كاتب بريطاني شهير يكتب عن أنفق طغاة العرب المليارات لإقناع الشعوب بموت الربيع العربي!

محرر 26 أكتوبر 2017
كاتب بريطاني شهير يكتب عن أنفق طغاة العرب المليارات لإقناع الشعوب بموت الربيع العربي!

في مقال مطول ومعمق للكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست، يعقد مقارنة بين زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين والقوى التي قادت الربيع العربي. “الإمارات71” يقدم للقارئ العربي خلاصات ما ذهب إليه “هيرست”.

يرى “هيرست” أن ثمة تشابه كبير بين كوربين والقوى التي قادت الربيع العربي: فكلاهما يمثل الفقراء والطبقات العاملة، وكلاهما نشأ من هامش الطيف السياسي، وكلاهما فاجأ المؤسسة الحاكمة التقليدية، وكلاهما اصطفت معظم وسائل الإعلام ضده، وكلاهما استهدفا مرارًا وتكرارًا من قبل المحاولات الانقلابية.

لقد نجح الانقلاب العسكري في مصر، ولكن نفس القوى المضادة للثورة والممولة من ذات الديكتاتوريات قامت بمحاولات الانقلاب في تونس وفي تركيا وأخيرًا في قطرـ تمامًا كما سعى التيار اليميني داخل حزب العمال البريطاني ومعه معظم أعضاء الحزب داخل البرلمان (وبدعم من الدولة العميقة البريطانية ورجال الأعمال والإعلام) وبشكل سافر مرارًا وتكرارًا إلى خلع زعيم حزب العمال.

ولكن ثمة فروق كبيرة أيضًا. ففي أصعب لحظاته وأحلك أوقاته ظل كوربين متمسكًا بقاعدته ولم ينأ بنفسه عنها أبدًا. لم يسع لاسترضاء أحد حتى في اللحظات التي بدا فيها وضعه سيئًا، ولم يفكر في التلون أو تغيير رسالته، بل ظل متشبثًا بما لديه من سلاح، وهو اليقين بأن الناخبين سوف يؤدون ما عليهم، وذلك ما فعلوه.

لقد ظن الإسلاميون الذين انتصروا في أول انتخابات حرة في التاريخ الحديث تجرى في كل من مصر وتونس بأنهم بحاجة لأن يتصالحوا مع أعدائهم في النظام القديم وفي قطاع الأعمال وفي المؤسسة الحاكمة؛ لكي يضمنوا الاستقرار في المجتمع. إلا أنهم سمحوا من خلال ذلك للدولة العميقة بأن تدق إسفينًا بينهم وبين ناخبيهم وبينهم وبين رفاقهم في الثورة.

بدأ محمد مرسي فترته الرئاسية بأداء القسم في ميدان التحرير، وأنهاها بالتخلي عن اليسار العلماني لصالح (من ظنهم) أصدقاءه الجدد داخل الجيش. وقبل أسبوع واحد من تغييبه وراء القضبان في السجن ظن مرسي أنه يحظى بدعم الجيش له.

واليوم، قام حزب حركة النهضة في تونس، الذي ما لبث يقدم التنازلات الواحدة تلو الأخرى، بمساندة قانون يمنح العفو للمتهمين بالفساد في عهد بن علي. أن تكون مؤيدًا للربيع العربي يعني أن تتعرض باستمرار للغدر والخيانة. ومقابل ماذا؟ فتات من المعونات الدولية؟ صندوق النقد الدولي؟

لا يعفي ذلك شركاءهم في اليسار العلماني الذين لم يكن أداؤهم أحسن حالًا، إذ أفسدتهم الرشاوى التي دفعت لهم مقابل تخريب جهود رفاقهم في الثورة. لقد انهمكوا هم أيضًا في لعبة سياسات الهوية، وفقدوا الرؤية التي تمكنهم من إدراك أن الوحدة أهم من المكاسب الفئوية.

من أجل الجميع 

القوى التي قادت حركة الربيع العربي تسلط عليها عداء وسائل الإعلام لها حتى نال منها وحال بينها وبين التواصل مع الناخبين، وانتهى بهم المطاف في حالة تشرد وهم أبعد ما يكونون عبارة عن حكومة في المنفى. وها هي جماعة الإخوان المسلمين قد نالت من جسدها الخلافات والانشقاقات، ولن يتسنى لها استعادة دورها والوقوف على قدميها من جديد، إلا حينما تتمكن من إفراز قيادة شبابية جديدة. أما عناصر المعارضة الأخرى فحالها أسوأ بكثير.

ومشكلتهم الرئيسة أنهم لا يسعون إلى الإجابة على السؤال المركزي في العالم العربي. فالأمر لم يعد يتعلق بسياسات الهوية وما إذا كنت تعتبر نفسك إسلاميًا أم علمانيًا، وإنما يتعلق بكيف تكون حاكمًا من أجل الجميع، وليس لمصلحة القلة كما عبر عن ذلك كوربين نفسه.

يتعلق الأمر بمنح كل إنسان نصيبًا عادلًا من موارد الدولة، ويتعلق ببناء دولة تحمي الشعب لا تتربص به لتفترسه، ويتعلق باقتصاد ناجع ناجح ومنصف. وهنا، لا تيار الإسلام السياسي ولا القوى الليبرالية العلمانية المناهضة له تقدم أجوبة أو بدائل فيما عدا الحديث عن إخفاقات النظام الرأسمالي العالمي.

نعم، لديها القدرة على الاستمرار كحركة احتجاجية ولكن ليس لديها برنامج أو خطة لما بعد سقوط الدكتاتور، يريدون السلطة، ولكن ليس لديهم أدنى فكرة ماذا عساهم يفعلون بها.

لا أقصد القول إن قوى المعارضة هذه انتهى دورها أو فقدت صلاحيتها، بل ثمة حاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن الأنظمة العربية التي قامت منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية فشلت فشلًا ذريعًا في إقامة عالم عربي واثق من نفسه، مستقل، ويتمتع بالرخاء الاقتصادي، وبات نموذج الحكم الذي قدموه مهشمًا.

هاك أغنى بلد في العالم العربي، المملكة العربية السعودية، التي يحكمها نظام يسعى لإعادة “توسيم” نفسه كمدافع عن حقوق النساء. في هذه الأثناء يقوم هذا النظام بهدر ما يقرب من نصف تريليون دولار من ثروة البلاد على عقود مدنية وعسكرية وتعهدات لدونالد ترامب بينما يعاني اقتصاد البلاد حالة من الانكماش.

دروس الربيع العربي العميقة

ثمة درس يمكن أن تتعلمه قوى التغيير في العالم العربي، ومفاده أن الرأي العام سريع التقلب ولا يوجد معركة يمكن أن تكسبها أو تخسرها بشكل مستدام. لقد أنفقت قوى الثورة المضادة التي يقف وراءها الملوك والحكام الطغاة في العالم العربي مليارات الدولارات حتى تروج لفكرة أن الربيع العربي مات، وأن كل من شارك فيه فإن عليه أن يجمع متاعه ويعود إلى بيته. إلا أن كوربين يثبت أن ثمة حياة بعد الموت.

الدرس الأول: لا تستسلم أبدًا. الدرس الثاني: تعرف على قواعدك الجماهيرية. الدرس الثالث: لا تسمح لأحد بدق إسفين بينك وبينها. الدرس الرابع: أوجد وسائل إعلام خاصة بك. الدرس الخامس: أعد برنامجًا متكاملًا للحكم يساعد الطبقة العاملة والفقيرة. الدرس السادس: لا تسعى للتصالح مع أولئك الذين يكرهونك؛ لأنك بذلك ستخسر مهما فعلت.

أيًا كان المستقبل الذي ينتظره، فقد غير كوربين مشهد السياسة البريطانية، وهو ما لا يمكن أن ينسب إلى ثلة من زعماء حزب العمال من أسلافه. لا تحتاج الدول العربية زعيمًا تقليديًا آخر، بل تحتاج إلى التغيير الحقيقي.

ولن يتسنى إنجاز ذلك إلا من الداخل، من الشباب فما فوق. لن تساعدهم في ذلك قوة خارجية، بل ربما سعت لإحباطهم وتقويض جهودهم. إن الجماهير العربية بذاتها ووحدها من تناط بها هذه المهمة، لقد دفع العرب ثمن خسارتهم الأولى من دمائهم في مصر وسوريا وليبيا واليمن، ولكنهم سينتصرون لا محالة في يوم من الأيام، ولكن عليهم أن يعدوا لذلك اليوم من الآن.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق