دخل أسامة الشلفي مستشفى الثورة الحكومي في صنعاء، ليجد نفسه في طابور طويل رغم الألم الحاد في كليته. انتظر طويلاً قبل الدخول إلى الطبيب، الذي طلب منه إجراء فحوصات في مختبرات خارجية للتأكد من حجم الحصى. أدرك وقتها أن كل ذلك سيتطلب منه مالاً كثيراً، هو الذي لم يحصل على راتبه منذ أكثر من عام كامل. فقرر البحث عن عنوان أفضل معالج بالأعشاب. كان هذا خياره الأخير في ظلّ الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والمواطنون.
مع استمرار الحرب في اليمن، يزداد لجوء اليمنيّين إلى التداوي بالأعشاب، في وقت تعود أمراض إلى الظهور. وازدهر طب الأعشاب في ظل عدم قدرة الناس على دفع نفقات الأطباء والعلاجات، إضافة إلى عجز معظم المستشفيات عن العمل بسبب توقف حصولها على الأموال وعوامل أخرى، وتوقف بعض الأطباء عن العمل بسبب انقطاع رواتبهم. ومع انهيار النظام الصحّي، ولأنّ معظم الخدمات الأساسية متوقفة في البلاد بسبب الحرب، يفكّر اليمنيّون بالبدائل. ويقول أسامة الشلفي إنّ التداوي بالأعشاب أثبت فاعليته، كون العلاجات مستخلصة من الطبيعة، ولا تؤدي إلى آثار جانبية تضر بصحة المريض. وبالفعل، تناول تركيبة مكونة من الشعير وبذور الكتان، وتخلص من الحصى التي كانت تسبب له الألم.
وبسبب كثرة الإقبال على طب الأعشاب، باتت الإذاعات المحلية في صنعاء تتنافس لبث برامج دعائية للمراكز التي تستخدم الأعشاب للعلاج. ويؤكّد أصحاب هذه المراكز على أفضليّة طب الأعشاب كطب “آمن” وبديل للأدوية الكيميائية، ويقولون إنهم قادرون على علاج أكثر من 20 مرضاً، كالأمراض الباطنية والتناسلية والعظام والجلد، وحتّى تلك النفسية. ويشير هؤلاء إلى قدرتهم على تشخيص الحالة الطبية لمرضاهم، ويطلبون منهم إجراء فحوصات مخبرية، إلا أن بعض المختبرات الطبية لا تكون متعاونة.
في سوق الملح في صنعاء القديمة، باتت محال “العطارة” تبيع الأعشاب لمداواة المرضى. معظم من يعملون في هذه المحال شباب علقوا صور آبائهم، كإشارة إلى أنهم ورثوا طب الأعشاب عنهم. يقول أحد هؤلاء، ويدعى علي لُطف، إنه زاد إقبال الزبائن على السوق بعد بدء الحرب. يضيف: “ارتفعت نسبة البيع في محالنا لأسباب عدة، منها تراجع أحوال الناس المادية، ولاعتقاد الناس بعدم ضرر الأعشاب إن لم تنفع”، لافتاً إلى أن هذا الاعتقاد ليس صحيحاً. ويوضح أن عدداً كبيراً من الذين يرتادون السوق يثقون بنا، فيخبروننا عن أوجاعهم ونصف لهم الأدوية المناسبة.
إلى ذلك، للطبيب نبيل الغزالي رأيه حول العلاج بالأعشاب. يشير إلى أنه في حالات كثيرة، يمكن أن يفاقم المرض بدلاً من علاجه، في ظل قلة الدراسات العلمية حول تلك الأعشاب وأضرارها المباشرة أو غير المباشرة. يقول لـ “العربي الجديد”: “المشكلة أنّ معظم المعالجين يؤكدون معرفتهم بكل الأمراض من دون أي أسس علمية. فلو سألت أحدهم عن كيفية تفاعل عشبة ما في جسم الإنسان، أو المكونات الطبيعية للأعشاب، لصمت”. ويعتقد عدد كبير من الناس بأن الأعشاب لن تضر بصحتهم في حال لم تؤدِ إلى شفائهم، إلا في حال استخدمت بشكل سليم وبحسب القدر المسموح به يومياً. ويؤكد أنه “يمكن لبعض الأعشاب، خصوصاً في حال الإكثار منها، أن تؤدي إلى الوفاة أو الإصابة بأمراض خطيرة”.
يذكر أنّ المراكز الصحيّة تعرضت لأضرار مباشرة ومختلفة، وقد دمّر نحو 27 في المائة من أصل 301 مرفق صحي في مدن صنعاء وعدن وتعز وزنجبار. كذلك، تضررت 36 في المائة من المستشفيات العامة والخاصة والتعليمية، في ظل غياب الكهرباء ونقص الأدوية والتجهيزات الطبية وغياب نفقات التشغيل وتوقف رواتب أكثر من 52 ألف عامل صحي خلال الأشهر الماضية، ما أضر بالخدمات الصحية.
ويعمل القطاع الصحي بنسبة خمسين في المائة أو أقل في 16 من أصل 22 محافظة يمنية. ومن أصل 3507 مرافق صحية، تعمل نحو 45 في المائة فقط بطاقتها الكاملة، و38 في المائة منها تعمل جزئياً، و17 في المائة لا تعمل أبداً.