حاجة الشعب الأولى بعد الرغيف!

محرر 23 أكتوبر 2017
حاجة الشعب الأولى بعد الرغيف!
عبد العالي زواغي مدون جزائري
عبد العالي زواغي مدون جزائري

بقلم - عبد العالي زواغي مدون جزائري

لا يغيب عن ذي عقل حقيقة أن الميوعة بلغت حدوداً قصوى في بلداننا العربية، فصار العربيد إماماً ومفتياً، والخائن مصدراً لرواية التاريخ، واللص أميناً على المال، والجاهل معلماً وقائداً، والإمعة سياسياً ورجل دولة، والسفيه صار يتكلم في أمر العامة.

وكما يقول المناطقة والمشتغلون في حقول العلوم التجريبية: “لكل علّة سبب”، فنحن نعيش فعلاً في عالم من الأسباب والنتائج؛ لذلك فالأوضاع التي نعيشها نتيجة، وانسداد الأفق الذي نعانيه اليوم نتيجة أيضاً، وتغيير الواقع لا يكون إلا بمعرفة الأسباب وتعديلها أو تغييرها بتبَصُّر وحكمة.

إن ما يحصل لنا الآن هو نتاج البيئة الفكرية والسياسية والاجتماعية، التي وُلدت فيها أجيال عديدة ورضعت من إرهاصاتها، وإن كانت المؤامرة جزءاً من هذا الواقع غير السوي، ولا يمكن تجاهلها كعامل مهم لما يحصل، إلا أن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق المنظومة المجتمعية التي نحيا في كنفها وننهل من قيمها وأفكارها، والحل يكمن في إعادة صياغة هذه المنظومة بأفكارها وقيمها بشكل راديكالي، أو على الأقل تصحيحها وتنقيتها.

فالشعوب المستسلمة للفساد والإسراف والغلو والجهل والكسل، هي الشعوب المهزومة التي لا تصمد أمام رياح الأزمات وتنقاد بسهولة لسادة القطيع، على عكس الشعوب القوية التي تؤسس مجدها على العلم والعمل وعلى الإخلاص والصبر وتكافؤ الفرص، فهذه هي الشعوب التي تزدهر وتنتصر وتصمد.

إن هذه الشعوب التي نحن من رحِمها، هي التي دفعت إلى ظهور جيل من الحكام وقادة الرأي الذين يجلسون على كراسي المسؤولية، ويسيروننا بالعقلية الشعبية غير المتخصصة، ترى نفسها تعرف كل شيء، لكنها في الحقيقة لا تعرف أي شيء، فانعكس ذلك بالسلب على ممارساتها وسلطتها، التي وصلت إلى حد التعصب والإقصاء ومحاربة الكفاءات والمعارضات “غير المروضة”، فأصبح الأمر كذلك المثل الذي أوله “سقراط” بالقول: (المثل الذي يقول لا تعطي الطفل سكيناً، معناه لا تضع القوة في أيدي الأوغاد)، ولنا أن تتصور عندما يتجمع المال والسلطة والقوة في أيدي الأوغاد، وكيف ستكون ممارساتهم.

إن مجتمعاتنا لم تفلح سوى في إنتاج نخب حاكمة مشوهة، وهي فعلاً مسؤولة عن ذلك، وها هي اليوم تقف عاجزة في منتصف الطريق، ليس لها حتى قيادات فكرية تنير دروبها وتلجم جماح الدروشة السياسية والدينية والاقتصادية والإعلامية التي تقود الناس نحو الهاوية، وكأنّ شعوبنا صارت عاقراً لا تلد رجالاً.

وهذه النخب تتحمل الجزء الأكبر فيما وصلنا إليه من أوضاع بائسة ومآلات غير معروفة العواقب، وهي أيضاً من تملك مفاتيح الحل والخلاص إذا استشعرت واجبها واحتكمت لضميرها وثمنت تضحيات الشهداء، لكن للأسف الشديد، فإلى اليوم، لم تقُم هذه النخبة بواجبها التاريخي والحضاري؛ لأنها راحت تنسلخ عن واقع الناس المؤلم في رحلة البحث عن المناصب والشهرة والجاه والسلطة، متخلية عن دورها في تنوير الشعوب وتربيتها وتخليصها من مخلفات غياب العقل وقلة الوعي؛ لتترك بذلك المجال مفتوحاً أمام الجهلة وعديمي الضمير والأخلاق ليتصدروا المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والفكري والعقدي، ويقودوا المجتمعات نحو أفق مسدود وغير مرغوب.

الأكيد أن بناء الدول يسبقه بناء الشعوب، وكذا فعل كبار المنظرين والقادة الذين ما زال التاريخ يذكرهم، وقد كان محقاً أيقونة الثورة الفرنسية “جورج دانتون” حين قال: “حاجة الشعب الأولى بعد الرغيف هي التربية”، وأصدق منه قيلاً، محمد رشيد رضا حين صدح: “الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لشخص ضرير”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق