بقلم - د.عمر ردمان
في ظل الحديث عن تسوية أممية في الملف اليمني فإن ما يجري على الأرض منذ بضعة أيام يعد بمثابة تشكيل الواقع السياسي والعسكري بما يتناسب مع بنود تلك التسوية التي تحظى هذه المرة بدعم دولي أكبر من سابقاتها.
إعلان قائمة جديدة بشخصيات متهمة بالإرهاب تضمنت قيادات في الحكومة الشرعية وجيشها الوطني هو نقطة البداية في هز الثقة الدولية بمنظومة الشرعية الحالية والتخلي عن قيادتها تلبية للحاجة في إنجاح بنود التسوية التي تلوح في الأفق.
محافظة البيضاء ومقاومتها التابعة للحكومة الشرعية دخلت مرحلة (الحرب المنسية) منذ ثلاث سنوات بحجة تواجد عناصر إرهابية ضمن صفوفها؛ وهي ذات الحجة التي يتم التهيئة لها اليوم لمحافظة تعز وجيشها ومقاومتها من خلال إعلان اسم أحد القيادات السلفية في جبهة تعز ضمن قائمة الإرهاب الجديدة التي أعلنتها دول خليجية وأمريكا منذ أيام. كيف تحول الحليف الإماراتي (أبو العباس) في ليلة وضحاها إلى إرهابي وهو المقاتل ضد الحوثي وضد من يسميهم الإخوان المسلمين (الإصلاح) والمدعوم إماراتيا بسخاء ما مكنه من السيطرة على مرافق حيوية بمدينة تعز منها ضواحي وأسواق ومقرات أمنية وعسكرية بالغة الحساسية؟ لا نستطيع فهم ذلك -خصوصا بعد أن نشرت إحدى الصحف الإماراتية فور إعلان اسم رجلها السلفي في تعز ضمن قائمة الإرهاب- أنه استقدم جماعات متطرفة إلى داخل تعز لمقاومة الحوثي، لا نجد تفسيرا لذلك سوى أنه يراد لتعز أن تدخل مرحلة الحرب المنسية كما دخلتها البيضاء كأحد التزامات وضرورات التسوية الأممية المتوافق عليها أمريكيا.
التصريحات الأخيرة للأمير السعودي بن سلمان بأنه سيحسم المعركة عسكريا بررت في سياقها بأنه لن يسمح للحوثيين أن يصبحوا صورة أخرى لحزب الله على حدود مملكته؛ ما يعطي إشارة إلى أن التسوية القادمة ضمنت أمن حدود المملكة في الشمال اليمني مقابل منطقة ملتهبة في وسطه وجنوبه لا تبقي على طرف قوي سواء كان مع الشرعية الحالية أو ضدها وبضمانة قوات دولية ستمنع زحف الصراع المسلح من وسط اليمن باتجاه الشمال منطقة التهديد للحدود السعودية؛ وقد تمارس تلك القوات الدولية عملها بصورة مباشرة على الأرض أو بصورة غير مباشرة عبر الرقابة الجوية والتواجد الساحلي تحت مبررات مواجهة الإرهاب والحفاظ على أمن أهم ممر دولي (باب المندب) التابع لمحافظة تعز، علاوة على ما يتيحه قرار مجلس الأمن 2216 تحت البند السابع، وبكل الأحوال فستكون نتيجة مخزية لتحالف عقيم عول عليه اليمنيون لكنه لم يلد سوى جنينا مشوها لم يتم علاجه حتى اليوم.
يمكننا القول أن الدور الذي يقوم به المخلوع علي عبدالله صالح مؤخرا هو كذلك جزء من مهيئات تنفيذ بنود التسوية المشؤمة المزمع تنفيذها، حيث يمارس عملية تحريض غير مفهومة المعالم لوفود القبائل التي تتقاطر على منزله لتهنئته بنجاح العملية الجراحية التي أجراها فريق طبي روسي خاص هبط مطار صنعاء قبل أيام كما تم تداوله عبر وسائل الاعلام التابعة له، وهي شبيهة بتلك الاجتماعات التي أجراها مع وفود القبائل قبل اجتياح صنعاء في العام 2014م والتي كان ظاهرها التضامن معه بعد أن أعلنت وسائل إعلامه عن اكتشاف نفق أرضي حفره مجهولون باتجاه منزله لاستهداف حياته، ثم تبين لاحقا أنها لم تكن سوى عملية ترتيب لفتح طرقات القبائل الموالية له نحو صنعاء وتعاونهم مع الحوثيين في تنفيذ الانقلاب على الدولة.
ما ينبغي على قادة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية هو الاستعداد لمعركة كسر عظم تعيد بها الوضع إلى خانة متقدمة في خانات التسوية السياسية، ولعل من أهمها توسيع نطاق منطقتها الآمنة جنوبا باتجاه حقول شبوة النفطية المجاورة لمحافظة مأرب وتصفية كافة الجيوب الانقلابية فيها للإمساك بالعصب الاقتصادي مع الحفاظ على التماسك العسكري، ولكم في أحداث كردستان عبرة في فهم القوى الدولية لأهمية المناطق الغنية بالنفط وتقديرها للكيانات المسيطرة عليها.
دعوني أكون متشائما هذه المرة في قراءة المشهد الحالي وفق المدلولات المادية بمنأى عن الثقة في التدخلات الغيبية التي يمكن لها أن تقلب الطاولة على كافة التوقعات كما حدث من قبل.