بقلم - عبدالعزيز النقيب
في يوم ١٥ يوليو ٢٠٠٥ طلب عفاش من سكرتيره الصحفي عبده بورجي الاعداد لحفل في يوم ١٧ يوليو ذكرى استيلائه على السلطة في الجمهورية العربية اليمنية و لكن بورجي ذكره ان شرعيته مستمدة من ٢٢ مايو و ليس ١٧ يوليو، لكنه اصر فلديه امر هام يريد يعلنه، حاول بورجي عبثا ان يثنيه او ان يعلم ما هو الامر فلم يستطع رغم قربه و تاثيره الطاغي على المخلوع، و عبده بورجي هذا كان يقوم بمهام مساعد المخلوع و ليس فقط سكرتير او مستشار، و تعاظم امره حتى سماه اقارب المخلوع ” رئيس الرئيس” حتى انه استحوذ على لقب الاستاذ مجردا بدون اسم الذي كان خاصا بعبدالعزيز عبدالغني.
و طلب المخلوع من بورجي ان يدعو جميع فعاليات الجمهورية و هو مصطلح يعني كل من قيادات البلد الرسمية و المعارضة و الاجتماعية و الدينية و الرياضية و الشبابية و الفنية و النساء و النقابات و الناشطين و هولاء يتراوحوا عددهم بين الالفين الى الثلاثة الف.
نفذ بورجي للمخلوع ما اراد و جمع الناس ليوم عظيم سيعلن فيه المخلوع امرا جللا، و لم يخبر المخلوع احدا بالامر المزمع اعلانه حتى ابنه و مرافقيه، و اجتمع الناس ليوم الزينة ليعلن فيه فرعون كذبته الكبرى، و فعلا وقف يخطب خطبة مرتجلة رغم ما اعده له بورجي من خطاب استلمه منه المخلوع امام الجميع و لم يفتحه مطلقا بل ظل مطويا في يده و هو يحركها في الجمع كانه عصا، و اخيرا قال اعلن اني لن اترشح مطلقا و صفق الجميع بحماس و بعد ثواني استوعبوا الكلام فصاح انصاره مانعين الاخرين من التصفيق و هاجت القاعة و ساد هرجٌ و مرجٌ و لكنه استمر في الكلام معلنا اصراره على موقفه، لم يفهم الكثير في حينه اهدافه المتعددة التي اربكت الجميع خصومه و انصاره، لكنه اجتمع بالمعارضة بعدها بساعات و اعلن امامهم انه سيرفع الدعم عن المشتقات النفطية جزئيا و طالبهم بعدم استغلال ذلك في تهييج الشارع ضده ففهم الجميع هدفه المباشر و الاول من اعلان التنحي و هو امتصاص اكبر قدر ممكن من ردود الافعال الشعبية حول رفع الدعم،
فعلا اجتمعت الحكومة بعد يومين و اعلنت رفع الاسعار من اليوم الثاني، فثار الشارع تلقائيا في صنعاء و حصلت تجمعات بسيطة في مواقف الباصات الرئيسية في صنعاء لرفض اصحاب الباصات الخضوع للتسعيرة الجديدة التي ستأكل م ارباحهم الكثير و تركهم للركاب الذين تراكموا و تجمعوا و انطلقوا في مظاهرات عشوائية صغيرة و لكنها سرعان ما انتشرت لتشمل صنعاء كلها، فقام المخلوع بالاتصال بنائبه حينها عبدربه منصور هادي و طلب منه الظهور على التلفزيون و الاعلان عن تعديل الرفع عن الدعم و محاولة امتصاص غضب الشارع،
رفض هادي رفضا مطلقا، و قال لم تستشرني و لم احضر اجتماعك مع الحكومة الذي اقر رفع الدعم، و قال قانونا و سياسة و عرفا من رفع هو من يخفض، و نتيجة هذا الموقف تم دفع المتضاهرين و مطاردتهم باتجاه شارع هايل من وزارة النفط و من شارع الجامعة و ضغطهم الى شارع هايل و ترك المجال لهم فقط بالتوجه الى بيت عبدربه مع دس من يقود المتظاهرين باتجاه بيت النائب الدي كان بحراسة عادية،
اتصل هادي بالامن المركزي و النجدة و لم يستجيبوا و استنجد بالدفاع الجوي الاقرب اليه و تجاهلوه و استنجد بالحرس و اخيرا استنجد بالفرقة فاستجاب علي محسن و ارسل مجموعة دبابات على قاطراتها و مجموعة مدرعات و تم التصدي للمتظاهرين و كان موقف علي محسن غاية في الذكاء فقد اوجد له حليف بديل لعفاش في راس السلطة و يقال انه انطلق من كونه رجل دولة و هذا نائب رئيس دولة و الحقيقة ان عبدربه و علي محسن حلفاء منذ ١٩٩٤ و عمدوا حلفوهم بشراكة تجارية كان واجهتهم فيها احمد العيسي الذي تربطه بعلي محسن و عبدربه من خلال قريبه العميد عمر العيسي.
عندما قامت ثورة فبراير ٢٠١١ لم يعلن هادي منها اي موقف لكنه لم يظهر مع المخلوع في اي حشد او حتى اجتماع حزبي و لزم بيته و كان هذا موقف حصيف حتى انه كان يقول حرفيا بلهجته البدو” بيتي زي الامم المتحدة لا مع ذولا و لا ذولا” و كان هذا موقف عدائي واضح للمخلوع فهو نائب رئيس المؤتمر و نائب رئيس الجمهورية و حياده بمثابة انحياز واضح للثوار و لكنه كان اسدا هصورا فقد كمن للمخلوع متربصا ١٧ عاما،
و عندما كان يرسل المخلوع الرسل معاتبا كان يخدعهم بالقول ان حياده خير للمؤتمر فاذا الت السلطة اليه – اي عبدربه – فسيعيدها لاصحابها – هكذا- و هو يقصد الشعب و رسل عفاش يترجموها لعفاش و الحصيف من الرسل يوصل الرسالة كما هي و غرور المخلوعها يترجمها باللاوعي ان اصحاب السلطة هو المخلوع و اقاربه،
و يوم جاء وقت الرحيل اكل المخلوع الطعم و اشترط ان تسلم لنائبه الذي تمنع كثيرا الا بشروط منها ان يتم اجراء انتخابات، و كان له ما طلب و استلم السلطة بعد انتخابات اجمع فيها الشعب على قبوله رئيسا و قام المخلوع بتسليم السلطة شكليا رغم انه خلع سياسيا في يوم الاثنين ٢١ مارس ٢٠١١ بعد ثلاثة ايام من ارتكابه غلطة عمره مجزرة جمعة الكرامة، و استلم هادي العلم الوطني و لم يستلم غيره لا جيش و لا امن و لا دار رئاسة و لا سمحوا له حتى بالاحتفال بعيد ٢٢ مايو ٢٠١٢ على منصة السبعين حيث فجروا المجندين تفجيرا و اتهموه به القاعدة،
و من حينها الى يوم سقوط صنعاء لم يستطع هادي صعود منصة السبعين، حينما وصل هادي للسلطة كان يعرف بحجم التحديات لذا لم ير حلا الا الاقاليم و ايجاد نظام اتحادي يقلل من سطوة المركز، و كان طريقه لذلك حوارا شاملا يمثل اعلى مرجعية و منه يكتب دستورا يقره الشعب و كان يسابق الزمن و هم يحاولون يخروا انجاز الدستور و يماطلوا حتى كاد ان ينجزه و لم يبق الا التوقيع عليه فتم اختطاف الدستور و من يحمله “الدكتور بن مبارك”،
اختطف بن مبارك و من ثم حاصر الحوثي_عفاش صنعاء و تنصلوا من كل التزاماتهم في الحوار الوطني و حاصروا الرئيس في بيته و قتلوا حراساته و عدد من اقاربه بينهم حفيد له، و بعدها حاولوا ان يستصدروا منه قرارات رفض مطلقا اصدارها ثم قدم استقالته ليتحلل من اي ضغوط، و تم حبسه و محاولات عديدة لتسميمه و لكنه كان يصبر على الجوع و العطش حتى ياتي طعام او شراب يأمنه،
و استمر الوضع هكذا حتى غامر بحياته و وضع روحه على كفه و فلت من بين ايديهم في عملية بطولية ساعده فيها الكثيريون من الوطنيين الاحرار و ما كان لها ان تتم لولا شجاعة الرئيس و اقدامه رغم كبر سنه و مرضه بالقلب، وصل الرئيس الى عدن فضج اليمن من اقصاه الى اقصاه فرحا بنجاة رئيسه و بقاء دولته و جمهوريته و شرعيته، و شرع الرئيس في اعادة ترتيب الامور من عدن و طفقت الوفود الشعبية من كل اليمن بالتوافد الى عدن في مشهد استثنائي يدل على شعبية للرئيس و توق لليمنيين في الانعتاق من الحوثة و عفاش،
لم يستمر الوضع كما هو فلم يلبث الحوثة الا شهرا حتى هاجموا عدن بكل الاسلحة و ضربوا قصر الرئاسة في عدن بالطيران و انطلق الرئيس الى عمان بعد ان قام بعملية تمويه دقيقة و غادر و في المكلا كاد ان يقتل لولا عناية الله و وطنية العقيد الوطني ذياب القبلي نمران الذي حمى الرئيس و ترفع عن العمالة و بيع ذمته،
و وصل الرئيس هادي الى عمان و رغم ما مر عليه و ما عانى منه طوال ثلاث سنوات و لكنه لم يرتح في عمان ليلة، و لو كان الرئيس جبانا و يبحث عن مصلحة لترك الحكم و هو عمان و لخلد للراحة و لا اعتقد ان احد سوف يلومه لكنه لم يتخل عن الشعب الذي منحه الشرعية و امنه على السلطة، و قام الرئيس بالاستعانة بالعرب لينقذوا اليمن من براثن ايران و قامت عاصفة الحزم و قاد الرئيس الحرب داخل اليمن بالاعتماد على المقاومة ثم انطلق ليؤسس جيشا وطنيا جديدا على اسس وطنية و هاهو كل يوم تزيد دولته و جيشه و ارضه و المنقلبون كل يوم ينقص جيشهم عددا و عدة و تتناقص الارض من تحتهم و تفر الناس منهم، و للعلم فالرئيس قادر على تحرير صنعاء اليوم و لكنه يرتب الامور لما بعد الحرب…
فهل هناك من يقول ان الرئيس هادي خائنا…
مهلا مهلا
بالنسبة لسكوته على ما كان الحوثي و عفاش يعملونه من التقدم الى صنعاء و هو لم يحارب كان ذلك لسبب رئيسي لم يكن يريد اي مشكلة قبل اقرار الدستور الجديد و في سبيل ذلك صبر عليهم و قد كاد ينجح لولا نقضهم الاتفاقات و خطف بن مبارك و الدستور.