها من بطش الحوثيين بالنكتة!

تقاوم صنعاء للحفاظ على هويتها من بطش الحوثيين االثقافي بطريقتها، وبالنكتة، فالرفض الذي يكاد يتدفق جحيما من أعين سكان العاصمة في أوج حالاته، على الرغم من امتلاك الجماعة لكل أدوات الإرهاب المادي والمعنوي، واستنادها إلى شتى وسائل القمع والتنكيل بحق معارضيها.

في الأماكن العامة، وفي الأسواق، في وسائل المواصلات، في طوابير الغاز، في المؤسسات الحكومية، في جلسات المقيل، وفي المدارس وفي صالات المناسبات، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل التطبيقات النصية، من خلال كل هذا لا يتوقف اليمنيون في صنعاء عن رفضهم الناعم للميليشيات الحوثية.

يتجلى هذا الرفض الذي يعبر عن روح المجتمع وثقافته التي اكتسبها خلال عقود، من خلال، أساليب التهكم من أفعال الميليشيا وتصرفاتها، وتحويل المفردات الحوثية والألقاب والمصطلحات التي تحاول الجماعة فرضها على المجتمع إلى مادة للتندر والسخرية اللاذعة.

يختلف إبراهيم.م (28 عاما) مع بائع الفاكهة على السعر الذي يراه، في نظره مرتفعا، فيقول له: «عندما أصبح مشرفا سأدفع الثمن الذي تريد دون جدال». في إشارة تعريضية إلى حجم الثراء الفاحش الذي بات عليه عناصر الجماعة المعينين في المؤسسات الحكومية والمصالح العامة والذين يسمونهم بـ«المشرفين».

باتت مفردة «مشرف» لدى سكان صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها الجماعة، حين يتم إطلاقها في السياق العام، معادلا موضوعيا لمعاني الثراء واللصوصية والسطو على الممتلكات العامة والخاصة، كما استطاع الأداء الجمعي للمواطنين أن يربطها بالشر الشيطاني المطلق، عبر أسلوب الطرفة التي غدت بابا واسعا يتنفس منه اليمنيون.

من ضمن الطُرَف المتداولة عبر رسائل التطبيقات النصية، تلك التي تحكي عن شخص فقير حصل صدفة على «مصباح علاء الدين» وقام بفركه ليظهر له المارد ليسأله عن الأمنية التي يريد تحقيقها، فيرد عليه من فوره، طالبا أن يجعله مشرفا حوثيا.

ثم بعد مدة وجيزة من تحقيق أمنيته، يفرك الرجل الذي بات قادرا على تحقيق أي شيء بجاهه ونفوذه وماله، المصباح ليظهر له المارد، ليبادره هو هذه المرة بالقول «شبيك لبيك المشرف الحوثي بين يديك اطلب أمنيتك أيها المارد».

روح التهكم التي يقاوم بها اليمنيون سطوة ميليشيا الحوثي، امتدت إلى التندر من «الكنى» التي عرفتها، صنعاء على نطاق واسع بعد الانقلاب الحوثي حيث يتخفى وراءها، عناصر الميليشيا بدلا عن ذكر أسمائهم الحقيقية، حيث صار من الشائع أن تسمع أطفالا ورجالا في الشارع ينادون بعضهم على سبيل الدعابة الساخرة يا «أبو ملعقة»، يا «أبو عودي» (أصناف من الحلوى الرخيصة التي يشتريها الصغار).

وبالمثل كان تعامل الشارع الشعبي في صنعاء مع وصفه بـ«ولي الله» الذي يطلقه أنصار الجماعة على بعضهم البعض، في سياق الثقافة التي يحاولون فيها استغلال الدين لخلق هالة من القدسية عليهم، إذ باتت هذه الصفة هي الأخرى في التداول اليومي دالة على معاني «الهمجية والقتل واللصوصية».

يتفاجأ سكان أحد الأحياء الجنوبية في العاصمة صنعاء بخطيب حوثي، يصعد المنبر يوم الجمعة، في مسجدهم الذي لم تصل إليه الميليشيا من قبل، وحين يبدأ في إطلاق الشتائم البذيئة على المناهضين للجماعة من القوى اليمنية الأخرى، يحمل المصلون أحذيتهم ويغادرون المسجد بشكل جماعي وسط ذهول خطيب الجماعة وحراسه المصلين. وفي مدرسة «حليمة السعدية» الحكومية لتعليم الفتيات، الواقعة غرب حي «الحصبة» جوار ما يعرف بمعسكر الصيانة، حضر قبل أسبوع، مشرفون حوثيون صباحا لتلقين الطالبات في طابور الصباح «الصرخة الخمينية» التي تتخذ منها الجماعة شعارا طائفيا دالا عليها، إلا أن المفاجأة كانت صاعقة، إذ اندفع الفتيات دون توقف بترديد الشعار الوطني «بالروح بالدم نفديك يا يمن».

هذه الحادثة التي تم توثيقها في مقطع مصور متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تمر مرور الكرام، إذ أفادت مصادر تربوية في العاصمة بأن الجماعة اعتقلت إحدى المدرسات مع أبيها وشقيقها، بعد أن اتهمتها بأنها هي المسؤولة عن تمرد طالبات مدرسة «حليمة».

يقاوم الكبار والصغار، والنساء والرجال، في صنعاء، بطريقتهم الوجود الحوثي الغاشم، حتى فئة المتشردين الذين كانوا يتجولون في وسط العاصمة، وهم يعلقون على أجسادهم عشرات الصور للرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح وأقاربه والعلم اليمني، يقاومون بطريقتهم.

أحد هؤلاء المتشردين، رأته «الشرق الأوسط» في ميدان التحرير وسط العاصمة، وقد تخلى عن تعليق صور صالح المتنوعة على جسده، مكتفيا بعلم صغير يعلقه على رأسه، وعند سؤاله عن الأمر، يبتسم وكأنه انتصر على سائله، وهو يفتح دفتي معطفه لترى أنها ما زالت معلقة، لكنها هذه المرة من الداخل، حتى لا يتعرض لأذى الميليشيات. وتمتد المقاومة الناعمة للوجود الحوثي حتى أثناء عمليات «الحوثنة» الإجبارية لموظفي الدولة عبر إخضاعهم للدروس الطائفية والدورات الثقافية.

يقول ضابط رفيع برتبة عميد كان يعمل في إحدى الهيئات التابعة لوزارة الداخلية، وتتحفظ «الشرق الأوسط» على ذكر اسمه لحمايته: «حضر الكثيرون من الضباط وعناصر الداخلية السابقين إلى الدورات التثقيفية الحوثية، وهدفهم لم يكن سوى الحصول على المكافأة المالية المجزية التي تمنحها الميليشيا في نهاية الدورة التي قد تمتد من ثلاثة إلى عشرة أيام في أحد الأماكن السرية». ويقول الضابط: «المحاضرون الحوثيون في هذه الدورات جهلة وأميون، وعلى رغم رفعهم للشعارات الدينية الطائفية، فإنهم عندما يحضر وقت الصلاة لا يصلون، ويركزون فقط على خطب الحوثي وملازم أخيه حسين مؤسس الجماعة، في حين تخيم على أيام الدورة لدى أغلب المشاركين روح السخرية والتندر من القائمين عليها».

ومع فرض الميليشيا أخيرا دروسا أسبوعية كل يوم أربعاء على موظفي الدولة في مختلف المؤسسات الخاضعة للجماعة، يؤكد ناصر.ع وهو موظف بدرجة مدير عام، في إحدى الجهات الحكومية أن الكثير من الموظفين حولوا هذا اليوم إلى يوم إجازة رسمية غير معلنة، على رغم التهديدات بالفصل والمعاقبة لعدم حضور الدروس المرئية والخطب الصوتية لزعيم الجماعة.

في أحد مطاعم صنعاء، الشهيرة، سألنا، عامل الخدمة، لماذا تراجعت جودة الطعام، لديكم؟ يتلفت يمينا وشمالا، ثم يهمس: «نزولا من قبلنا إلى المستوى الطارئ والجديد من الزبائن» في إشارة ساخرة من عناصر الميليشيا الذين باتوا هم وأقاربهم أكثر رواد المطاعم وأماكن الترفيه، في مقابل عزوف السكان عن ارتياد هذه الأماكن بسبب انقطاع الرواتب وتدهور أحوالهم المعيشية.

في الأسابيع الأخيرة، منذ أزمة الغاز المنزلي التي افتعلتها الجماعة للتضييق على السكان وجمع بياناتهم الشخصية عبر عقال الحارات مقابل الحصول على أسطوانة غاز بسعر مخفض عما هو موجود في السوق السوداء، اتخذ سكان العاصمة من الأمر وسيلة أخرى للرفض والسخرية عبر، تداول الرسوم الساخرة والصور والمقاطع المسجلة.

تمر إلى جوارك أثناء توقفك في أحد تقاطعات صنعاءـ سيارة تصدح بأهازيج الحرب وأناشيد القتال الحوثية (الزوامل) تدخل في حوار، مع السائق على اعتبار أنه، من عناصر الميليشيا، تفاجأ أنه من أشد مناهضيها، ولكنه يفتح هذه الأناشيد لدرء الشبهات عنه في نقاط التفتيش الحوثية المنتشرة في شوارع المدينة.

بدوره يستعيذ الشاب العشريني، الذي يجاورك في مقعده في أحد المقاهي العامة، أن يكون حوثيا، بعد أن توجّه له الحديث في هذا السياق استنادا إلى هيئته القبلية بالزي التقليدي. يقول: «أغلب الناس في قبيلتنا (بني مطر) غرب صنعاء يضمرون الكراهية للجماعة الحوثية ولكن الخوف من البطش يمنعهم من إظهار العداء».

ويضيف: «معظم الذين اتبعوا الحوثي في منطقتنا هم من المنبوذين اجتماعيا الذين يعرف عنهم أنهم الأكثر جهلا وعدوانية وطيشا، وبعضهم من أصحاب السوابق».

ولا تعدم أن تسمع وأنت تمر في أحياء العاصمة، أحد السكان يخاطب جاره الذي تبين أنه أصبح «حوثيا» إما لأنه من المنتمين إلى سلالة زعيم الجماعة، وإما لعمله في خدمة الميليشيا مقابل الفائدة المادية: «دولتكم دولتكم ما عادها سابرة إلا لكم». في معرض التعبير عن استئثار الجماعة بكل شيء، وترك الغالبية يواجهون مصير الفاقة والحرمان.

وفي مشهد آخر، يعرض أحد الباعة الجائلين أن يبيعك قرصا مدمجا للزوامل الحوثية (الأهازيج الحربية)، وحين يكتشف أنك مناهض للميليشيا، لا يتورع عن صب اللعنات عليها، قبل أن يشهر في وجهك قرصا آخر يضم أناشيد «ثورة 26 سبتمبر 1962» ضد الحكم الإمامي الذي تحاول الجماعة الحوثية اليوم بعد ستة عقود ترسيخ جذوره من جديد، ولكن هذه المرة، بنكهة إيرانية أشد عتوا في طائفيتها وتجريفها للهوية اليمنية.

هكذا، بدت الحال في صنعاء، مقاومة خفية ساخرة ورفض ناعم يغلفه الغضب المكبوت «في انتظار تلك الشرارة التي ستنطلق ذات يوم قريب، كما يقول، أحد الناشطين الشبان – لاستعادة العاصمة إلى حضن الدولة وكسر الشوكة الحوثية التي باغتت اليمنيين على حين سهو وافتراق». على حد تعبيره.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق