الاستثمار الإيراني في سوق الوكيل الحوثي

محرر 218 ديسمبر 2020
الاستثمار الإيراني في سوق الوكيل الحوثي
د. عبده البحش
د. عبده البحش
بقلم - د. عبده البحش
على امتداد التاريخ تميز الإيرانيون بنزعة توسع، عبَّروا عنها قديمًا بتشكيل إمبراطورية سعوا لمدِّ حدودها نحو أكبر قدر ممكن من بقاع الأرض، أمَّا محمد رضا بهلوي شاه إيران فرأى القوة في أن تكون إيران حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وأن تمتلك قوة نووية، وبعد نجاح الثورة الإسلامية في عام 1979 وإعلان إيران جمهورية إسلامية سعت إيران للقوة من خلال مدِّ نفوذها إلى دول المنطقة عن طريق تصدير ثورتها إليها، ولهذا الغرض مدَّت جسور التواصل بينها وبين الأقليات الشيعية في المنطقة، ووطَّدت علاقتها بهم ودعمتهم حتى يدينوا بولائهم لها قبل بلدانهم، وبذلك استطاعت بناء أذرع لها في تلك الدول قادرة على تهديد الأمن والاستقرار فيها لصالح إيران، واستخدامهم كأوراق ضغط في سياستها الإقليمية والدولية. وفي هذا الإطار وطَّدت إيران علاقتها بالحوثيين في اليمن على مدى ما يقارب العشرين عامًا، قدمت لهم خلالها أشكالًا مختلفة من الدعم الذي واكب حاجتهم ومتطلباتهم مع كل تقدُّم كانوا يحرزونه في طريقهم للوصول للسلطة.ارتبطت جماعة أنصار الله الحوثي بإيران ارتباطًا وثيقًا بعد لجوء بدر الدين الحوثي إليها نتيجة المقاربات التي كان يطرحها بخصوص اوجه التشابه بين الزيدية والاثنى عشرية، حيث أصدر كتابًا بعنوان «الزيدية في اليمن»، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثنى عشرية، ونظرًا للمقاومة الشديدة لطروحاته الجديدة، فإنه اضطر إلى الهجرة إلى طهران حيث أقام هناك عدة سنوات. وجدت ايران غايتها في عائلة الحوثي لصناعة الوكيل المخلص الذي سيعمل على تصدير الثورة الايرانية في اليمن وشبه الجزيرة العربية. فسارعت طهران الى تأسيس الجماعة الحوثية المسلحة ودعمتها بالمال والسلاح والتدريب. بدأت ايران استقطاب قيادات الحركة ومناصريها وإرسالهم إلى مدينة قم الإيرانية للتعليم الديني، كون المدينة تضم الحوزة العلمية، وتزخر بالعديد من المؤسسات والمدارس العلمية التي يزيد عددها على 60 مؤسسة ومدرسة منها المدرسة الفيضية وجامعة دار الشفاء والمدرسة الحجتية والجامعة المعصومية ومدرسة الكلبايكاني ومدينة العلم وجامعة الزهراء وجامعة الصدوق وجامعة المفيد وجامعة قم وجامعة المصطفی.

منذ عام 2015، زادت إيران بشكل كبير من دعمها لحركة الحوثيين. واستخدمت طهران بشكل روتيني علاقات الراعي بالوكالة لتوسيع نطاقها والوصول إلى الشرق الأوسط واستعداء خصومها مع تقليل مخاطر دعوة الصراع المباشر. تنمية الوكلاء من غير الدول وتطوير قدراتهم سمحت لإيران بإبراز قوتها على نطاق واسع في منطقة معادية لمصالحها. أصبحت هذه العلاقات ركيزة أساسية لسياسة إيران الخارجية في الشرق الاوسط. من وجهة نظر إيران، يقدم الحوثيون فرصة جذابة لنمو النفوذ الإيراني، وعلى أقل تقدير، يستنزف منافسيه السعوديين في مستنقع مكلف. حتى الآن، كان الدعم الإيراني وسيلة مفيدة لتعزيز هذه الأهداف. ارتبطت إيران بالحوثيين منذ حملتهم العسكرية الأولى عام 2004م، تاريخيا كان هذا الدعم في حده الأدنى. أصبح الدعم الإيراني ذا قيمة خاصة بعد التدخل السعودي-الاماراتي في مارس 2015م. وبمرور الوقت أصبح القادة الحوثيين يؤطرون الحرب الأهلية كجزء من صراع اوسع بين اليمن والسعودية على امل ان يستعيد الحوثيون اراضيهم التقليدية المتنازع عليها.

على الرغم من انه لا يوجد اجماع حول تقديم الدعم الايراني الى الحوثيين قبل 2011م، الا انه من المرجح ان يقتصر ذلك الدعم على تدابير منخفضة التكلفة ومنخفضة المخاطر التي عززت الوصول والاستخبارات الإيرانية قبل عام 2010م، قبل الربيع العربي وسقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كانت الدولة ضعيفة لكنها فعالة، مما جعل التسلل والدخول الإيراني أكثر صعوبة مقارنة بفترة ما بعد 2011م، عندما كادت الدولة تنهار وتفتح ابواب البلاد. فقد تمكن نظام صالح على الأقل من الحفاظ على دولة فاعلة إلى حد ما. هناك بعض الأدلة على الدعم الإيراني المحدود إلى حد ما من 2011م الى 2014م، وزاد ذلك الدعم في 2015م وشمل تقديم اسلحة اكثر تطورا (مثل الصواريخ الباليستية). تتمتع ايران بسيطرة مباشرة على سلوك الحوثيين واتخاذ القرار. الاهتمام الإيراني بسوق الجماعات الوكيلة المحتملة يعتبر الحركة الحوثية ذات قيمة استراتيجية لإيران بسبب قربها من الخليج والسعودية الخصم الرئيسي لطهران في المنطقة. عبر الثلاثة العقود الماضية استغلت إيران الحكومات الضعيفة لتطوير وكلاء يمكنهم إلهاء موارد أعدائها وإهدارها. بالنسبة الى اليمن حيث الحكومة الضعيفة وطرق التهريب عبر البلاد حفزت ايران لتقديم الدعم للحوثيين دون مخاطر او تكلفة عالية. تأجيج الصراع وعدم الاستقرار في اليمن يخدم مصالح إيران الإقليمية و أهداف جيوسياسية أوسع. الصراع المستمر يضمن عدم الاستقرار المستمر على طول حدود المملكة العربية السعودية، مما يصرف انتباه الرياض ويزيد من احتمال عبور العناصر الارهابية العابرة للحدود الى البلاد من اليمن. تستفيد ايران من وكيلها الحوثيين من خلال استمرار الصراع الذي تتركز مخاطره وتكاليفه على المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة. تجلب الحرب تكلفة منخفضة نسبيا على ايران، بينما تفرض تكلفة باهضة على السعودية والامارات دون التعرض للمواجهة المباشرة. على وجه الخصوص، يمثل الحوثيين الذين يقع معقلهم التقليدي في شمال اليمن وكيلا جيدا لايران وقريبا بما يكفي لتهديد المملكة العربية السعودية بشكل مباشر. وفقا لمسؤولين سعوديين، تعرضت مدينة نجران وحدها لاكثر من عشرة الالف قديفة مدفعية وصاروخية منذ بدء الحرب. جميع المطارات المدنية في عسير وجيزان ونجران اغلقت منذ يوليو 2015م بسبب خطر الضربات الصاورخية الحوثية. والجدير بالذكر أن الحوثيين أظهروا مؤخرًا قدرتهم على تهديد الرياض بالصواريخ الباليستية. من المحتمل أن إيران اعتبرت الحركة الانفصالية الجنوبية وكيل يحتمل أن يكون جذابًا. لكن منذ بدء الحرب، أثبت الحوثيون أنهم الخيار الوحيد القابل للتطبيق في اليمن، وهو الخيار الذي كانت إيران أكثر استعدادًا لدعمه.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق